اقتفى أثرهم في الأغواط: ب. وسيم يمتاز عرش "المخاليف"، وبالضبط فرقة "السبيعات" بولاية الأغواط، بحرفة وفن أصيل لا تجده في العروش الأخرى، بعدما توارثوا هذا الفن من الأجداد إلى الآباء والأبناء. ويتعلق الأمر باقتفاء وتقصي الأثر، أو ما يعرف محليا "ڤصّ الجُرَّة"، حيث يستعان بهؤلاء المقتفين في البحث عن اللصوص والغرباء، وتتبع آثارهم لكشف هوياتهم. يشتهر بعض السكان من عرش المخاليف، وبالضبط في فرقة “السبيعات”، بقدرتهم الفائقة على قصّ “الجُرة” أي اقتفاء الأثر وتتبعه، على خلاف العروش الأخرى المنتشرة والقاطنة بالمنطقة. فهم يجيدون قصّ الأثر، سواء كان لرجل منتعل أم حافي القدمين، نحيفا كان أم سمينا، يحمل شيئاً ثقيلاً أم خفيفاً، أو لا يحمل شيئا على الإطلاق، أو أثر امرأة سواء كانت حاملَ أو دون حمل، صغيرة السن أو كبيرة، وكذلك أثر الغنم والإبل، فبإمكان أصحاب هذه الموهبة تحديد عدد رؤوس الماشية، وأيضا اتجاهها، إن كانت قد حُملت في شاحنة أو سارت على أقدامها. جماعات اللصوص تهدّد مقتفي الأثر هذه الحرفة والميزة والموهبة صاحبت إحدى عائلات هذا العرش المقيم ببلدية سيدي مخلوف، شمالي مدينة الأغواط على بعد 45 كيلومترا بالقرب من الحدود مع ولاية الجلفة، حيث توارثها أبناؤها أبا عن جد، واحترفوا اقتفاء الأثر منذ القدم إلى يومنا هذا، رغم تراجع نشاطهم في السنوات الأخيرة بعدما تلقوا تهديدات من بعض العصابات والأشخاص الذين أزعجتهم “فطنة” هؤلاء وقدرتهم على كشف هوية الغريب والجاني. وقد ذاعت شهرة بعض مقتفي الأثر في عرش المخاليف وتجاوزت حدود المنطقة السهبية والصحراء، وأصبح يتمّ اللجوء إليهم والاستنجاد بهم في الحالات المُلحّة، وحتى من خارج المنطقة والولاية، لتمكّنهم بسهولة من تمييز ما يستدل من الأثر الموجود والمكتشف، وكشف صاحبه بعد السرقة ومداهمة المسكن، وإعطاء عدة ملامح وأوصاف تحدد هويته، ككونه معوّقا أو أعرج أو حتى أعور. كما يستطيع هؤلاء من أبناء المخاليف اقتفاء أثر الحيوانات الضالة قصد استرجاعها والعثور عليها بسهولة، حتى وإن اختلطت مع قطعان أخرى، فقد ساعدت هذه المهارات في منع السرقات واستتباب الأمن في المنطقة. مقتفو الأثر يرفضون الظهور الإعلامي من أجل إنجاز هذا الروبورتاج انتقلنا إلى بلدية سيدي مخلوف شمال ولاية الأغواط، وبحثنا عن هؤلاء مقتفي الأثر لمقابلتهم والالتقاء بهم، لإبراز هوايتهم وموهبتهم هذه التي جعلتهم “أدلة بوليسية بدائية” على مرّ السنوات، دون الحاجة لاستعمال الوسائل العلمية الحديثة والاستعانة بعناصر الأمن في حالات السرقة ومختلف الجرائم. الاستفسار عن هؤلاء في هذه المدينة الموجودة على الطريق الوطني رقم1 الرابط بين الأغواطوالجلفة، والمشهورة بمقاهيها ومطاعمها الكثيرة، لم يكن صعبا، لأن هؤلاء الأشخاص مميزون في هذه البلدية، التي تعد مقر دائرة، والكثير من الناس استنجد بهم في السنوات الفارطة في مواقف عديدة، واكتشف موهبتهم الفريدة في اقتفاء الأثر وكشف معالم الجاني والفاعل في لحظات بعد معاينة الأثر وتتبعه. لكن دهشتنا كانت كبيرة عندما علمنا أن الذين توجهنا إليهم لإجراء حوار معهم يرفضون مقابلتنا بعدما علموا بهويتنا، ولا يريدون الظهور الإعلامي والحديث عن نشاطهم لوسائل الإعلام وكشفه بالتفصيل، خوفا من بعض الأشخاص