بوفاريك تتحول إلى مدينة للنازحين وشارع "حسيبة" مقصدهم تشهد الجزائر في الآونة الأخيرة ظاهرة نزوح الأفارقة من ماليين ونيجيريين بطريقة شرعية وغير شرعية، وقد أضحت كبريات المدن تعج بهم في ساحات وشوارع وأسواق ووسائل النقل، وصارت مسرحا لممارسة التسول. يتجلى من الوهلة الأولى بأنهم ماليون فروا من الحرب الأهلية، إلا أننا وبعد اقترابنا منهم اكتشفنا بأنهم جاؤوا من النيجر عبر الحدود، ولعل ما فتح المجال أمامهم هو تماطل الدولة من جهة في اتخاذ إجراءات حازمة للحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تشكل خطرا كبيرا على صحة وأمن المواطنين، خاصة أنهم يحترفون تزوير العملات وترويج المخدرات، كما أنهم قد ينقلون بعض الأمراض المعدية، ومن جهة ثانية صعوبة التحكم في الشريط الحدودي الذي يمتد آلاف الكيلومترات خاصة مع الوضع الأمني المتردي في دول الجوار. العاصمة وغيرها من المدن الرئيسية لا تخلو أماكنها العامة من هؤلاء الأفارقة، والمار بشارع حسيبة بن بوعلي أو ساحة الشهداء أو غيرها من الشوارع الأخرى المعروفة بكثرة الحركة، أول ما يلاحظه هو التواجد الكبير لهؤلاء النازحين الذين فضلوا اختيار بعض الزوايا لكسب المال عن طريق التسول. رحلتنا بدأت من شارع حسيبة بن بوعلي، أين وجدنا عددا منهم منتشرين في كل زاوية، القينا ب.عبد العزيز صاحب 44 عاما، كان جالسا مع زوجته وابنيه بإحدى الزوايا المقابلة لسوق الخضر والفواكه في “كلوزال”، حيث اختارها مكانا للتسول الذي يعتبر مصدر رزقهم الوحيد. اقتربنا منه لنعرف السبب الذي جاء به إلى الجزائر والطريقة التي دخل بها، فأخبرنا بأنه قدم من النيجر عبر الحدود وبالضبط من ولاية تمنراست، لينتقل بعدها إلى غرداية ويستقر أخيرا ببلدية بوفاريك بالبليدة، إلا أنه يأتي كل صباح إلى العاصمة للتسول ويعود إلى بوفاريك مساء. اتخذ عبد العزيز من إحدى الساحات المقابلة للبلدية مكانا لنصب خيمته مع الكثير من أبناء بلده الذين قاربوا 450 شخص، حسبه، صغارا وكبارا. تفادى في بادئ الأمر الحديث معنا لأنه ظن أننا من الشرطة، إلا أنه سرعان ما انفجر ضاحكا وهو يردد “هذا جيد” بعدما علم بأننا صحفيون، كما تبين أنه يفهم العربية ويتكلمها بطريقة مفهومة عكس الآخرين. سألناه عن السبب الذي جاء به فأخبرنا بأن فيضانا هدم بيوتهم ولم يبق على شيء، لأن المنطقة التي كانوا يسكنون فيها قريبة من شاطئ البحر، ما جعله يقرر المغادرة بحثا عن مكان آخر يضمن له ولعائلته القوت والسكن رفقة العائلات الأخرى المتضررة. كما أخبرنا هذا الأخير بأنه فور وصوله إلى التراب الوطني تقدم إلى مقر القنصلية النيجيرية لاستخراج بطاقة اللاجئ التي تسمح له بالبقاء عاما كاملا لتحاشي الاصطدام بالشرطة التي قامت عدة مرات بطرد الكثير من النازحين بطريقة غير شرعية، كما أظهر بعض البطاقات التي كان يحملها كبطاقة التعريف الوطنية الخاصة به وبطاقة اللاجئ وحتى رخصة السياقة التي مازال يحتفظ بها. وغير بعيد عنه، وجدنا الطفل إبراهيم ذا 12 عاما الذي قدم هو الآخر من النيجر، يتحدث القليل من العربية أيضا، وأخبرنا بأنه رفقة عائلته وجيرانه الذين يقيمون ببلدية بوفاريك أيضا. ثلاثي الفقر والجوع والمرض انتقلنا بعدها إلى ساحة حرية الصحافة بوسط الجزائر العاصمة، أين لمحنا بالجهة المقابلة “يوتشاو” (32 عاما) الذي كان يجلس على الرصيف رفقة زوجته وابنيه إبراهيم (5 سنوات) وأحمد (سنتان)، إلا أن لغة هذا الأخير كانت غير مفهومة كما أنه لا يفهم اللغة العربية، ما جعلنا نغير الحديث معه للفرنسية. رفض “يوتشاو” في الأول الحديث، إلا أنه وبعد تقديمنا له القليل من المال، بدأ يسرد علينا كيفية وصوله إلى هنا، حيث لاحظنا بأنه كغيره قدم من الحدود عبر تمنراست واستقل بعدها الحافلة إلى غرداية ومنها إلى البليدة عبر القطار، أما عن السبب الذي جاء به فقال إن الفقر والمجاعة وانعدام فرص العمل والصحة هي التي جعلته يلجأ إلى الجزائر. أما يوسف الذي شاركنا أداء صلاة الظهر بمسجد “الرحمة”، فقد انصرف مسرعا إلى الخارج لعله يظفر ببعض الدنانير من المصلين، انتظرنا حتى خرج ثم توجهنا إليه مستفسرين منه عن معلومات إضافية، لكن تعذر علينا ذلك كونه لا يفهم من العربية إلا القليل، ومن هذا القليل أخبرنا بأن له زوجة بنتا اسمها حواء، وحين سألناه عن مكانهما، قال إنهما تتخذان من شارع حسيبة بن بوعلي مركزا لتسولهم رفقة نساء أخريات. كما أرجع نفس المتحدث سبب المجيء إلى الجزائر العاصمة إلى انعدام الشغل والظروف المعيشية القاسية في بلده، إلا أنه ولسوء حظه يوشك على العودة إليها بعد أن أوقفته الشرطة عدة مرات لأنه لا يحوز على بطاقة لاجئ، ما جعلها تُدون ضده محضرا أمنيا قبل 10 أيام يلزمه بمغادرة التراب الوطني في مدة أقصاها 15 يوما.