الرئيس تبّون يشرف على مراسم أداء اليمين    اللواء سماعلي قائداً جديداً للقوات البريّة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    تقليد المنتجات الصيدلانية مِحور ملتقى    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    أكثر من 500 مشاركاً في سباق الدرب 2024    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الملفات التي تمس انشغالات المواطن أولوية    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    إحباط إدخال 4 قناطير من الكيف عبر الحدود مع المغرب    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تمنراست في مواجهة ثالوث العهدة الرابعة والملاريا وغياب الاستثمارات
الرئاسيات تُخرج مطالب سكان الجنوب إلى الواجهة
نشر في الخبر يوم 20 - 12 - 2013

بمجرد نزولنا بمطار حاج باي أخاموك في تمنراست، رفقة وفد من إطارات مؤسسة سوناطراك، لاحظنا تراجع الإقبال السياحي على الولاية بالمقارنة مع السنوات الماضية، وكان الوضع الأمني ومخلّفات أحداث تيڤنتورين المبرر الوحيد الذي اقتنع به بعض مسؤولي الولاية ممن تحدثت إليهم ”الخبر”، في حين كان أعيان المنطقة وسكانها يؤكدون أن الولاية بحاجة إلى دفعة تنموية قوية تعيد لها نشاطها السياحي السابق وتثمّنه، وهو الإشكال الذي يعاد طرحه مع كل زيارة تقود وفودا إعلامية أو إطارات من شركة سوناطراك إلى المنطقة.
رغم أن زيارة الوزير الأول عبد المالك سلال للولاية في 7 نوفمبر الماضي لم يمض عنها سوى شهر ولافتات الترحيب والثناء ما تزال معلقة عبر الطرقات الرئيسية ومداخل الأحياء، إلا أنها لم تجلب لسكان المنطقة أي جديد، حسب محمد الذي أكد لنا أن مختلف المرافق التي تم تدشينها خلال زيارة الوزير الأول لم تدخل حيز الخدمة بعدما جعل السكان ينتظرون مدة إضافية غير محددة. وكعيّنة أرشدنا السكان إلى المحطة البرية لنقل المسافرين الجديدة، والتي تم سحب كل الحافلات منها عقب انتهاء الزيارة.
أحداث تيڤنتورين تكبح العمل السياحي
وكانت أحداث تيڤنتورين حديث سكان المنطقة الذين تعرّضوا إلى خسائر معتبرة، بعد قرار الدولة منع دخول الأجانب إلى الولاية، فالعمل التجاري تراجع لتتراجع معه مداخيل مختلف المؤسسات الفندقية والسياحية من العملة الصعبة، بعدما أصبح السياح يتوجهون مباشرة نحو مدينة جانت بولاية إليزي كبديل يراه عشاق السياحة الصحراوية مناسبا.
العمل السياحي في البلاد عموما مازال بحاجة إلى إرادة سياسية قوية وقرارات حقيقية تمكّنه من المساهمة في التنمية الاقتصادية الوطنية، وبولاية تمنراست ”مدينة الطبيعة العذراء” مازال السكان ينتظرون استثمارات حقيقية تغيّر وجه المدينة وتمنحها نفسا جديدا ومناصب شغل إضافية لأبناء المنطقة.
ونظرا لما تعرفه الإمكانيات السياحية غير الطبيعية ببلادنا من فقر في الخدمات ومستوى المرافق المنجزة، يرى الزوار أن الدولة ملزمة بفكّ قيود المستثمرين وتمكينهم من بناء وجهات سياحية قادرة على المنافسة، فالمرافق التي توفّر خدمات جيدة وتوجّه لاستقبال السياح قليلة، إن لم نقل تعدّ على الأصابع في الولاية.
