عن عائشة قالت: “كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ”. وعنها رضي الله عنها أنّها قالت: “كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ”. وعنها قالت: “كان يَخْلِطُ في العشرين الأولى، النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من نَوْمٍ وَصَلَاةٍ، فإذا دخلت العشرُ جَدَّ وشَدَّ الْمِئْزَرَ”. وروي عنه أنّه “كان لا يُصلِّي في العشرين إلّا كصلاته في سائر السنة فإذا دخلت العشر اجْتهد”، وثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان يعتكف في العشر الأواخر، وهي كلّها نصوص تدلّ على فضل وأهمية العشر الأواخر من رمضان. وقد اكتسبت العشر الأواخر هذه الأهمية لأنّ الله اختارها لينزل في إحدى لياليها وهي ليلة القدر آخر كتبه وأعظمها، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}. هذه اللّيلة المباركة كما وصفها الله تعالى في آية أخرى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}، تعدل ألف شهر من العمل، أي أكثر من أربع وثمانين سنة، ولذلك كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدّخر كلّ جهده من أجل هذه العشر حتّى يصادف ليلة القدر، وحثّ أمّته على إحيائها بالقيام فقال: “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”، وحثّهم على التماسها في هذه اللّيالي المباركة فقال: “الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ”. إنّ هذا الشّهر العظيم تتنزّل فيه رحمات الله تعالى الّتي لا تحصى على عباده، وهو من نفحاته سبحانه لعباده المقصّرين والمذنبين والمحتاجين لينتشلهم بها من وهدة المعاصي، ويأخذ بأيديهم إلى طريق والفلاح والنّجاة، فما عليك أخي المسلم إلّا أن تهتبل هذه المنح الرّبّانية الّتي يقدّمها لك سبحانه وتتهيّأ للعشر الأواخر الّتي هي على الأبواب.