الذين هددوهم ومنعوهم من “الاستمرار في هذا النشاط” الذي يعيق جرائمهم ويكشف تجاوزاتهم، فتراجع مقتفو الأثر عن قبول دعوات كشف عمليات السرقة وترصد اللصوص وتحديد هوياتهم وعددهم للذين يجهلونهم، بعدما كانوا في السابق يرافقون الضحايا لعدة أيام على مسافات طويلة مشيا على الأقدام للتضامن معهم ومساعدتهم في استرجاع أملاكهم الضائعة، إلا أن المعلومات المتوصل إليها أصبحت تقلق البعض، الذي يحاول طمس خبرتهم والنيل منها باستعمال مختلف الوسائل. اقتفاء الأثر منذ عهد الرسول الكريم إن اقتفاء الأثر متواجد منذ الجاهلية للاشتراك في الطبيعة الصحراوية نفسها وتواجد الرمال والصحارى الشاسعة، حيث عرف العرب اقتفاء الأثر باستدلال وتتبع آثار الأقدام والخفاف والحوافر والمركبات، ويسمى كذلك “الجرّة” (بضم الجيم)، و«القيافة”، أي علم قصّ الأثر والفراسة، وهو معرفة تقليدية يتداولها الأفراد في المجتمعات الصحراوية يبدون فيها تميزا ملحوظا، حيث اشتهر به البدو في الصحراء، وأشهر من عرف به هم “آل مدلج بن مرة” من قبيلة كنانة الذين كانوا يتميزون بمعرفة ومتابعة أثر الماشي في الصحراء على الرمل حتى يعلموا أين ذهب، فتحوّل مع مرور السنين إلى علم يعتمد على قوة الملاحظة والاستنتاج بعد فترة تخمين وتحليل، ويسمى صاحبه “الجفير”. ويروى في قصص العرب أن أحد البدو في صحراء قاحلة وجد أثرا لناقة وتمعّن النظر في ذلك ثم قال: “هذه ناقة بعين واحدة، وهي تحمل امرأة حامل أو شيخا مسنا، وهي كذلك مقطوعة الذيل”. وبعد فترة من الطريق تحقق من كل ما خمّنه بعدما وجد رجلا يبحث عن ناقة وامرأة، فقام البدوي بإكمال صفات الناقة وما تحمل، فاستغرب الرجل الآخر منه، وطلب منه الذهاب معه ليطلب من الرجال الإمساك به ظنا منه بأنه سارق الناقة، لكنه قال له بأن الناقة لم تسرق وهي متجهة غربا بقيادة امرأة حامل، حيث أوضح أن بعر (أي وسخ) الناقة لم يفرق في جلستها، وهو ما يعني أنها مقطوعة الذيل، والعشب الذي أكلته وهي جالسة من جانب واحد أي أن الجانب الآخر لم تره الناقة لفقدانها إحدى عينيها، كما أن اكتشاف أثر ليد غارسة في الرمل بجانب ركبة الناقة يؤكد أن راكبها امرأة حامل أو شيخ مسن، والناقة لم تسرق لأنها كانت لوحدها ولا يوجد أي أثر لشخص آخر. وقد كان اقتفاء الأثر موجودا في رحلة الهجرة النبوية من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة، حيث استعان الكفار بالدليل “أرقط”، أعرف الناس بالصحراء، وهو أحد القاصين للأثر من قبيلة بني مدلج بعدما علموا بهجرة النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم الذي أوصلهم إلى الغار الذي اختبأ فيه النبي رفقة سيدنا أبي بكر الصديق لتكون معجزة الحمامة والعنكبوت التي أبعدت خاتم الأنبياء عن مكر المشركين. هؤلاء الذين هزموا الزعيم الألماني هتلر حتى لا نحرم القارئ الكريم من التعرف على ظاهرة اقتفاء الأثر عند عرش المخاليف، بعد رفض المقتفين التصريح والحديث إلينا رغم إلحاحنا المستمر، اكتفينا بشهادات بعض كبار العرش وسكان هذه المدينة حول هذه الظاهرة الذين ألحّوا قبل التصريح على عدم تقديم اسم العائلات المشهورة بهذا الفن البدوي وكنية المقتفين بينهم، وكذا عدم نشر الصور الملتقطة عنهم للبقاء في الخفاء، حسب رغبة المقتفين الذين لا يريدون