الأجانب ممنوعون من دخول ولاية تمنراست
الأجانب ممنوعون من زيارة تمنراست حيث يتم توجيههم الى جانت بولاية اليزي، حسب ما أكده مسؤول في السياحة بالولاية، الذي يرى أن أحداث تيڤنتورين مازالت تلقي بظلالها على السياحة الصحراوية عموما وعلى تمنراست خصوصا، فالإقبال على المنطقة تراجع في الفترة الأخيرة وما جعله يتراجع أكثر منع دخول الأجانب، الأمر الذي جعل الحكومة ممثلة في وزارة السياحة والصناعة التقليدية تفكر في التركيز على السياحة الداخلية وتتجنب استقبال الأجانب، هؤلاء الذين أصبحوا لا يشعرون بالراحة وفق ميشال الذي التقته ”الخبر” بمطار تمنراست، نظرا لكثرة مرافقيهم في كل جولة سياحية بربوع الصحراء بولاية إليزي، وهو الوضع الذي يريد السياح الأجانب، كما يريد مسؤولو السياحة بولايات الجنوب، أن يتغيّر.
البحث عن أسواق داخلية كبديل
البحث عن أسواق داخلية أصبح المهمة التي كلف بها الديوان الوطني للسياحة، هذا الأخير الذي شرع في اتصالات مع مؤسسات عمومية وخاصة قصد سدّ العجز المسجل في الإقبال هذه السنة، لكنها ”غير كافية لحدّ الساعة” بالنظر إلى شكاوى مالكي المحلات والمؤسسات من الركود الذي عرفه القطاع التجاري على خلفية الأزمة.
الوضع الأمني يضرب السياحة في الصميم
وفي دردشة مع سكان مركز ولاية تمنراست أبدى هؤلاء انزعاجهم نظرا لتأثيرات الوضع الأمني على السياحة، وانعكاسه بصفة مباشرة على مداخيلهم في التجارة والخدمات التي كانت تمثل المداخيل السياحية 70 في المائة منها. فعمر وأحمد وعبد الكريم وطارق وآخرون يرون أن الإجراءات الاحترازية التي قامت بها الدولة لا حاجة لها، فبالنسبة لهم ”الوضع الأمني جيد، والإجراءات التي قامت بها الدولة تعطي فهما خاطئا عن المنطقة، وتمنح انطباعا وكأن الجماعات الإرهابية منتشرة بالمنطقة، وهذا يضر بالسياحة وبعملنا”.
«التوارڤ الأصليون يغيّرون مكان إقامتهم وتواجدهم عندما يتوافد على تلك المنطقة أشخاص غرباء”، لذا فإن مدينة تمنراست، وفق أعيان المنطقة، لا تضم السكان الأصليين وإنما ساكنين وفدوا من عدة ولايات للعمل بها، لهذا فإنهم يتنقلون عبر الصحاري ويطّلعون على كل خباياها، ما يجعلهم وفق الأعيان فئة ذات أهمية بالغة إن رغبت الدولة في الاستعانة بهم لأغراض أمنية.
العهدة الرابعة
العهدة الرابعة ملف للنقاش المفتوح الذي يحب سكان تمنراست الخوض فيه كلما تواجدوا في المقاهي والمحلات والأسواق الشعبية ومحطات النقل، فالحديث لا ينقطع عن هذا الموعد الانتخابي الهام.
وعكس توقعاتنا وجدنا أن سكان الجنوب لا يرغبون في استمرار الوضع السياسي للبلاد على حاله، رغم أنهم غير ممارسين للسياسة، فلا يوجد أي حزب سياسي وُلد بولاية تمنراست أو أسسه أبناء المنطقة، ورغم ذلك فهم متتبعون جيدون ومناقشون محترفون، مقتنعون ب«حق التداول على السلطة”. فما ذهب إليه عيسى والطيب وآخرون يؤكد متابعتهم الدائمة لآخر أخبار الحزب السياسي الذي يصفونه هناك ب«الحاكم” وينتخبون له في كل موعد، واطّلاعهم على آخر تطورات صحة الرئيس، وهي الأخبار المستقاة–حسبهم- من التلفزيون الجزائري وبعض الفضائيات والجرائد، بما أن النواب عن الولاية لا يكلّفون أنفسهم الاجتماع مع المواطنين وطرح النقاشات السياسية الراهنة، وفق ما أكده مسعود باستهجان كبير.
