لو ظل دستور 1996 ساري المفعول لأنهى جزءا كبيرا من الجدل الدائر الآن حول الرئاسيات والعهدة الرابعة واستمرار بوتفليقة في الحكم من عدمه، لأنه يشتمل على مفتاح يحدد عدد العهدات المسموح بها، وبالتالي يفتح المجال ولو نظريا للتداول على السلطة والتفكير مسبقا حول الخليفة. ولا يختلف أحد اليوم في أن الضبابية وانعدام الرؤية السياسية في الجزائر على بعد أقل من 3 أشهر عن موعد الانتخابات الرئاسية، يرجع إلى العبث بالدساتير وتغليب الأشخاص على المؤسسات. هذا الوضع أدخل الجزائر في مسنن معقد وجعلها في مفترق طرق، فبالنسبة لأحزاب الموالاة لا بديل عن ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة للحفاظ على الاستقرار، فيما ترى المعارضة ذلك مرادفا لغلق اللعبة السياسية وبإمكانه إدخال البلد في وضع غير مريح بالنظر لعدم قدرة بوتفليقة على ممارسة مهامه بسبب المرض. وبين الموالاة والمعارضة تتسع الهوة وتتشنج المواقف ويبقى الشارع رهينا. الشركاء يبحثون عن تأكيد والخصوم عن إعلان انسحاب الرئاسيات رهينة موقف الرئيس لماذا يطيل رئيس الجمهورية مدة “السوسبانس” بخصوص احتمال ترشحه لعهدة رابعة من عدمه، ألم تصبح الرئاسيات بذلك رهينة موقفه قبول دعوات الموالاة أو إعلان رفضها؟ جواب ذلك في مشهد السياسيين العازفين عن المجازفة وهم العارفون بأن النظام الجزائري لن يدفع برئيس الدولة كمرشح حتى تعلن خسارته في النهاية. يرفض رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أن يعبر عن موقف واضح من ترشحه للرئاسيات المقبلة من عدمه، وقد يبدو للبعض أن موقفه هذا تكرار لحالة الترقب التي لازمها ترشحه في رئاسيات 2009، إلا أن اختلافا بارزا بين تلك الفترة واليوم بما أن الشواهد كلها تشير إلى أن بوتفليقة يومها أبلغ الدائرة الضيقة أنه مترشح لعهدة ثالثة، أما اليوم فلا أحد من حلفائه يعلم ما يجول في خاطر “الرئيس المريض”، ولا أحد على الأرجح بحث عن جواب لهذا التساؤل، ما أدخل الجزائر كلها “الثلاجة” إلى حين وضوح الصورة. وإن كانت الموالاة تعتبر ترشح رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة هو الحل في حد ذاته، فإن قطاع المعارضة يعتبر ترشحه المحتمل أصل المشكلة، فترشح الرئيس في نظام شمولي كالجزائر معناه الفوز، وأي مشاركة في السباق الرئاسي بالنسبة للمعارضة التي تحترم نفسها سيعني قبولا بدور الأرنب مع سبق الإصرار والترصد، ومعناه أيضا البحث عن بعض امتيازات السلطة للمرشحين وكفى. الراجح في سلوك الرئيس بوتفليقة الذي يمارس سياسية “تعذيب الشركاء” وأيضا “تعذيب الخصوم”، أن وراء استمرار صمته خططا واضحة إما بالترشح أو بإعلان الدعم للبديل من السياسيين، لكن هذا الموقف انسحب سلبا على عشرات الأحزاب التي تخشى دخول الرئاسيات في وجود بوتفليقة فلجأت إلى تأخير إعلان موقفها، وأخرى تخشى إعلان دعم مرشح وافر الحظوظ فيتبين لها لاحقا أن الرئيس سيكون في مضمار السباق، كما يكون موقف بوتفليقة هذا وراء إحجام