صرحت لوكالة الأنباء الجزائرية، بناء على سؤال، أن آخر أجل لاستدعاء هيئة الناخبين هو 19 أفريل 2014، باعتبار أن العهدة الثالثة بدأت رسميا بتاريخ أداء اليمين الدستورية. وأضفت أنني أتوقع توقيع مرسوم الاستدعاء يوم 17 جانفي الحالي، لكون الخميس الأخير قبل نهاية العهدة يصادف 17 أفريل. وبنيت هذا التصريح على المادتين 132 و133 من القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، ونشرت معظم الجرائد هذا التصريح منها (يومية ليبرتي الصادرة في 16/01/2014). يفترض أن الأحزاب والشخصيات السياسية التي تريد الوصول إلى قصر الرئاسة تعلم أن موعد الانتخابات الرئاسية (في الظروف العادية) هو أفريل 2014، وكان عليها أن تشرع في اليوم التالي لأداء اليمين للعهدة الثالثة في تحضير هذا الموعد. هذا بالنسبة للأحزاب المعتمدة قبل “الإصلاحات”، أما الأحزاب من طراز 2012، فعليها أن تنظم هياكلها وأن تعرّف بنفسها وببرامجها وأن تتدرب في المجالس المحلية قبل أن تفكر في قصر المرادية. فالتحضير بالنسبة للأحزاب والشخصيات يكون عن طريق إعداد برنامج بديل وجاد، يخضع لدراسة ونقد الخبراء في كل المجالات، ثم يعرض على جميع الفئات الشعبية في ندوات ومهرجانات وأيام دراسية، وليس بالضرورة عبر القنوات التليفزيونية الرسمية. وهذا العمل يحتاج بدوره إلى توسيع قواعد الأحزاب، وتطعيمها بإطارات شابة، تتمتع بالكفاءة، وبعيدة عن الفساد، وليس لها حسابات مع الماضي. وتأتي مرحلة التحالفات بين الأحزاب والشخصيات ذات نفس التوجه. وقبل سنة من الانتخابات، يتم الاتفاق حول مرشح واحد يمثل البديل ويعمل من أجل التغيير السلمي. وكل هذا يحتاج إلى نضال يومي في الميدان ولمدة طويلة، وليس إلى مجرد اجتماعات وصالونات وبيانات وشروط لا معنى لها عشية كل انتخاب، خاصة أن أصحاب هذه الشروط والاقتراحات يعلمون أنها لن تتحقق بالبيانات، لأن الضغط على السلطة يحتاج إلى تعبئة الجماهير. وهذه التعبئة تحتاج إلى جدية ومصداقية ونزاهة ووقت، ما يجعل الغرض من هذه المناوشات الظرفية لا يتعدى الوجود والظهور على بعض الشاشات والحصول على حفنة من الامتيازات. زيادة على ذوي المصالح الخاصة الذين يساندون “الواقف”، للسلطة إمكانات إدارية وإعلامية ومالية واستخباراتية تستعملها دون اعتدال. وهذه السلطة تعرف شيئا واحدا على الأقل هو البقاء في السلطة بكل الوسائل، وبغض النظر عن عهدة رابعة للرئيس الحالي أو عهدة أولى لمن سيتم الاتفاق حوله من طرف أصحاب القرار. ومهما كان، فالشخص المختار مهما كان، سيجد انتهازيين ووصوليين وتجار السياسة بمن فيهم بعض الذين يدعون المعارضة، خاصة الذين قضوا شبابهم كمخبرين لمصالح الأمن، ثم تمت إعادة (رسكلتهم) في المخبر وتحوّلوا إلى قادة “أحزاب معارضة”. فالمعارضة هي الأحزاب والشخصيات التي لا تحصل على أغلبية برلمانية ورئاسية ولا تستطيع الدخول في ائتلاف حكومي أو ترفض ذلك. فتعارض السلطة كل السلطة بالوسائل القانونية والسلمية، وتعمل بهذه الصفة لعرض البديل وفرض التداول، وإقناع أغلبية الناخبين بجدارتها بتحمل أعباء الحكم لتطبيق برامجها. فأين الذين يعارضون السلطة بهذا المفهوم؟ إن معارضة مسؤول واحد ولو كان رئيس الجمهورية، ليس معارضة بل هو خصومة داخلية. فالمعارض لا يخاصم شخصا أو جماعة على حساب شخص أو جماعة أخرى من نفس السلطة ونفس النظام. المعارض هو الذي يعارض الحكم، بغض النظر عن الأشخاص، ويقترح بديلا، وله إمكانات شعبية لتمرير هذا البديل. ولا يكفي لمن مارس السلطة وشارك في عدة حكومات، أن يصبح معارضا بمعنى التضحية بالوقت والمال والامتيازات السابقة في ظرف قصير. فالمعارضة ليست حماما تركيا. والجزائر بحاجة إلى معارضة نضالية ترمي إلى التغيير الديمقراطي، وليس إلى مجرد معارضة رئيس مريض بعدما صفقوا له في عزّ أيامه. لقد وقعت أحداث كثيرة خلال العشرية الأخيرة، خاصة في مجال انتهاك الحريات العامة وحقوق الإنسان والمواطن وتزوير انتخابات وقمع مسيرات سلمية ووقوع عمليات إرهابية واعتداء خارجي مسلح ضد الجزائر، ولم نسمع صوت هؤلاء “المعارضين”. وقبل أشهر معدودة من الانتخابات الرئاسية، وقع ازدحام أما باب المطالبة بالعهدة الرابعة. ويعرف المتسابقون والمتنافسون على المرتبة الأولى في تأييد الرئيس، أن القرار لا يرجع لما يسمى أحزاب السلطة (القديمة والجديدة) ولكن الموضوع يحسم خارج الأحزاب. أما “أحزاب المعارضة” فراحت تطالب بسحب تنظيم الانتخابات من وزارة الداخلية ثم بتغيير وزراء الداخلية والعدل والاتصال لأنهم من “المقربين للرئيس”، وكأنه يوجد رئيس في العالم يعين أعداءه في مثل هذه المناصب. وأعلن نائب عن “سكوب”، حسب أقواله، أنه سيبادر باقتراح تعديل قانون الانتخابات، ويطلب من السلطة أن تستجيب لمبادرته وهو يعلم أن السلطة لو كانت راغبة في تعديل هذا القانون أو أي قانون آخر، فإنها لا تحتاج إليه ولا لأصحاب هذه “المبادرة”. وإذا أراد هذا النائب أو نائب آخر التعديل رغم إرادة السلطة، فهل يملك إمكانات سياسته. فالقوانين العضوية، حسب المادة 123 من الدستور، تتم المصادقة عليها بالأغلبية المطلقة لنواب المجلس الشعبي الوطني، وبأغلبية ثلاثة أرباع أعضاء مجلس الأمة. فبأي معجزة سيتم تعديل قانون الانتخابات؟ وسمعت أحد “المحللين السياسيين” يفتي بأن القانون يلزم المترشحين بتنشيط عشرة مهرجانات شعبية على الأقل وأن صحة الرئيس لا تسمح له بذلك. والقانون في الحقيقة ينظم الحملة الانتخابية ولا يلزم مترشحا بعدد معين من المهرجانات، فمن يريد أن يترشح ويقضي فترة الحملة الانتخابية في عطلة فهو حر. ووقع جدال مملّ حول تعديل الدستور وتمديد العهدة بسنتين دون انتخاب، وإنشاء منصب نائب الرئيس. وقد كتبت وصرحت أن التمديد غير وارد على الإطلاق وأن للرئيس وزيرا أول يفوض له ما يشاء من مهام، باستثناء ما لا يقبل التفويض بمقتضى الدستور. وأن التعديل قبل الرئاسيات أو بعدها لا يؤثر على الأحداث. وصرحت مجموعة من الأحزاب أن السلطة تراجعت عن التمديد والتعديل بفضل ضغوطها. فمنذ متى تتراجع دبابة أمام ذبابة؟ رغم البيانات والشروط والاقتراحات، فالانتخابات الرئاسية ستتم حسب الخطوط العريضة التالية. وهذه الخطوط لا تعبّر عن رغبتي بل عن واقع لا يمكن تغييره ببيان أو باجتماع 37 حزبا، لأن تكسير (الترمومتر) لا يزيل الحمى. سنعرف، خلال الأيام القادمة، أسماء الراغبين في الترشح عن طريق إعلان الرغبة لسحب استمارات جمع التوقيعات، ويمكن لكل من تتوفر فيه الشروط الدستورية والقانونية أن يعلن رغبته ويسحب الاستمارات. وسيحدد المجلس الدستوري القائمة الرسمية للمترشحين بعد نهاية مواعيد إيداع طلبات الترشح، وقرار المجلس نهائي لا يقبل أي طعن. أما التحضير والإشراف والمراقبة فستتم عن طريق وزارة الداخلية واللجنة الوطنية للإشراف واللجنة الوطنية للمراقبة، وكذلك ممثلي المترشحين شرط تجنيد 48500 مناضل (بعدد مكاتب التصويت)، وهل لأحزاب “المعارضة” مجتمعة هذا العدد من المناضلين؟ ويمكن الاعتماد على المراقبة الشعبية، ولكن الانتخابات في نظري هي آخر اهتمامات الشعب. في كل انتخاب تشترط “المعارضة” وجود ملاحظين دوليين (وليس مراقبين حسب الخطأ الشائع). ولكن ما دور هؤلاء؟ بكل بساطة، سيقوم الملاحظون الدوليون بملاحظة وإثبات وجود مكاتب اقتراع، يشرف عليها موظفون، وفيها قائمة انتخابية وعازل وأوراق جميع المترشحين في متناول الناخبين، واستظهار بطاقة الناخب وبطاقة التعريف والتوقيع بعد التصويت، وأن تكون المراكز والمكاتب مفتوحة خلال الوقت القانوني، وأن لا يوجد بالمدخل من يمنع بعض الناخبين من الدخول أو فرض اسم مرشح بالقوة، ووجود عناصر الأمن باللباس الرسمي تحت “تصرف” رؤساء مكاتب ومراكز التصويت.. وكل هذه المسائل متوفرة والسلطة بارعة في هذا المجال، ولن يرى الملاحظ الدولي إلا ما يرضيه، والباقي لا يعنيه، لأن الدول العظمى والمنظمات الدولية يهمّها احترام الأنماط والقواعد المتفق عليها، وتغض النظر عن الواقع وعن التزوير وعن ما يحدث في الليل. وتكون تصريحات الملاحظين جد إيجابية بالنسبة للسلطة، لأن هذه الدول والمنظمات يهمّها الاستقرار خدمة لمصالحها (ولا نلومها على ذلك بل نلوم أنفسنا) ولا تهمها الديمقراطية إلا في التقارير والخطب. فالمراقبون الدوليون يعززون موقف السلطة وليس انشغالات المعارضة. إن كانت هناك معارضة حقيقية وجادة، تريد التغيير والتحول الديمقراطي وبناء دولة المؤسسات والقانون، فعليها أن تبدأ من الآن في تنظيم وتوحيد الصفوف وكسب مناضلين وتجنيد الطاقات الحية في المجتمع، وأن تسجل نضالها ضمن السنوات الخمسة القادمة، والباقي ما هو إلا ثرثرة على واد الحراش. كيف يمكن لمناضل أن يفهم غياب تحالف استراتيجي بين القوى الديمقراطية من أحزاب وشخصيات وجمعيات ونقابات لفرض البديل الديمقراطي عن طريق الشعب وبالوسائل السلمية، رغم مرور 25 سنة تقريبا على التعددية؟ وكيف يمكن لمناضل من جيلي أن يفهم لقاء حسين آيت أحمد مع أنور هدام في “سانت إيجيديو” ولقاء سعيد سعدي مع المرحوم محفوظ نحناح في الجزائر، بسعي من الرئيس بوتفليقة، ولا يلتقي آيت أحمد وسعدي أو الأفافاس والأرسيدي ومناضلي الساعات الأولى للحزبين مع القوى الحية في المجتمع، للاتفاق حول مخطط استراتيجي لإحداث تغيير سلمي. وإلى متى نبقى مجرد مساندين أو منددين؟ ولماذا لا نفتح النقاش حول هذا الموضوع؟