الأضواء، حيث أكد الشيخ مخلوف أن اقتفاء الأثر مهنة عريقة منذ القدم بعدما كان سيدنا موسى عليه السلام هو أول من تتبّع الأثر، وهي موهبة وراثية أبا عن جد، تتجلى في تحليل أثر القدم لمعرفة صاحبه واكتشافه، لكون هؤلاء يمتازون بالحكمة والفطنة وقوة الملاحظة والبراعة، ويعرفون طريقة مشي جميع سكان القرية، فيؤكدون إن كان الأثر لأحد السكان أو لغريب زارهم. وأضاف الشيخ أن الأثر يسمح بالتعرف إن كان صاحبه رجلا أو امرأة، شيخا أو شابا، نحيفا أو بدينا، وذلك من خلال عمق الأثر، وطول الخطوة وكذا اضطرابها إن كان الشخص مخمورا. ولقد استعان الاستعمار الفرنسي ببعض مقتفي الأثر من المنطقة في حربه ضد النازية. ويقال إن الزعيم الألماني هتلر استاء من عملهم وقدرتهم على ترصد تحركات جنوده وكشفها، لاسيما بعدما تفطنوا لخدعته في قلب الأحذية والسير إلى الوراء، حتى إنه طلب القضاء عليهم عند دخوله باريس. كما كان لمقتفي الأثر من عرش المخاليف دور كبير في الحرب “الهندو- صينية” وحرب “العصابات” التي قامت بها فرنسا، بعد نجاح تجربتها ضد ألمانيا بفضل مقتفي الأثر “المخاليف”. مقتفو الأثر في خدمة ثورة التحرير أوضح الشيخ بولرباح، أحد شيوخ عرش المخاليف، أن مقتفي الأثر ساهموا بخبرتهم ودهائهم وموهبتهم الربانية إلى جانب جنود ثورة التحرير المباركة، وتمكنوا من إخفاء آثارهم في تنقلاتهم من جبل الأزرق بسيدي مخلوف إلى جبال الڤعدة الشهيرة، باعتبار المنطقة ممرا بين الشرق والغرب من الحدود التونسية إلى الحدود المغربية، وأيضا ترصد آثار المستعمر الفرنسي من خلال عدده وعدّته وكذا الوقت الذي مروا به، إن كان في الصباح أو المساء، و«مستوى التعب” الذي نال من جنود المستعمر، أضف إلى ذلك أنواع الأسلحة التي يتوفرون عليها ويحملونها، وكذا أنواع الدبابات الموجودة في جيشهم. فكان لمقتفي الأثر دور كبير في ثورة التحرير والمساهمة في نيل الاستقلال، بعدما فقدت المنطقة بعض أبنائها أمثال بن القويني وعاشوري وبن الطيرش وباي، الذين كانوا أعضاء في جيش التحرير، واستشهدوا في الفترة الممتدة من سنة 1957 إلى غاية 1962. وفقدت المنطقة ما يقارب من 100 شهيد، بعدما أبانوا عن قدراتهم وحبهم للوطن، وهم في ريعان الشباب. حاربوا فرنسا وحاربوا الجماعات الإرهابية أيضا وخلال فترة سنوات الجمر والإرهاب تم الاستعانة بمقتفي الأثر، حسب الشيخ بولرباح، في ترصد الإرهابيين وكشف تنقلاتهم وتتبع آثارهم وإبراز قنابلهم المغروسة هنا وهناك، الأمر الذي استدعى هيكلة بعضهم في الحرس البلدي ومرافقة أعوان الجيش والدرك في خرجاتهم الميدانية وعمليات التمشيط وقيادتها، نظرا لخبرتهم الكبيرة في تتبع الأثر. كما بات أعوان الجمارك يستعينون بهؤلاء المقتفين في محاربة التهريب وكشف الطريق لحماية الاقتصاد الوطني. اقتفاء الأثر فن وموهبة عند أسود الأزرق يعتبر علي، وهو من أبناء بلدية سيدي مخلوف، أن اقتفاء الأثر فن وموهبة يمتاز بها بعض سكان المنطقة دون غيرهم، أمام قدرتهم على تعيين الجهة التي جاء منها صاحب الأثر، حتى ولو حاول إخفاء آثاره، وكذلك الجهة التي اتجه إليها، فاكتسبوا مهارة عجيبة لا يجاريهم فيها أحد، معتمدين على الفطنة ودقة الملاحظة والذكاء الفطري الذي يتميز به عرش المخاليف، وهو ما تؤكده عدة قصص وروايات باتت أساطير مأثورة