لا يمارسون السياسة وأوفياء ل”الانتخاب” و”الحزب الحاكم”
سكان الولاية ينتخبون بقوة، وأغلبهم أوفياء لما يسمونه ”الحزب الحاكم” على مدى عقود، ذلك أن الأحزاب الأخرى، حسب العم عبد الكريم، لم تتمكن من التأثير فيهم كونها لا تنشط بالوتيرة المطلوبة، كما أنهم أوفياء، يضيف، للفعل الانتخابي في حدّ ذاته، فالكل حريص على المشاركة في الموعد حتى لو أودع الظرف فارغا في الصندوق: ”أنتم في العاصمة تتابعون وتتعرفون بهم عن قرب، وتعرفون من يصلح ومن لا يصلح”، لتتابع أمينة ”نحن لا نعرفهم ولا نراهم طيلة سنوات لماذا ننتخب عليهم؟ ما يهمنا أكثر هو الختم على بطاقة الانتخاب”، وإن كانت هذه نظرة جيل اليوم، فجيل الأمس لا يسمع عن نشاطات الأحزاب إلا من خلال الإعلام وفق ما أكده محدثونا: ”نحاول معرفة برامجهم عبر الإعلام فقط، ولا نحظى بلقائهم في ولايتنا قبل الموعد الانتخابي، لأنهم يركزون على المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة”، وعند موعد الانتخاب يتوجه الجميع إلى مكاتب الاقتراع.
سكان تمنراست لا يرغبون في ”رئيس مريض”
وعن فرضية تقديم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لخوض عهدة رابعة، يرى سكان الولاية ممن تحدثت إليهم ”الخبر” أن الوضع الصحي للرئيس لا يسمح بذلك مهما كانت درجة تعافيه بعد النكسة، فالعديد منهم لا يرغبون في مواصلة الرئيس في الحكم بعد مرضه، رغم تعلقهم الشديد به وفق ما صرحوا به قائلين: ”اللّه غالب، نحن نحبه لكنّه لا يستطيع المواصلة في ظل وضعه الحالي”.
وبالمقابل، تعرفت ”الخبر” على آراء مواطنين آخرين أبدوا لامبالاة كبيرة تجاه هذا الموعد الانتخابي الهام: ”لا نسمع شيئا عن العهدة الرابعة، ونحن غير مهتمين بذلك”، ولأنه يتم نعتهم بأصحاب التنورات القصيرة أو ”ميني جيب” باللّفظ العامّي، كونهم لا يندمجون في العمل السياسي، فضّل هؤلاء الابتعاد عن ما أسموه ”سوق الكراسي”، وفضّلوا الالتزام بأداء الواجب الانتخابي بقوة حتى في حالة عدم اختيارهم لأي مترشح ضمن القوائم.
شبح الملاريا
وشكّل التواجد المكثف للرعايا الأفارقة في تمنراست مصدر قلق للسكان المحليين مخافة انتشار الأمراض المعدية، وفي مقدمتها ”الملاريا” التي أطلق عليها هؤلاء تسمية ”المرض الشبح”، فالرعايا الأفارقة الوافدون من مالي والسنغال وبوركينافاسو والنيجر والتشاد وغيرها وجدوا ضالتهم في المدينة التي فتحت أبوابها أمامهم فأصبحوا الفئة المفضلة للتشغيل من قِبل أرباب العمل وأصحاب المال، الذين يجدون سهولة تامة في توظيف ”الحراڤة” الأفارقة على حساب شباب المنطقة، باعتبارهم صفقة رابحة لا تتطلب التأمين ولا تطلب أجورا مرتفعة.
