1 ثورة الخميني وأزمات الجزائر يحاول بعض الشيعة في الجزائر تأصيل انتمائهم بدءاً من دولة “الأدارسة” في القرن الثاني الهجري أو دولة “الفاطميين” العُبيدية، ويجدون في محبّة آل البيت والقول بالمهدوية المجال الثقافي لهذا “التأصيل”، ما رأيكم؟ بعد ثورة الخميني في نهاية السبعينيات وإعجاب الحركات الوطنية واليسارية والإسلامية بهذه الثورة ضدّ حكم العسكر وجماعات المال، انتشر الفكر الشيعي في جانبه العقائدي والدّعائي في المجتمعات السنّية وبالخصوص في البلدان الّتي كانت تشهد عداء لإسرائيل وأمريكا. وكان التأثير لا يتجاوز الإعجاب وعند النخب العلمية اعتراف بالتطور في الفكر السياسي والفلسفي، فقد كان بعض الإخوان المسلمين الجزائريين يعتمدون في مسائل الاقتصاد على “اقتصادنا” لباقر الصدر أو في الرّد على الأفكار الماركسية والمادية والليبرالية “فلسفتنا” لنفس المؤلف، كما راجت كتب علي شريعتي ومرتضى مطهري والخميني في أوساط النخب الجامعية. وظلّ هذا التأثير إلى اليوم دون أن يكون لذلك علاقة مع التخلّي عن سنيتهم، أي أنّ هؤلاء أو بعضهم لا يمارس “الحسينيات” أيّام عاشوراء سرّا في الجزائر. ومع الحرب العراقية الإيرانية والوضع في لبنان، نشطَت الحركات المذهبية والسياسية المموّلة من دول الخليج في الرّد على المذهب الشيعي عقائدياً وسياسياً. وفي تسعينيات الجزائر وفي ظلّ أمواج من التّفكير والتّكفير، استمرّ المتشيّعة عندنا في تشرّب ما يَصِلهم من جديد خصوصاً ما كانت تطبعه دار “الرسالة” اللبنانية أو ما يوفّره الأساتذة المتعاقدون في الجزائر من كتب وتأثير خفِي أحياناً، من خلال بعض المواد الّتي يدرسونها. وفي مرحلة بداية التسعينيات ظهرت “مجموعات البهائية القاديانية” في الشرق الجزائري وفي وهران وبلعباس ولم يك لها الصيت، وردّ عليهم الشيخ أحمد حماني وسمّاهم “مبتدعة وخارجون عن الملّة” في كتابه “صراع بين السنّة والبدعة”، كما كان لرواج فكرة “المهدي المنتظر” فضاء خصب في زمن الأزمات الجزائرية، مع نهاية القرن الرابع الهجري وتوزيع رسائل تبشّر بذلك تظهر مع موسم عودة الحجيج الجزائريين. وقد أسهم بعض المثقفين الّذين تربّوا على مائدة المفكر مالك بن نبي مثل رشيد بن عيسى في الدفاع عن الفكر الشيعي واشتهر شاعر جزائري في مدح الخميني مصطفى الغماري، وفي عهد التواصل الإلكتروني يزور عديد الشباب مواقع الشيعة الإلكترونية ويشارك بعض الباحثين في الملتقى الدولي السنوي الخاص بالمهدوية بعد كلّ رمضان في طهران، وتبرمج ضمن فعاليات الملتقى زيارات للعتبات المقدّسة ولقُمْ، بعض منهم يكتفي بالتأثّر في مجالي الفكر السياسي والاجتماعي. وهنا يكون السّؤال: هل القول بالإمامة يهدم أصول المذهب السّنّي؟ وهل البحث عن التأصيل للتّشيّع في الدولة الفاطمية “العبيدية” الّتي قامت في الجزائر ثمّ مصر مجدياً في قولهم بشرعيتهم التاريخية؟ هذا ما نتعرّض له حلقات مراجعنا لاحقًا. باحث جامعي