سياسيين معروفين عن دخول معترك الرئاسيات أو عن تبني موقف قد يفهم دعما لمرشح على حساب آخر. وحينما يربط مسؤول سياسي كعمار سعداني مسألة ترشح بوتفليقة، وهو رئيس كل الجزائريين، من عدمها بالفترة الزمنية القانونية لإعلان الترشح والتي تمتد إلى غاية الأسبوع الأول من مارس المقبل، فإن سعداني هنا يمارس “الشتيمة” السياسية ضد الآخرين، لأن الأصل أن الرئيس قبل أن يكون مرشحا عاديا فهو مسؤول سياسيا، بحكم منصبه، عن التحضير الجيد للانتخابات بما في ذلك توضيح موقفه، وإلا فما معنى أن يبقي الساحة رهينة إلى آخر يوم قبل إغلاق باب الترشح بقوة القانون، هل يعني ذلك ترجمة لمقولة “نلعب ولا نفسد؟”. فتح العهدات بعد غلقها وراء الوضعية الجزائر تدفع ثمن العبث بالدستور سيبقى تاريخ الجزائر يحتفظ بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ألغى عام 2008 مبدأ أساسيا في التداول على السلطة تضمنه دستور 1996، عندما قرر إلغاء ما يمنع الترشح لأكثر من عهدتين في الدستور. وخلف هذا التجني الخطير على الديمقراطية آثارا سلبية تعيشها البلاد حاليا، تتجلى في الضبابية بخصوص من سيحكم الجزائر في الفترة المقبلة. كان واضحا بالنسبة لمن يعرفون جيدا وزير خارجية هواري بومدين أنه لما عاد إلى السلطة كرئيس للجمهورية كان ينوي الخلود في الحكم. وهو نفسه أعلن ذلك قبيل إعلان نتائج استحقاق 1999، عندما قال لقناة فرنسية “أريد من الشعب تزكية قوية تمكنني من تسيير البلاد، وإن لم يفعل ذلك سأعتبر أنه يفضل البقاء في رداءته”!. ويعني هذا الكلام أن بوتفليقة لم يأت إلى السلطة لخدمة الشعب، وإنما يعتقد بأن الشعب هو من يحتاج إليه. وقد طغى هذا المفهوم للحكم وتسيير شؤون البلاد على تصرفاته وقراراته خلال 15 سنة من ممارسة السلطة. وخلال هذه الفترة كان الدستور على رأس قائمة ضحايا حكم الرئيس بوتفليقة. فقد عدَله مرة تحت ضغط الشارع القبائلي بإدراج الأمازيغية لغة وطنية، ومرة أخرى وهي الهدف الذي وضعه نصب عينيه منذ أن وصل إلى السلطة: إزالة ما يمنعه من الاستمرار في الحكم، وبذلك قضى في الحكم أطول فترة مقارنة ببقية الرؤساء الستة الذين سبقوه. ويترجم العبث بدستور 1996 في فترة حكم بوتفليقة، غياب رؤية واضحة في هرم النظام لما ينبغي أن تكون عليه طبيعة منظومة الحكم، كما يعكس البحث المستمر عن أفضل صيغة لإبقاء الوضع على حاله، ولتسيير المواقف والآراء المتناقضة بين الأجنحة النافذة. فبعد أن اختار النظام في 1989 دستورا يفتح باب التعددية الحزبية والحرية الإعلامية، تم التراجع عن العديد من المكاسب الديمقراطية بعد 7 سنوات على خلفية وقف المسار الانتخابي. ولكن رغم كل نقائص دستور 1996 الذي أُعدَ في عهد اليمين زروال، فقد جاء بمبدأ إيجابي شائع في البلدان الديمقراطية يتمثل في تحديد فترات تولي الرئاسة بواحدة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. وقيل حينها إن الجزائر تميزت عن بقية البلدان العربية التي تحكمها أنظمة شمولية، بأن