20 حراڤا إفريقيا في شقة واحدة
ويقبل الرعايا الأفارقة العمل في مجالات البناء والأشغال العمومية والتجارة، تحت رعاية مقاولين وتجار من الولاية يحرصون على تأمين منازل ومستودعات تأويهم، ويروي المحليون أن هذه الفئة أصبحت تتشارك بأعداد كبيرة في كراء مساكن بمبالغ مالية تتراوح بين 2 مليون إلى 4 مليون سنتيم شهريا، وصلت في بعض الأحيان إلى تشارك 20 حراڤا في منزل واحد.
عمال ”سوناطراك” يعودون إلى أحداث تيڤنتورين
جولتنا السياحية رفقة وفد من عمال وإطارات مؤسسة سوناطراك انطلقت من مركز المدينة باتجاه ”الأسكرام” التي تتوفر على أعلى قمة في الجزائر، جبل تاهات على ارتفاع 3003 متر، كانت الطريق فرصة جيدة لسماع ما علق في ذاكرة بعضهم عن أحداث تيڤنتورين، وما أثار استغراب بعضهم قيام الجماعات الإرهابية باستعمال آيات القرآن الكريم في تحديد هوية المحتجزين وتصنيفهم، فمن يحفظه جيدا في غرفة، ومن لا يحفظ ويعرف بعض الآيات في غرفة، ومن لا يعرفه بتاتا في غرفة أخرى، وقد كان المقياس المستخدم، حسبه، في تحديد هوية بعض الأجانب الذين كانوا ضحايا هذه العملية الإرهابية فيما بعد.
المتحدثون عن الوقائع كثر والأحداث التي مرّ بها كل منهم متنوعة، فمنهم من فقد أصدقاءه، ومنهم من فقد أقاربه، ومنهم من كان محظوظا، ليتمكن أصدقاِهم وذووهم من الفرار في إطار العملية التي نفذت من قِبل الجيش الشعبي الوطني.
«الأسكرام” موطن الرجل الأزرق
مررنا ونحن في طريقنا إلى ”الأسكرام” بجبال ”إغاهن” والتي تعني في اللغة الترڤية ”الأهڤار” موطن الرجل الأزرق، التي عرفت تكوّن أولى الأسر من السكان الأصليين للصحراء. وكان العم عبد الكريم يجيب عن مختلف تساؤلات الوفد الذي يجهل بعض أفراده خبايا الصحراء، ويصحح توقعاتهم ومعلوماتهم الخاطئة حول الطبيعة الصحراوية، ليعرّفهم بجبل ”أدريان” باللغة الترڤية التي تعني الفراغ بين الأسنان، أو كما تسمى بالعامية ”الفلجة”، وجبل إيهران ويعني ”المهراس” حيث يبعد 11 كلم عن ولاية تمنراست. جبل ”تانتايليون” 2780 متر، وجبل ”ايلامان” وجبل ”تينغار” كلها تحدد معالم الطريق إلى ”الأسكرام”، حسب ”أمنير” أو المرشد السياحي الذي أكد أن هذه المناطق تعرف انتشار العديد من الأعشاب الطبية، ويقطع التوارڤ الأصليون وسكان تمنراست عدة كيلومترات مشيا على الأقدام انطلاقا من وسط المدينة بحثا عنها، على غرار عشبة ”تباريمت” التي تنفع لعلاج حالات البرد، وعشبة ”القزاح” التي تعتبر وصفة جيدة لعلاج أمراض الكلى وفق سكان المنطقة، وتبعد ”الأسكرام” 150 كلم عن جبال الطاسيلي و150 كلم عن جبل ”تيفرست”.
