قال الله سبحانه وتعالى: {مَثَلُ الفريقيْن كالأعْمَى والأصَمِّ والبصير والسّميع هل يستويان مثلاً أفَلا تَذَّكَّرُون} هود: 24. جاءت هذه الآية الكريمة توضيحًا وتبيانًا وتذكيرًا للفارق بين المؤمنين والكافرين، بين المؤمنين الّذين فتحوا بصائرهم وأبصارهم للحقّ المبين، وبين الّذين أعموا أبصارهم، فضَلُّوا عن سواء السّبيل؛ وذلك من خلال التّمييز بين حال الإنسان الأعمى والأصمّ، وحال الإنسان البصير والسّميع. وهو مثل واقع مشاهد في الحياة الإنسانية. فالأعمى والأصمّ هو مثال الكافر الّذي تعطّلَت لديه منافذ المعرفة، فعميت بصيرته عن الإيمان، فلم يعرف لهذا الكون خالقًا، وسدّت أذنه عن سماع الحقّ، فلم يعترف بحياة غير الحياة الّتي هو فيها. والبصير والسّميع هو مثال المؤمن الّذي استفاد من وسائل المعرفة الّتي زوّده الله بها، فاهتدت بصيرته بنور الإيمان، وامتلأت نفسه من سماع الحقّ. فكلاهما لا يستويان في الصّفات والمزايا والتّوجهات والأهداف، مثلما لا يستوي الأعمى والأصم، والبصير والسّميع في الخِلقة والتّكوين والحركة والنشاط. ويُلاحَظ أنّ القرآن الكريم في مواطن عديدة مثَّل المؤمنين المهتدين بمَن هو بصير سميع، ومثَّل الكافرين بالعمى والصُّمّ، نحو قوله تعالى: {قُلْ هل يَستوي الأعْمَى والبَصير أفلا تتفكّرون} الأنعام: 50، وقوله سبحانه: {وما يستوي الأعمى والبصير}فاطر: 19؛ وذلك لتنبيه النّاس وتحذيرهم من مغبة الكفر الّذي يجعل صاحبه كالأعمى الّذي لا يبصر ما حوله، وكالأصمّ الّذي لا يدري ما يجري من حوله. وقد ختم سبحانه هذا المثل الحسي بدعوة إلى التّذكُّر، فقال سبحانه: {أفلا تَذّكّرون}؛ وذلك تنبيهًا على أنّه يمكن علاج هذا العمى، وهذا الصّمَم. وإذا كان العلاج ممكنًا من الضرر الحاصل بسبب حصول هذا العمى، وهذا الصّمم، وجب على العاقل أن يَسْعَى في ذلك العلاج بقدر الإمكان. والرّجوع إلى الحقّ خير من التّمادي في الباطل.