أقرَت مبدأ التداول على السلطة. وفاجأ زروال الجميع برفض إكمال عهدته الأولى بدعوته إلى انتخابات مسبقة لا يتضمنها الدستور الذي يتحدث عن استقالة فقط. وعبَد هذا القرار الطريق للمؤسسة العسكرية وبعض المدنيين للبحث عن “مرشح إجماع” ليخلف زروال. والمثير في هذا التصرف المعمول به منذ الاستقلال أن النافذين في البلاد لا يخفون أبدا عدم إيمانهم بصوت الشعب الفاصل في الانتخابات. فهم يحددون نتيجتها سلفا باختيارهم من يفوز بها. وبسبب هذه النظرة الأبوية للشعب، تعيش الجزائر في الوقت الحالي ضبابية كبيرة حول من سيرأسها بدءا من 2014، هل هو الرئيس المريض أم شخص آخر؟ وفي كل الأحوال سيكون مرشح النظام هو الرئيس المقبل. الجزائر: حميد يس حوار أستاذ القانون الدستوري مسعود شيهوب ل “الخبر” فتح العهدات ليس السبب في ما نعيشه الجدال القائم حاليا حول شرعية ترشح الرئيس بوتفليقة ألا يدعو في رأيك إلى العودة إلى تحديد العهدات وفق النسخة الأولى من دستور 96؟ فكرة تحديد العهدات لها عيوب ومزايا وكذلك الأمر بالنسبة لفتح العهدات، أهم ميزة في تحديد العهدة أنها تضمن التداول على السلطة، وعيبها أنها تحد من حرية الشعب وتقيد حقه في ممارسة سيادته كاملة في كل انتخاب واختيار حكامه وممثليه، وفقا لمبدأ لا حدود لتمثيل الشعب، فالشعب حر في أن يعيد انتخاب من يراهم أقدر على تمثيله ولو لعدة عهدات. أما فتح العهدات فأهم ميزة فيه هي عدم تقييد إرادة الشعوب وفسح المجال أمام تمديد العهدة للقادة البارزين ذوي الخبرة، وفي التطبيقات المقارنة فإن الفكرتين تتعايشان في الدول المتطورة، فبعض هذه الدول لا يحدد العهدة وبعضها يحددها، وفي الحالتين يوصف النظام بالديمقراطي والجيد. والمشكلة ليس في تحديد أو تقييد العهدة بقدر ما هي في مدى وجود نظام انتخابي يضمن احترام أصوات الناخبين يقوم على الشفافية وحياد الإدارة. المعارضة حذرت من تبعات تعديل الدستور في 2008. ألا تعتقد أن توقعاتها كانت صائبة؟ النظام الديمقراطي يقوم على أغلبية حاكمة وأقلية معارضة، إذا كان رأي الأغلبية نافذا فإن رأي الأقلية المعارضة واجب الاحترام، ولا تعليق لدي على هذا الموقف سوى القول إنني أحترم كل الآراء. ألا تعتقد أن من صوت لصالح فتح العهدات، يتحمل جزء من المسؤولية عن المأزق السياسي الحالي؟ أولا هل نحن فعلا في مأزق سياسي حقيقي؟ وإذا صح القول بأننا في مأزق سياسي، هل سببه فتح العهدات؟ أم ضعف المعارضة من جهة؟ أم غياب سياسة وطنية لإعداد النخب والقادة السياسيين كما يحدث الدول المتقدمة أثناء الممارسة على مستوى البرلمانات والأحزاب السياسية، وهو ما نفتقر إليه في بلدنا الجزائر؟ أم أن الناخبين كذلك لم يتمكنوا من لعب دورهم الحاسم، فكثيرا ما استكانوا إلى الامتناع عن التصويت؟. وكل هذا لا يعني استبعاد مسؤولية السلطة نهائيا، والتي ساهمت في تغييب النخب وإعداد القادة، فالجميع مسؤول بقسط في النهاية. لماذا التمسك ببوتفليقة مرشحا، هل عجزت أجنحة السلطة عن إيجاد البديل برأيك؟ صراحة ليست لدي معلومات عما إذا كانت أجنحة السلطة كما جاء في السؤال عاجزة عن إيجاد البديل، ولكني أعتقد أن الأمر لم يحسم بعد، فإذا قرر الرئيس بوتفليقة الترشح أعتقد أنه سيقع توافق عليه، وإذا قرر عدم الترشح سيقع كذلك التوافق بمعيته على البديل، فأنا أرى أن التوافق سيحصل لا محالة في الأيام القادمة. الجزائر: حاوره ف. جمال نائب رئيس حركة مجتمع السلم نعمان لعور ل “الخبر” من الضروري العودة إلى تحديد العهدات الرئاسية ألا تعتقد أن فتح العهدات في 2008 قد فتح باب المجهول على الجزائر؟ فتح العهدات ما كان ليحدث، لكن ظروف تلك المرحلة عجلت بمثل هذا القرار الاستثنائي، وكنا نتصور حينها أن فتح العهدات مفيد للبلد، بعدما لاحظنا أن العهدة الأولى والثانية حملت إيجابيات وبوادر أمل للجزائر. وبعد التجديد رأينا أن العهدة الجديدة لم تأت بجديد، وما كان لها لتكون، لقد تميزت ببروز اضطرابات واستهلاك أظرفة مالية تزيد عن 600 مليار دولار دون مردود، وإقصاء للشركاء السياسيين، وهذا ما دفعنا للخروج من الحكومة بعد فك الارتباط مع التحالف الرئاسي. حزبكم حركة مجتمع السلم صوت لصالح فتح العهدات، ألا يتحمل جزءا من المسؤولية عن المأزق السياسي الحالي؟ هل أنتم نادمون على ذلك الخيار؟ كان هناك شبه إجماع في الساحة على فتح العهدات، ومثل أغلبية الطبقة السياسية صوتنا على التعديل الدستوري ونتحمل مسؤوليتنا، لقد قدرنا آنذاك أن عهدة جديدة ستكون إضافة للبلد، ليتبين لاحقا أن ما حدث هو العكس، ولا يعبر هذا عن ندم لأن العبرة ليس في عدد العهدات بل في المنجزات وتوفر النيات الصادقة، وهو ما توفر من جانبنا. الجدل القائم حاليا حول شرعية ترشح الرئيس بوتفليقة ألا يدعوا في رأيك للعودة إلى تحديد العهدات وفق النسخة الأولى من دستور 96؟ بعد التجرية المريرة التي عاشتها الجزائر، نرى أنه من الضروري العودة إلى تحديد العهدات، أي عهدة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة حتى نتفادى وضعا كهذا، وهذه ليست قناعتنا وحدنا بل قناعة أحزاب تدور في فلك السلطة. لماذا التمسك ببوتفليقة مرشحا. هل عجزت أجنحة السلطة عن إيجاد بديل في رأيك؟ نعتقد أن الرئيس بوتفليقة انتهى، والذين يحيطون به لا يهمهم وضعه بقدر ما يهمهم الاستفادة من الريع، وبالنسبة لهذه الجماعات فهو سجل تجاري يوظف كواجهة للحفاظ على مصالحها وامتيازاتها. كيف سيتعامل حزبكم مع عهدة رابعة للرئيس بوتفليقة، لو تعرض عليكم السلطة مساعدته كما فعلتم سابقا هل ستقبلون من جديد؟ نحن ندعوا للرئيس بالشفاء والعافية، ولكن كما قلت سابقا لا نعتقد بأنه يستطيع أن يؤدى مهامه الدستورية، ثم كيف له أن ينجز في عهدة ما عجز عن إنجازه في ظرف 15 سنة كاملة. لقد قلت الرجل ليس سوى واجهة في المرحلة الحالية. ومن حيث المبدأ القضية مرتبطة بالبرنامج وليس الأشخاص، والتوافق على مجموعة مبادئ وخطة عمل، لأننا نرفض أن نكون لجنة مساندة في المستقبل. الجزائر: حاوره ف. جمال