أجمل شروق وغروب في العالم
وبوصولنا إلى القمة الباردة كانت الشمس تشرف على المغيب بعد فترة استراحة قصيرة في واد ”أفيلال”، وكان الطقس يزداد برودة كلما أشرفت الشمس على لقاء القمم الجبلية، ما يوجب فترة استراحة قصيرة للوفد قبل الشروع في صعود القمة الجبلية على ارتفاع 800 متر.
في غرف مشيّدة بالحجارة التي تتوفر عليها المنطقة ولا يتعدى عددها ال6 غرف، يضطر جميع السياح الأجانب والمحليين إلى مبيت ليلتهم للتمكن من مشاهدة غروب وشروق الشمس في جبل ”الأسكرام”، وهي إمكانيات وصفها السياح بالمتواضعة جدا، خاصة وأن هذه الغرف لا تتوفر على مقوّمات الراحة ولا تحتوي إلا على أفرشة للنوم، فيضطر الزائرون إلى تحمّل البرد القارس، فالمراحيض جماعية والنوم في غرفة واحدة للنساء وأخرى للرجال، ولا وجود للحمام، فيما تتوفر الكهرباء ابتداء من الساعة السادسة مساء وإلى غاية الساعة 12:00 ليلا فقط، في حين تقطع تغطية الهاتف النقال في ساعات مبكرة.
مطالب بتهيئة مرافق الاستقبال
هذه الظروف اعتبرها وفد شركة مؤسسة سوناطراك غير لائقة، وطالب الجهات المعنية بوزارة السياحة بتثمين الوجهات السياحية الصحراوية من خلال توفير مرافق تناسب طبيعة المنطقة وتوفّر الحد الأدنى من الخدمات للسياح لضمان الحفاظ على مستوى الإقبال، على غرار الجهود المبذولة في المناطق الشمالية والهضاب العليا. وقال أفراد الوفد إن الميزانية الموجهة لترقية القطاع السياحي بحاجة إلى التقسيم العادل بين ولايات شمال وجنوب البلاد، في ظل المقومات الطبيعية ”الساحرة” التي تتوفر عليها المنطقة، والفلكلور المتنوع من اللوازم التقليدية والزي التارڤي والمناخ المريح.
منزل خاص لاستقبال الرؤساء والوفود
وأكد أعيان المنطقة أن السلطات العمومية قادرة على إنجاز مرافق استقبال ذات جودة عالية على غرار المنزل المتواجد إلى جوار الغرف السابقة، هذا الأخير المزوّد بكافة إمكانيات الراحة الفاخرة، حيث تم بناؤه في جبل ”الأسكرام” من قِبل جهات حكومية وفق أعيان المنطقة وكان يخصص لاستقبال الرؤساء والشخصيات الأجنبية المرموقة، حيث حظي بزيارة الرؤساء السابقين الشاذلي بن جديد وعلي كافي واللاعب السابق في المنتخب الفرنسي لكرة القدم زين الدين زيدان بعد اعتزاله ونائب رئيس صندوق النقد الدولي سنوات التسعينيات.
حلم ”شارل فوكو” يتحقق
وكانت الفرصة لمشاهدة مزيج الألوان الذي يرتسم مع كل غروب للشمس بالمنطقة، وتمتد أشعته لتبدي مختلف القمم الجبلية البركانية المترامية عبر أطراف الصحراء، وتبرز من خلالها أضواء مطار تمنراست والمدينة برمّتها نظرا للارتفاع الشديد. وكان في استقبالنا بأعالي الجبل البابا بنتورا بوش دومينيك الوافد من برشلونة، حيث قدّم لنا حبات من التمر وبعض الماء، قبل أن يتحدّث للوفد عن الشخصية الأجنبية شارل فوكو الفرانكو-جزائري الذي كان جنديا بالجيش الفرنسي في ولاية سطيف سنة 1886 وتوجه الى تمنراست في 1905، عندما كانت ”تمنراست” مستقرا للتوارڤ الأصليين بالمنطقة وكان النوماد يأتون للراحة، ليتأكد أن العالم واسع جدا وأن هناك إله واحد يحكمه، ويستقر في بني عباس بولاية بشار بعدها عاد إلى تمنراست واستقر في منطقة ”جات لوات”.
