تعيش الكثير من العائلات الجزائرية هذه الأيام ضائقة مالية تزامنا مع شهر الصيام الذي يتطلب مصاريف إضافية، لهذا تلجأ هذه العائلات إلى كل السبل المحتملة لتلبية حاجيات أفرادها، ومنها رهن ربات البيوت لبعض حليهن الذهبية اتباعا للمثل الشعبي القائل “الحدايد للشدايد”. للوقوف على حال عينات من الأسر الجزائرية التي تتخبط في مثل هذه الوضعية وتلجأ إلى طرق مختلفة لقضاء حاجاتها، قصدنا فرع بنك التنمية المحلية الواقع بشارع العناصر بالجزائر العاصمة، والذي يتمثل نشاطه الرئيسي في عمليات رهن الذهب، ووقفنا على العديد من الحالات التي وجدت في رهن مجوهراتها المخرج الوحيد لتمضية الشهر الكريم بعيدا عن الاستدانة. حينما دخلنا قاعة الانتظار في البنك، أول ما لفت انتباهنا كثرة العنصر النسوي وسط ذلك الحضور الكبير الذي غصت به القاعة. وكان زوجان قدما لرهن مجوهرات الزوجة أول من تحدثنا إليهم، استفسرنا منه عن السبب الذي دفعه للمجازفة بمجوهرات الزوجة، فرد قائلا “أفضل أن ترهن زوجتي القليل الذي تملكه من الذهب ونجتاز محننا المالية عوض أن أمد يدي للآخرين أو ألجأ للسرقة”. محدثنا قال إنه موظف بسيط لا يتقاضى سوى مرتب بسيط لا يتجاوز 20 ألف دينار لا يفي بمطالب أسرته المكونة منه وزوجته وأبنائه الثلاثة في الأيام العادية، فما بالك أيام المناسبات. تركنا الزوجين لنستوقف امرأة أخرى لم تجد مانعا في الحديث إلينا حين بادرناها بالسؤال، بل تكلمت من أعماق قلبها “اكتبوا عن معاناتنا اليومية، قولي إنني لا أجد في أحيان كثيرة ما أسد به رمق أطفالي الخمسة، وأن الأمر يشتد أيام المناسبات مثل رمضان والأعياد، ولولا المساعدة المادية التي يقدمها أهلي لما تمكنت من إطعام صغاري”. تجازف بذهبها من أجل المونديال محدثتنا التي قالت إنها أم لخمسة أطفال وزوجها حارس بإحدى المؤسسات الوطنية، أكدت أنها ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها لرهن مجوهراتها، مضيفة “هذا ليس جديدا علي، فقد اعتدت ذلك وكل عمال هذا البنك ومرتادوه يعرفونني تمام المعرفة، فأنا زبونة قديمة لديهم، وما أملك من مصوغات جلبتها معي من بيت أهلي مرهونة لديهم منذ أكثر من 8 سنوات، ألجأ معها في كل مرة إلى تجديد عملية الرهن وآخذ ما تيسر من مال يساعدني في اجتياز المحن لأسدده بالتقسيط وهكذا دواليك”. مثل هذه السيدة كثيرات أضحى تعاملهن مع عملية الرهن أمرا اعتياديا، ومنهن عجوز كانت رفقة ابنتها الشابة التي قالت إنها ترافق والدتها لتجدد عملية الرهن التي تمارسها منذ سنوات، مضيفة أن القليل الذي تدره عليهم تلك العملية يساهم في قوت أسرة بأكملها، تعيلها تلك العجوز التي فقدت ابنها وزوجها خلال سنوات الإرهاب ووجدت نفسها مجبرة على إعالة أبنائها الأربعة. من المفارقات التي وقفنا عليها ونحن نتقصى الأسباب التي بعثت بكثير من النسوة اللواتي قصدن المكان إلى رهن مصوغاتهن، والتي كانت كلها تصب حول الحاجة التي دفعتهن لرهن أو بيع القليل من الذهب الذي لا زلن يملكنه، ما أسرّت به لنا السيدة مليكة التي قابلنها أمام مقر البنك، حيث قالت إنها قصدت البنك هذه المرة لرهن أسورتها (مسايس) ليس لغرض ضمان قوت العائلة أو لسبب طارئ، بل بكل بساطة لكي تمكّن ابنيها اللذين لم يتجاوزا العشرين من اقتناء جهاز استقبال خاص يسمح لهما بمشاهدة مباريات كأس العالم لكرة القدم، “نشريهولهم ونضمن بقاءهم في البيت وما نخليهمش يسهروا في المحشاشات”.