يفضل الكثير من الجزائريين قضاء شهر رمضان في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، ويتهافت العديد منهم على وكالات السفر والسياحة من أجل حجز تذاكر للإقلاع نحو خير البقاع لضمان الحصول على فرصة لأداء العمرة. فرغم الارتفاع الذي تشهده درجات الحرارة خلال تلك الفترة والصعوبات التي يواجهونها، إلا أن آلاف الجزائريين، شبابا وشيوخا، نساء ورجالا، يصرون على تكرار تجربة الصوم كل سنة هناك.. في مكة. حسب بعض المواطنين الذين اعتادوا على العمرة، يختلف شهر الصيام في مكة عن صيامه في غيرها من الأماكن. تقول سميرة إن رمضان في مكة يحمل نكهة خاصة يتم خلاله مشاركة المسلمين من كافة الأجناس فرحتهم بالثواب، حيث يتسابق المعتمرون لضيافة زوار بيت الله الحرام وإعداد أشهى الأطباق الرمضانية التي تحمل بهارات كل بلد على حدة من فيض ما يصطحبه معهم المعتمرون من كافة بقاع العالم. وهذا ياسين الذي وجد أن المظاهر الرمضانية في مكة وتآزر الشعوب، من بين أبرز السمات التي دفعته إلى الاجتهاد كل سنة لجمع مبلغ العمرة وتوفير ما يمكن توفيره للتمكن من الصيام هناك. ويقول ياسين الذي التقيناه بإحدى وكالات السفر والسياحة إن الأجواء الروحانية التي تحيط به في رحاب الكعبة المشرفة وخصوصاً في أوقات الصلوات الخمس وفي صلاة التراويح والقيام، تجعله يشتاق إلى رمضان لا لشيء سوى للقيام بهذه الرحلة الايمانية. ورغم كونه عاملا بسيطا إلا أنه، كما يقول، “يوفقني الله كل سنة لجمع المبلغ المطلوب”.. وعما إذا كان يصطحب أفراد أسرته معه إلى العمرة قال إنه يصطحب والدته وحماته وزوجته وأخواته بالتداول كل سنة. أما هذه السنة فقد حان دور والده. ويضيف ياسين أنه ينفق أغلب المال الذي يجمعه طيلة السنة على رحلة العمرة، إلا أنه يشعر براحة نفسية لا مثيل لها. ونصح محدثنا مواطنين آخرين بتجربة شد الرحال نحو مكة في رمضان، لأنها كما وصفها “رحلة لا يضاهيها مال الدنيا أو جمال عواصم العالم”. وكان من أهم ما لفت انتباه السيدة رقية التي اعتمرت السنة الماضية لأول مرة وتحرص على تكرار السفر هذه السنة خلال رمضان، تلك الأجواء التضامنية من طرف أهل مكة والمدينة المنورة، هؤلاء الذين لا يوفرون جهدا في استقبال المعتمرين بالشوارع وفي بيوتهم “فيضعون ما يسمى ب«البسطات” عندهم على طول شوارع بأكملها، تملأ بمختلف أنواع المأكولات والمشروبات ذات الصنع المحلي، على غرار الحبيبة والسوبيا والتي هي بمثابة الشاربات عندنا، كما تجتهد ربات البيوت في تحضير الحلويات ومختلف أنواع المكسرات تعد خصيصا لضيوف الرحمان”. وتتحدث رقية عن حرص العائلات هناك على ثواب الضيافة، فتجدها تتسابق لاستقبال المعتمرين، كما يقبل المعتمرون على تذوق “الكبسة” وهي الأكلة التقليدية المعروفة في المنطقة وهي أرز باللحم معد بطرق خاصة. وما جعل رشيد يعتاد على أداء العمرة في رمضان، تلك الأجواء الإيمانية خاصة بالنسبة للمعتمرين الذين يكونون قريبين من الحرم المكي ويستمتعون بجو طيب في الصلاة في كل الأوقات في الحرم، وهو الإحساس الذي يفتقده المصلون في مختلف الأماكن المتبقية، حيث يشعر المصلي برغبة الاستمرار في الصلاة دون انقطاع نظرا للراحة النفسية والصفاء الذي يحل على قلبه “فتزول الهموم وتبدد المشاكل والعبد أكثر قربا من ربه في أقدس الأماكن، وتطل ساعة مكةالمكرمة من ارتفاع 601 متر على ساحة الحرم المكي الشريف وتضاء ليلاً لتضفي المزيد من البهاء على المكان”. الزاد قبل السفر وتحرص العائلات الجزائرية التي تشد رحالها باتجاه البقاع المقدسة على أخذ كل ما يلزم من أكلات تقليدية جزائرية تعكف الأمهات على تحضيرها في المنازل خاصة العجائن منها، ذلك أن العديد منهم لا يدفعون أجر الإطعام لدى تقدمهم إلى الوكالات، فيما لا يعتاد آخرون على الأكلات الخليجية، ما يدفعهم إلى اصطحاب المأكولات التي اعتادوا عليها، ويعتبرها البعض الآخر مناسبة للتعريف ببعض العادات والأكلات الشعبية الجزائرية. ويحب المعتمرون صوت المدفع عند الإعلان عن موعد الإفطار بسبع طلقات والتي تعد من العادات القديمة التي ما يزال أهل المنطقة متمسكين بها، فتجد حبل المدافع والحجون والسليمانية من بين المناطق التي ذكرت من طرف محدثينا والتي حرصوا على زيارتها خلال أدائهم العمرة السنة الماضية. وتبقى جمالية خروج المسحراتي يوميا للتجوال بالأحياء المجاورة للحرم، ذات وقع طيب على الزوار. ويتهافت الصائمون على ملء الدلال والقارورات بماء زمزم استعدادا للإفطار ويحضرون التمر والحليب لعموم المعتمرين والمصلين المتواجدين بالحرم، في مشهد تعاون وتضامن بين جميع أجناس العالم. م.ش