الراهب ادوارد وصديقه الإسباني فانتورا يقيمان منذ سنوات بالقمة الجبلية، رغم صعوبة تضاريس المنطقة من أجل السهر على خدمة بيت الصلاة الذي شيّد من قِبل الراهب الفرنسي شارل فوكو ڤولد في 1911، ومنح الأمر لبناء بيوت ووضع أجهزة للأرصاد الجوية من قِبل النقيب ”ليجوندر” والملازم الأول ”ايمبارد”.
وتعتبر القمة الجبلية، وفق البابا بنتورا بوش دومينيك، مصدرا هاما لمراكز البحث عبر العالم المهتمة بالتغييرات الجوية في ”الأسكرام”، كونها ترتفع 2780 متر عن سطح البحر حيث يتم رصد حالة الطقس من قِبل الباحثين ودراسة التغييرات الجوية.
ويقول البابا بنتورا، في حديثه ل«الخبر”، إن حلم ”شارل فوكو” يتحقق الآن، لأن الناس أصبحوا يأتون للزيارة وللاستكشاف من مختلف الأجناس، في مكان يتوفر على أمور عديدة تستحق الزيارة ”الطبيعة والصلاة والأشخاص لمشاطرتهم ذلك”.
5 درجات تحت الصفر
5 درجات تحت الصفر كانت درجة الحرارة عندما صعدنا صباح اليوم الموالي إلى قمة جبل ”الأسكرام”، من أجل الاستمتاع بمشاهدة أجمل شروق للشمس في العالم، وفق ما أكده خبراء عالميون.
وفي طريق العودة مررنا عبر منطقة ”ايزرنن” التي يعيش سكانها عزلة مطلقة، حيث يضطر الأطفال والطلبة إلى التنقل لمسافة 60 كلم من أجل مزاولة الدراسة، ثم ”واد أسكرام” الذي يصب في واد تمنراست الجاف ولا تجري فيه المياه إلا شهري جويلية وأوت، لنتوقف للراحة في منطقة عين ”تهابورت” المشهورة التي تعني ”المنبع” بلغة تماشق التارڤية المحلية، وتتوفر مياهها على نسب معتبرة من الأملاح المعدنية والغازات، وشبّه السياح ذوقها بالمياه الغازية الطبيعية. إلا أن المنطقة تبقى في حاجة إلى استثمارات حقيقية لإنشاء مرافق الاستقبال والراحة للوافدين عليها، وهي الرغبة التي لمستها ”الخبر” في حديث سكان المنطقة الراغبين في ترقيتها كوجهة سياحية، ما من شأنه فتح مناصب شغل جديدة.
دعوة للاستثمار في المياه المعدنية وحليب الناقة
وتحدّث أحد السكان الأصليين بالمنطقة عن إمكانية الاستثمار في جمع حليب الناقة، خاصة أن العديد من مالكيها يضطرون إلى جمع آلاف اللترات من الحليب ودفنه في الصحراء، بسبب عدم توفر الوسائل اللازمة لجمعه وتوزيعه، خصوصا أنه يعرف بفوائده العلاجية الغنية.
رسومات صخرية وأضرحة ملكية
وبعد العودة إلى المدينة تعرّفت ”الخبر” على منطقة ”أقنار” التي تتواجد بها رسومات حجرية قديمة تعود لعصور ما قبل التاريخ. يستطيع الزائر أن يعود إلى العصور القديمة من خلال معرض فريد في الهواء الطلق، ولم يكن مكان الاستراحة في ”تقنارت” أقل روعة فالمنطقة الصخرية تمثل جبالها أشكالا لحيوانات وأشياء مختلفة يرسمها كل زائر حسب مخيّلته الخاصة، كما حظي الوفد بالتعرف على طريقة طهي الأكلة الشهيرة ”تاقلا”، والتي تطهى محليا فوق الجمر وتتكون من الدقيق والمرق الأحمر.
