ورد هذا القانون الربانيّ في سياق آيات الطّلاق، قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} البقرة:237، ومعنى هذه الجملة الكريمة في خصوص موضوعها الّتي وردت فيه: ليتفضل بعضكم على بعض، فليكمل الرجل المهر كاملاً، أو لتنزل المرأة عن المهر كلّه، ولكن العِبرة بعموم اللّفظ؛ ولهذا قال العلامة السعدي: [الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة؛ لأنّ معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إمّا عدل وإنصاف واجب، وهو: أخذ الواجب، وإعطاء الواجب. وإمّا فضل وإحسان، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق، والغضّ مما في النفس، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة، ولو في بعض الأوقات، وخصوصًا لمن بينك وبينه معاملة، أو مخالطة، فإنّ الله مجازٍ المحسنين بالفضل والكرم، ولهذا قال: {إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}]، ولو يلتزم الإنسان هذا الخلق النبيل وهذا التوجيه الربّاني العظيم لارتاح في نفسه وأراح غيره. ومشيًّا على عموم اللفظ القرآني وشموله لعدة معانٍ، تدخل في هذا القانون القرآنيّ صور أُخَر مهمة، وهو ما نشاهده من التعامل مع ذوي الفضل، وبالخصوص العلماء، حيث نجد كثيرًا من الناس ينسون هذا التوجيه القرآني، فنرى العالم الذي ملأ الدنيا علمًا ودعوة، وسجّل المواقف المشرفة سنوات طوال، وبذل حياته خدمة لدين الله ولعباده، ثم يجتهد في مسألة فقهية محتملة أو سياسية نسبية، فتقوم أطرافٌ كثر –ليس لها علمه ولم تبذل بذله- في الإنكار عليه، وتشويه سمعته، وغمط كلّ فضائله، ونسيان كلّ ما قدّم وبذل، فأولى لهم لو التزموا قول الله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}، وقد جاء في الآثار: إنّما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل، فالفاضل من النّاس هو الّذي يعرف فضل الناس، ولا ينسى حقّهم، ولا يجحد إحسانهم، ويعدل في الحكم عليهم، ولا يمحو سنين من العشرة، وسنين من الصّواب، وسنين من الإحسان، بخطأ أو خطأين أو زلة أو زلّتين. إمام وأستاذ الشريعة بجامعة الجزائر