يسعى الاكراد من خلال المعارك التي يخوضونها ضد المقاتلين الجهاديين في شمال سوريا، الى تثبيت سلطتهم الذاتية على الارض والاقتصاد في المناطق التي يتواجدون فيها، في استنساخ لتجربة أقرانهم في العراق، بحسب ما يقول محللون. وقضى 29 مقاتلا من الجهاديين والاكراد خلال يومين من المعارك في محافظة الحسكة في شمال سوريا، وادت الى طرد الاكراد للعناصر الاسلاميين المتشددين من مدينة راس العين على الحدود التركية. يقول الخبير في الشؤون السورية والحركات الاسلامية توما بييريه ان "الاكراد يعملون وفق مصالحهم الخاصة، وفي هذه الحال يريدون إزالة العوائق من امام اقامة كيان شبيه بدولة في شمال سوريا"، مشيرا الى ان الجهاديين "يمثلون أحد هذه العوائق الاساسية". ويضيف هذا الاستاذ في قسم الدراسات الاسلامية والشرق أوسطية في جامعة ادنبره "يستفيد الاكراد من اطار غير مرحب بالجهاديين، لا سيما العدائية المتزايدة حيالهم من قبل الجيش السوري الحر والسكان، اضافة الى القوى (الدولية) الكبرى". وأتت المعارك بين الاكراد والجهاديين بعد ايام من اشتباكات بين الجيش السوري الحر الذي يشكل مظلة لغالبية مقاتلي المعارضة ويحظى بدعم من دول عربية وغربية، وبين عناصر جبهة النصرة والدولة الاسلامية في العراق والشام المرتبطتين بتنظيم القاعدة في شمال غرب سوريا. ويقول تشارلز ليستر، المحلل في مركز "جاينز" المتخصص في شؤون الامن والارهاب، ان التوترات بين الاكراد والجهاديين تتزامن مع الذكرى الاولى لسيطرة اللجان الكردية المسلحة على تسع بلدات في شمال سوريا انسحبت منها قوات نظام الرئيس بشار الاسد. كما تأتي بعد شهر من اعلان "الحكم الذاتي" الكردي في "المناطق المحررة" في سوريا. وينتمي المقاتلون الاكراد الى لجان الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تعده تركيا منظمة ارهابية. ويخوض الاكراد هذه المعارك في سعي لتثبيت السيطرة على المناطق القريبة من تركيا. ويقول ليستر "ثمة اسباب تدفع الى الاعتقاد ان الاعلان عن الحكم الذاتي شكل ناقوس خطر بالنسبة الى الاسلاميين، لان هذه المنطقة باتت شديدة الاهمية، خصوصا بالنسبة للجهاديين الذين يمكنهم تحويلها الى ملاذ آمن لهم، والافادة من عائدات الحقول النفطية الموجودة فيها". من جهتهم، يبدي الاكراد حساسية مماثلة حيال الجهاديين. ويقول الكاتب والمحلل السياسي الكردي السوري فاروق حجي مصطفى، ان الاكراد "لا يريدون ان تسيطر القوى الاسلامية على المناطق الكردية". ويضيف "ان تصريحات الاسلاميين عن انشاء دولة اسلامية في شمال سوريا اثارت مخاوف الاكراد، فلذلك اتخذ الاكراد استعداداتهم لمواجهة اي طارىء، ومنها حماية الآبار النفطية وعدم تركها لاي جهة غير الوطنية السورية". ويمثل الاكراد نحو 15 بالمئة من سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون شخص، ويتركز وجودهم في المناطق الشمالية من البلاد الغارقة في نزاع دام منذ منتصف آذار/مارس 2011. ويتبع أكراد سوريا استراتيجية مماثلة لاقرانهم في العراق، الذين افادوا من الأزمات المتعاقبة لفرض حكم ذاتي كامل في وجه السلطة المركزية. ويقول حجي مصطفى "في الحقيقة الاكراد، ومنذ سنتين، استطاعوا حماية ذاتهم بالرغم من وجود الخلافات الفكرية او الايديولوجية الحادية بينهم. الا انهم (...) يتركون الخلافات الثانوية ويتحدون لمواجهة المشاكل الرئيسية" التي تواجه مستقبلهم. ورغم طرد الاكراد للمقاتلين الاسلاميين من رأس العين، الا ان بييريه يعتبر انه "من المبكر جدا القول ان الجهاديين هم في طور الخسارة". ويضيف "لكن من الواضح انهم يواجهون ميليشيات كردية مصممة ومسلحة بشكل جيد، كما ان أحدا لا يهرع لدعمهم، والجيش السوري الحر لن يأسف لرؤية الدولة الاسلامية تتلقى الضربات". ويرى ليستر ان بدء معركة لطرد الجهاديين من كل المناطق التي يعتقد الاكراد انهم أولى بالسيطرة عليها، ستضع حزب الاتحاد الديموقراطي في وضع صعب، على رغم ان لجانه الشعبية "في وضع عسكري ولوجستي وتكتيكي أفضل بكثير مما كانت عليه قبل عام، وذلك ربما بفضل مساعدة من حزب العمال الكردستاني". يرى الخبير السويدي في شؤون الشرق الاوسط آرون لوند ان هيئة الاركان في الجيش السوري الحر والمعارضة السورية دعتا "المجموعات المختلفة من المقاتلين المعارضين الى عدم الانشغال بمعارك ثانوية". وكان بيان مشترك للهيئة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية امس الخميس ابدتا "استغرابهما" من "الاقتتال بين الاخوة"، محذرتين من "من الوقوع في فخ التناحر" الذي يغذيه "النظام المجرم".