فجأة، استيقظت الحكومة ووجدت أن هناك أسواقا فوضوية يقتضي إزالتها، وهناك تهريب للبنزين يتعين التصدي له بإرسال تعليمات إلى حراس الحدود. وأكثر من هذا وذاك، أعطى الوزير الأول عبد المالك سلال وزيره للمالية تعليمات ”لوضع حد للتحويلات غير الشرعية للعملة الصعبة نحو الخارج”. جاء تدخل الحكومة بعدما وصل رقم التحويلات للعملة الصعبة نحو الخارج مستويات ”مخيفة”، خلال السداسي الأول لسنة 2013، حيث تم تحويل 30,448 مليار من الدولارات نحو الخارج، أي بزيادة 12,7 بالمائة، مقارنة مع نفس الفترة لسنة 2012 (26,76 مليار دولار). هذا النزيف في تحويل العملة الصعبة المسجل في ظرف قياسي، جعل حكومة سلال تعطي الضوء الأخضر لوزير المالية ”كل السلطات للتصدي للمؤسسات والمستوردين الذين يحوّلون العملات الصعبة إلى الخارج بصفة غير قانونية. ولم تقتصر الأمور على تحويل ”الدوفيز” من الداخل نحو الخارج، بل كشفت مصالح الجمارك من خلال التحقيقات الوطنية التي باشرتها، أن العديد من ”المصدرين الوطنيين الذين لا يسترجعون أموالهم من العملة الصعبة”. وحسب مدير المراقبة البعدية بالمديرية العامة للجمارك، راق بن عمر، سمح التحقيق الذي خص منطقة جنوب الوطن بإيقاف 16 متعاملا غشاشا يصدّرون سلعا مختلفة عبر الولايات الحدودية، خاصة نحو النيجر، والتي قدرت قيمة المخالفات ب16ر4 مليار دينار، لكنهم لم يسترجعوا تلك الأموال من الخارج، وهي طريقة أخرى من الاحتيال لتهريب العملة الصعبة من الجزائر. ولم تتفطن الحكومة إلى هذا النزيف إلا بعدما بلغت فاتورة عمليات الاستيراد في سنة 2013، قرابة ال60 مليار دولار، وهو رقم قياسي يكاد يمثل مستوى صادرات الجزائر السنوية من المحروقات، ومرد ذلك، حسب الخبراء، إلى تضخيم الفواتير والتلاعب بالأسعار من أجل تضخيم الواردات من قبل مؤسسات وطنية وأجنبية، وبالتالي تحويل غير شرعي للعملة الصعبة. ويكون ذلك وراء اعتراف وزير المالية، كريم جودي، أن مخالفات الصرف في الجزائر أضحت ”آفة حقيقية يتعين على جميع مؤسسات الدولة محاربتها”، معلنا عن إجراءات سريعة تتخذ قريبا من أجل استئصال هذه الظاهرة. ونفس التأخر تعاملت معه الحكومة فيما يخص قضية تهريب الوقود، بحيث لم تستدع الحكومة اجتماعا عاجلا للدوائر الوزارية المعنية بالقضية، إلا بعدما بلغ حجم تهريب الوقود أكثر من 1,5 مليار لتر سنويا، وهو ما يمثل قيمة 100 مليار دينار، أي مليار أورو من الخسائر التي تتكبدها الجزائر سنويا، حسب وزير الطاقة يوسف يوسفي، الذي قال إن ”600 ألف سيارة تسير خارج حدود البلاد ببنزين جزائري”. الخطاب الرسمي المردد من قبل الوزراء، يشير أن السلطات العمومية اتخذت إجراءات صارمة لمكافحة تهريب الوقود، في انتظار أن يتم تطبيقها في الميدان. وما حصل مع التهريب للبنزين والعملة الصعبة، يتشابه مع ما عرفته البلاد من انتشار للأسواق الموازية، بحيث غضت السلطات الطرف عن هذه الظاهرة حتى تحولت إلى خطر على الأمن العام، وحتى عندما قررت الحكومة التصدي لها عن طريق القوة العمومية مقابل وعدها بتسليم محلات تجارية لإدماج العاملين بالأسواق الموازية، لم تف الحكومة بوعودها، الأمر الذي جعل الظاهرة أقوى من أن تستوعبها إجراءات سلال المتأخرة .