عبرت المظاهرات المشتعلة في كبريات المدن الليبية للتنديد بانعقاد البرلمان الليبي في مدينة طبرق والتشكيك في شرعيته، عن خيبة أمل الليبيين الذين كانوا يرون فيه أفقا جديدا لإعادة الاستقرار للبلاد ووضع حد للصراع المسلح، إذ لم يمر أسبوع على انتخاب رئيسه حتى أضحى هو في حد ذاته مثار جدل. وتعالت أصوات ترتاب في حياديته ومدى قدرته على احتواء الأزمة الليبية، بالإضافة إلى شرعيته وتاريخ بعض قياداته، وورود أسماء أربعة نواب كانوا موالين للعقيد الراحل معمر القذافي، بالإضافة إلى اتهام المجلس الجديد اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ما طرح علامات استفهام حول امتلاكه الشرعية الكافية لبسط سلطته على كل الأطياف المتناحرة وقيادة ليبيا إلى بر الاستقرار، باعتباره مؤسسة منبثقة عن عملية اقتراع. ويرى المتظاهرون في سير مجريات جلسات البرلمان بمدينة طبرق، أقصى شرقي ليبيا، انقلابا على شرعية الإعلان الدستوري، الذي يعتبر البوصلة القانونية الوحيدة في ليبيا، والمُحدد بأن تكون بنغازي مدينة مقر البرلمان، ما جعلهم يعتبرون قراراته غير شرعية ومفتقرة لروح القانون، ودفعهم إلى المطالبة بنقله إلى بنغازي، خصوصا بعد اكتشاف صناديق مملوءة بأوراق التصويت بمعسكرات قوات الصاعقة التي سقطت في يد مجلس شورى ثوار بنغازي، وسوق على أنه دليل على تزوير الانتخابات البرلمانية التي جرت تحت إشراف قوات حفتر. أما موقف المجلس الأعلى لثوار ليبيا حيال المجلس فكان أكثر تشددا بطرحه فرضية حله وعزل أعضائه، معتبرين إياه مساندا للواء المتقاعد خليفة حفتر، مهددين باتخاذهم حزمة من الإجراءات الاستثنائية في حال استمر مجلس النواب في الارتماء في أحضان من سموهم قادة الانقلاب على الثورة بطبرق، في إشارة منهم إلى حفتر، وكذا الاستمرار في تجاهل قرارات هيئة تطبيق معايير تولي المناصب العامة التي استبعدت 4 من المجتمعين هناك ممن يشملهم قانون العزل السياسي، الذي يمنع رجال القذافي من تولي المسؤوليات. من جهة أخرى، نظم العشرات مظاهرة مضادة بساحة الشهداء بطرابلس مؤيدة لمجلس النواب وما يسمى بعملية الكرامة التي يقودها حفتر، ولم تخل المظاهرات في طرابلس من مناوشات أُصيب فيها شخصان. وانطلاقا من هذه المعطيات، أصبح البرلمان محل الجدل يصارع على جبهتين، تتمثل الأولى في درء الشبهات حوله واسترجاع ثقة الشعب الليبي الذي كان يرى فيه أفقا جديدا للخروج من حالة الانفلات الأمني، فيما تتمثل الثانية في قدرته على فرض منطقه على من لا منطق له إلا منطق السلاح والصراع. وأوضح عضو البرلمان عيسى العرابي أن 131 من أعضاء مجلس النواب صوتوا لمساندة وقف فوري لإطلاق النار والسماح للأمم المتحدة بالإشراف على العملية، في حين لم يتبين بعد قبول الكتائب المتناحرة هذا القرار من عدمه، في ظل رفض بعض السياسيين قرارات البرلمان كمؤسسة لعدم دستورية اجتماع طبرق.