المشاركة تهدف إلى إيجاد مساحات توافق في التاريخ ونسيان آلام الثورة الجزائرية توجيه الدعوة إلى الجنود الجزائريين للمشاركة في الاستعراض المخلد لذكرى الحربين العالميتين ليس وليد الصدفة، وإنما هو نتاج خطة مدروسة تهدف إلى إيجاد مساحات مشتركة في تاريخ البلدين، تبعد عن الأذهان آلام الثورة الجزائرية. والفرنسيون لم يغامروا بتوجيه الدعوة إلا بعد أن جسوا نبض السلطات الجزائرية التي لم تبد ممانعة في القبول. عند سبر أغوار تقرير يعود إلى 14 نوفمبر 2012، أعدته لجنة تابعة للبرلمان الفرنسي قامت بزيارة للجزائر، تحت رئاسة أكسال بونياتوسكي، تتكشف العديد من النقاط المظلمة التي تحوم وراء رغبة الفرنسيين الجامحة في مشاركة الجزائريين خلال الاستعراض المخلد لذكرى عيدهم الوطني في 14 جويلية، والذي يراد له أيضا أن يخلد مئوية الحرب العالمية الأولى وسبعينية الحرب العالمية الثانية. يذكر التقرير المنشور على موقع الجمعية الفرنسية، في بدايته، أن ”فرنسا كانت حاضرة في الجزائر منذ 132 سنة، أي ما يقارب 5 إلى 6 أجيال. هذا التواجد الطويل في قلب المغرب، الذي انتهى بحرب عنيفة أدت إلى الاستقلال، خلف ظاهرة اندماج وتهجين ثقافي، لم تقم في أي مكان آخر، حتى في تونس والمغرب، وهو ما جعل من العلاقات بين الجزائروفرنسا معقدة وفريدة من نوعها في آن واحد”. هذا التعقيد في العلاقات الذي تحدث عنه التقرير في صفحته التاسعة، بحثت له اللجنة المكلفة بإعداده عن حلول يجدها المتفحص في صفحته 28، حين يتطرق إلى زيارة فرانسوا هولاند التي سمحت، حسبه، بتهدئة بعض التوترات التي ظهرت في الماضي وأرفقتها زيارات متتالية لوزراء في الحكومة الفرنسية. ثم يطرح التقرير تساؤلا إن كان هذا ”الدفء” في العلاقات سيستمر، خاصة أن ”لعنة” كانت تطارد الرؤساء الفرنسيين، شيراك في 2003 وساركوزي في 2007، في أعقاب كل زيارة كانوا يؤدونها إلى الجزائر. ويضيف التقرير في هذا الجانب، ”في كل الحالات، ورغم التقدم المسجل مؤخرا، فإن العلاقات الجزائرية الفرنسية لم تعرف انقلابا نحو الهدوء التام. التطبيع سيتطلب دون شك مرور جيل أو جيلين، لأنه لا يمكن أن نضع حدا لأكثر من 130 سنة من علاقات معقدة بهذا الشكل، تكشف عن تجاذب وتنافر لا يمكن إنكار أنه فريد من نوعه. الرئيس عبد العزيز بوتفليقة نفسه عرف كيف يجد العبارة التي تصف هذه العلاقات فقال في سن 1974: ”يمكن أن تكون جيدة ويمكن أن تكون حسنة، لكنها لا يمكن أن تكون أبدا تافهة”. ويواصل التقرير: ”في هذه الحالات، فإن مقاربة متدرجة وبراغماتية - مقاربة بخطوات صغيرة - ستكون حتمية من أجل الوصول إلى ميثاق الصداقة الذي اقترح في سنة 2000، لكن الجدل الذي أثير حوله أدى إلى دفنه. وسيأتي التوقيع على مثل هذا الميثاق، في السنوات القادمة، لما يتحقق تجدد الأجيال، سيتم تحقيق ذلك بقوة”. وفي اللحظة الراهنة يبدو من الأحسن، حسب التقرير، مواصلة تعميق الشراكة والتعاون القائم مع الجزائر، دون إغفال تهيئة الأجواء لتهدئة ملف الذاكرة بين البلدين. وفي هذا السياق، يضيف: ”ستكون سنة 2014 سنة الذكرى 70 للحرب العالمية الثانية ومئوية الحرب العالمية الأولى، ويمكن أن تكون مناسبة للتذكير بالمشاركة المتميزة للجزائريين في هذين الصراعين العالميين اللذين خاضتهما فرنسا في القرن العشرين”. ويضيف: ”حين التركيز على الحقبة 1954 - 1962 من التاريخ المشترك الجزائري الفرنسي، فإن ذلك يؤدي إلى تجاهل الدور الملعوب من الجزائر والجزائريين في الحربين العالميتين”. ولذلك يدعو التقرير إلى تثمين المشاركة الجزائرية في مناسبة تخليد الذكرى القادمة، ما ”سيسمح بتجاوز فترات الصراع في تاريخنا المشترك”. وسجلت اللجنة آنذاك، حين انتقالها إلى الجزائر، في تقريرها: ”موقفا متفتحا من السلطات الجزائرية حول هذه المسائل. ومن هنا يمكن تنظيم خطوات تهدف إلى تنظيم أعمال مشتركة تثمن دور الجنود الجزائريين والجزائر”.