توحي كافة المعطيات المحيطة بالموعد الرئاسي المقرر في الجزائر يوم 17 أفريل 2014، بأن الحدث السياسي المتعلق بهذا الموعد المصيري لم يكشف أوراقه بالكامل، حيث لازالت الأمور لم تتضح بعد بالنسبة للوجوه السياسية التي اعتادت لعب الأدوار الأولى في الحياة السياسية للبلاد، في وقت تتميز فيه هذه العملية الانتخابية الخامسة من نوعها في حياة جزائر التعددية الحزبية، بالإقبال الكبير لأصحاب النية في الترشح، الحاملين للطموح المشروع لتولّي منصب رئاسة الجمهورية، والذين بلغ عددهم 27 مترشحا في اليوم الثالث من بداية العملية، في حين لم يصل عددهم الإجمالي في رئاسيات 9 أفريل 2009، إلى 20 شخصية. فمقارنة باليومين الأولين من فتح عملية الاكتتاب للترشح لرئاسيات 9 أفريل 2009، والتي سجلت حينها سحب 7 رؤساء أحزاب سياسية لمطبوعات اكتتاب التوقيعات، فإن العملية الجارية التي انطلقت بعد استدعاء رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الهيئة الناخبة يوم الجمعة المنصرم، سجلت إقبالا قياسيا لأصحاب النية في الترشح للموعد الرئاسي المقرر في 17 أفريل القادم، وذلك طبقا للأرقام الرسمية التي قدمتها وزارة الداخلية والجماعات المحلية، والتي كشفت فيها بأن 15 شخصية سجلت نيّتها في المشاركة في هذا الموعد المصيري بسحبها لمطبوعات اكتتاب التوقيعات، فيما تضاعف العدد بعد يوم واحد فقط، ليصل إلى 27 مترشحا لهذه العملية. والمعلوم أن سحب مطبوعات الاكتتاب للترشح لا يعني الترشح في حد ذاته؛ على اعتبار أن القانون لا يمنع أي جزائري تتوفر فيه الشروط الدستورية، لإعلان رغبته وطموحه في خوض غمار السباق الانتخابي، كما أن العامل الحاسم في تأكيد الترشح يكمن في الامتحانين المواليين اللذين ينتظران كل صاحب نية للترشح، والمتمثلين في عملية جمع العدد الكافي والقانوني من التوقيعات، ثم عملية التمحيص والتدقيق الدستوري في ملفات الترشح التي يفصل فيها المجلس الدستوري خلال ال10 أيام القانونية التي تلي إغلاق مرحلة الاكتتاب، المحددة ب4 مارس المقبل، غير أنه وبالرغم من التوقع السائد لدى الكثير من المتتبعين بأن عدد المترشحين سيتقلص بنسبة كبيرة عند الإعلان عن نتائج التمحيص الدستوري لقوائم وملفات الترشح، يبقى الإقبال الكبير على استمارات الترشح لرئاسيات 2014، يشكل حدثا مميزا في حد ذاته، بالنظر إلى الخصوصية المميزة التي تطبع هذا الموعد، والذي يمكن استلهامه من المستجدات السياسية للمرحلة، التي ميزتها مباشرة الجزائر لإصلاحات سياسية عميقة، من خلال إقرار القوانين التي سمحت بتعزيز الممارسة الديمقراطية، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، ودعم المكاسب المحققة لدى العديد من الفئات والتنظيمات السياسية والاجتماعية، فضلا عن حالة الترقب الشديد التي تطبع أصحاب الطموح لتولّي منصب رئاسة البلاد، سواء منهم الجريئين الذين لم ينتظروا إعلان الرئيس بوتفليقة للترشح لعهدة جديدة، أو أولئك الذين لازالوا يترقبون الهلال في "ليلة الشك"، بالرغم من أن البعض كانوا قد أفصحوا عن نيتهم للترشح لهذا الاستحقاق في وقت سابق.. وإذا كان هؤلاء وأولائك يمثلون في معظمهم الشخصيات المستقلة التي سطع نجمها بخوضها الدائم في الحديث عن رئاسيات 2014 في الوسائط الإعلامية، فإن ما يُعرف لدى بعض الخائضين في كلام السياسة بالأوزان الثقيلة، والتي تمثل الوجوه التي اعتادت لعب الأدوار الأولى في الحياة السياسية، لازالت في حالة ترقب مستمر، بعضها محتارون بين خيار الترشح أو دعم مرشح التوافق مع الحلفاء، والبعض الآخر اختاروا التريث والانهماك في حساباتهم السياسية إلى حين اتضاح الرؤية وإعلان الخبر اليقين الذي يخص ترشح الرئيس بوتفليقة من عدمه. فيما برز من تلك الوجوه كل من رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، الذي لم يتأخر عن الإعلان الرسمي عن ترشحه لموعد 17 أفريل المقبل، وكان سبّاقا في الفصح عن برنامجه الانتخابي وكذا الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، التي أعلنت خوضها غمار الرئاسيات القادمة، وكشفت عن سحبها استمارة اكتتاب التوقيعات، مع الإشارة إلى أن كلا الشخصيتين ترشحتا في المواعيد الرئاسية السابقة، وخاضا معا سباق الرئاسيات في 2004. وحتى تجتمع كل التوابل في الحدث الانتخابي الهام الذي تقبل عليه الجزائر، بدأت نوايا العازفين على أوتار المقاطعة تتضح من يوم إلى آخر، حيث تتوالى في الفترة الأخيرة الاجتماعات واللقاءات التنسيقية بين مجموعة من الشخصيات وقيادات بعض الأحزاب السياسية، في محاولة منها لبناء جبهة معارضة من أجل التشكيك والطعن في مصداقية ونزاهة الانتخابات الرئاسية. وقد جاء رد وزارة الداخلية والجماعات المحلية عن المخاوف التي يثيرها هؤلاء المشككون في نزاهة الرئاسيات القادمة، في تصريح المدير العام للحريات العامة والشؤون القانونية محمد طالبي، أكد فيه بأن كل المترشحين للاقتراع الرئاسي المقبل، سيحظون بنفس المعاملة، موضحا في مداخلته على أمواج الإذاعة الوطنية، بأن الإدارة التي تُعد الجهة المسؤولة عن سير الانتخابات الرئاسية، ستخصص نفس المعاملة لكل المترشحين لضمان اقتراع شفاف، وستلتزم بالقانون الذي يتضمن ترتيبات ترغم موظفيها على التقيد بحياد تام إزاء المترشحين. وإذ توعد المخالفين لهذه الترتيبات القانونية بالعقاب، أوضح السيد طالبي أن الطلب الذي تقدم به مترشحون وأحزاب سياسية لإنشاء لجنة مستقلة لمراقبة الاقتراع المقبل، لا معنى له، مذكرا بأن الانتخابات التشريعية والمحلية الأخيرة جرت في شفافية تامة. أما بخصوص الحضور المحتمل لملاحظين دوليين خلال يوم الاقتراع، فأشار نفس المسؤول إلى أنه "لحد الساعة لم يتم بعد حسم المسألة التي يعود فيها القرار النهائي للسلطات العليا في البلاد، مذكرا في الوقت نفسه، بأن القانون لا ينص على أي حضور للملاحظين الدوليين.