وبعودتنا إلى مخيم ”كارافانسيراي” الذي شيّده مالكه بوغالي التوفيق منذ سنوات لاستقبال السياح، أطلعنا المتحدث على الصعوبات التي واجهها خلال مختلف مراحل الإنجاز، والتي لم يتحصل خلالها على أي مساعدة مادية من قِبل الهيئات المعنية بالسياحة في البلاد، وبخروجنا منه مررنا على مخيم ”داسين” الذي اختار له مالكه اسم الشاعرة أخت ملك التوارڤ ”أخاموق”، والذي شُيّد بالمجهودات الفردية لصاحبه فقط، حسب قاطني المنطقة.
في اليوم الموالي توجه الوفد إلى ضريح ”تينهينان” مرورا ب«إن أمڤل”. و«تيت” الملكة التي كانت مولعة بالترحال والتنقل واكتشاف قلب الصحراء العميقة غادرت مسقط رأسها ”تافيلالات” جنوب الأطلس المغربي، متجهة إلى منطقة الهڤار بالجنوب الجزائري. ويقع ضريح ”تينهينان” فوق تل وادي ”أباليسة” على ارتفاع 914 متر بعيدا عن ولاية تمنراست بحوالي 80 كلم في الجهة الجنوبية الغربية لهضبة الهڤار، وقد اكتُشِفَ ”الضريح” عام 1925م من قِبل بعثة أمريكية فرنسية في علم الآثار.
هذه المقوّمات السياحية تحتاج، وفق مسؤولي السياحة بالمنطقة، إلى التثمين من خلال إنشاء مراكز إيواء ومخيمات توفر خدمات جيدة للسياح، كما تحتاج إلى رفع القيود التي وضعتها الدولة، بعد منع السياح الأجانب من زيارة المنطقة وحرمان السكان من مصادر دخل بالغة الأهمية.
المدير الجهوي للجنوب الكبير بمؤسسة الديوان الوطني للسياحة ل”الخبر”
”نشجّع السياحة المحلية والنهوض بالقطاع يتطلّب مجهودات أكبر”
❊ أكد كمال العصوي، المدير الجهوي للجنوب الكبير بمؤسسة الديوان الوطني للسياحة، أن الديوان الوطني تفرّغ منذ سنة كاملة إلى تشجيع السياحة الداخلية والبحث عن أسواق داخلية جديدة، مبرزا أن دفع العمل السياحي بالمنطقة يتطلب مجهودات أكبر في المجال. وكشف المتحدث عن شروع الديوان في تنظيم برامج تناسب العائلات الجزائرية من حيث الخدمات والإمكانات المالية معتمدة على وجه الخصوص على مصالح الشؤون الاجتماعية بالمؤسسات العمومية، على غرار المدارس العليا والجامعات والوزارات والمؤسسات العمومية الكبرى ومختلف الجمعيات.
وتحصّل الديوان على اتفاقيات مع عدة شركات وطنية من بينها مؤسسة سوناطراك ووزارة التربية الوطنية، في انتظار استقبال وفود هامة نهاية السنة الجارية بمناسبة الاحتفال بالسنة الجديدة في كل من تمنراست تيميمون وجانت وغرداية.
وبلغت عدد وفود مؤسسة سوناطراك 5، يضم كل منها 60 شخصا، بعدد إجمالي بلغ 300 سائح. ووفق العصوي، فمن المنتظر استقبال وفود السياح التابعين لوزارة التربية الوطنية والمقدر عددهم ب300 سائح، تليها أعداد مماثلة من مختلف الوزارات مطلع 2014.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.