يحرص المسلمون على أداء العمرة في شهر رمضان الفضيل لما في ذلك من تحصيل للثّواب، سواء أكان في أوّل الشّهر أو في العشر الأواخر، وحضور ختم القرآن في بيت الله الحرام وسط جموع من ملايين المسلمين من أنحاء العالم، يرجون رحمة الله عزّ وجلّ، خاشعين متبتّلين له بالتضرّع والدّعاء. يقول الله سبحانه وتعالى: {وأذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجّ} الحجّ:27، آيةٌ كريمةٌ تشير إلى النِّداء النّبويّ الشّريف الّذي نادى به خليل الرّحمن سيّدنا إبراهيم عليه السّلام داعيًا النّاس للقدوم إلى أشرف البقاع وأطهرها، فكانت منه الدّعوة وكانت من المؤمنين الإجابة. والعمرة في رمضان لها من المزيّة والفضل ما ليس لغيرها، فقد ثبت من حديث أبي معقل رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “عمرة في رمضان، تعدل حجّة” (رواه أحمد وابن ماجه)، والمعنى كما ذكر العلماء: أنّها تقوم مقامها في الثّواب لا أنّها تعدلها في كلّ شيء؛ فإنّه لو كان عليه حجّةً فاعتمر في رمضان لا تجزئه عن حجّ الفريضة. والمضاعفة الحاصلة للأجر سببها كما يقول الإمام ابن الجوزي: [ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت]؛ ولذلك كان للعمرة في رمضان ثوابٌ مضاعف كما لغيرها من الحسنات. ومثل ذلك ما ورد من أنّ الصّلاة الواحدة في المسجد الحرام بمكّة تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه، فلا يجوز أن يتبادر إلى الذِّهن أنّ صلاة يوم فيه تغني عن صلاة مائة ألف يوم، ولا داعي للصّلاة بعد ذلك، فالعدل أو المساواة هنا هي في الثّواب فقط، فلا تغني العمرة عن الحجّ أبدًا. ومثل ثواب العمرة في رمضان ما روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “مَن صلّى الصُّبح في جماعة ثمّ قعد يذكر الله حتّى تطلع الشّمس، ثمّ صلّى ركعتين كانت له كأجر حجّة وعمرة”، وقال أنس: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “تامة تامة”، فالمراد من هذه الأحاديث هو الترغيب في الثّواب، وليس جواز الاكتفاء بفريضة عن فريضة. وإذا كان الرّجال يطرقون أبوابًا للأجر لا يمكن للنّساء أن ينشدوها، كباب الجهاد مثلاً، فقد جعل الله لهنّ جهادًا لا قتال فيه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله! هل على النّساء من جهاد؟ فقال لها: “نعم، عليهنّ جهادٌ لا قتال فيه: الحجّ والعمرة” رواه أحمد وابن ماجه. ولا شكّ أنّ الأحاديث الّتي تبيّن فضائل العمرة على وجه العموم تدلّ كذلك على فضلها في رمضان وتشملها، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما” رواه البخاري ومسلم، فقد بيَّن الحديث فضيلة العمرة وما تُحْدِثُه من تكفيرٍ للخطايا والذّنوب الواقعة بين العمرتين. وصحّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: “تابعوا بين الحجّ والعمرة؛ فإنّهما ينفيان الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد، والذّهب، والفضة” رواه الترمذي. ففي هذا دلالةٌ على فضيلة المداومة والاستمراريّة في أداء مناسك الحجّ والعمرة، وكونهما سببًا شرعيًّا في زوال الفقر الظّاهر بحصول غنى اليد، والفقر الباطن بحصول غنى القلب، ناهيك عن قيامهما بمحو الذّنوب كما تزيل النّار خبث المعادن.