وشواهد على براعة الرجال الممارسين لهذا النشاط، بعدما ساهموا في استقرار المجتمع المحلي، والكشف عن أسرار كل عمل أو فعل قد يلطخ به فاعله سمعة العرش، بممارسة جريمة يظن أنه سيفلت من عقابها. وأورد علي عدة قصص عن مغامرات مقتفي الأثر الذين بات أعوان الأمن يستدعونهم لكشف طلاسم بعض الجرائم، ويتنقلون إلى ولايات بعيدة لاسترجاع المسروقات باقتفاء أثر اللصوص ومكان تواجدهم، مستدلا بخبرة أحد المقتفين الذي لا يمكث بالمنطقة إلا نادرا، نظرا للطلبات الكثيرة عليه لتفكيك ألغاز عدة جرائم مختلفة، إحداها كانت بولاية وهران وأخرى بعنابة وبسكرة، رافضا سردها بالتفصيل لسرية التحقيق الذي طالبت به مصالح الأمن، التي ساعدها تحديد هوية الجاني من خلال أثره المكتشف في البيت، مؤكدا أن اقتفاء الأثر يسمح بتحديد هوية الفاعل في عمليات السرقة ومختلف الجرائم إن كان من المنطقة أو من خارجها بعد عرض المشكوك فيهم، نظرا لكبر التجمعات السكانية الحالية واستحالة معرفة جميع الآثار. كما يستعان باقتفاء الأثر، حسب المتحدث، في الصيد وتحديد جميع الحيوانات المتواجدة في المنطقة، وهو ما جعل أمراء الخليج العربي يعتبرون مقتفي الأثر من رفقائهم الضروريين في خرجاتهم الصيدية بالصحراء. الشعانبة والكشافة تقتفي أثر المخاليف لم تظل حرفة اقتفاء الأثر محصورة عند المخاليف من أبناء سيدي مخلوف بولاية الأغواط، بل انتقلت إلى الشعانبة في متليلي بولاية غرداية الذين تميزوا كذلك باقتفاء الأثر وتحديد صاحبه، بفضل فطنتهم وتحكمهم في الصحراء، فسمحت خبرتهم المكتسبة في تحديد آثار المهربين المتخذين لمنطقتهم مسلكا بين الجنوب الغربي والشرقي، وكذا تقصي أثر لصوص الصحراء الذين يستهدفون قطعان المواشي، بينما التحق بعضهم بالجماعات الإرهابية أمثال مختار بلمختار المدعو “بلعور” أو خالد أبو العباس الذي بات أمير كتيبة “الملثمون” في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، لقيادة وتنفيذ عدة هجمات مسلحة على أهداف جزائرية وأجنبية في صحراء بلادنا ودول الساحل، بفضل خبرته في اقتفاء الأثر للأشخاص الجزائريين والأجانب، وكذلك السيارات فتحوّل من “السيد مارلبورو” إلى “الإرهابي الشبح”، بعدما تجذرت أهدافه في صحراء يفترض أن تضاريسها سهلة لكونها جرداء. كما انتقل هذا الفن المتميز في اقتفاء الأثر إلى أفراد الكشافة الذين اعتبروا اقتفاء الأثر فطنة وحكمة وتجربة يجب أن يتحلى بها الكشّاف ويكتسبها في نشاطه الكشفي لأنها مفيدة لكل كشّاف، باعتبارها تعوّده على الصبر والدقة وقوة الملاحظة، فلا تفوته صغيرة أو كبيرة، بعدما يكتسب ملكة قوة الملاحظة والاستنتاج. ويعتبر أفراد الكشافة الإسلامية في خرجاتهم اقتفاء الأثر مهما للتخييم والبحث عن الحيوانات بعد جمع المعلومات واستغلالها عن طريق الدراسة والمقارنة، للربط بينها وتحليل الأمور واستنباط مدلولها، ما يكسب الكشاف الخبرة والتجربة بالاعتماد على المنطق. وتحوّل اقتفاء الأثر عند الكشافة إلى لعبة مسلية تلازم خرجاتهم وتكشف عن موهبتهم في التعلم واكتساب مهارة الحكماء. الحاج محمد الرق من أسود جبل الأزرق شاهد من أهلها قبل مغادرتنا لمنطقة سيدي مخلوف التقينا بالحاج محمد الرق، من كبار مجاهدي المنطقة وفرقة السبيعات بعرش المخاليف، والذي لم يمانع في الحديث عن ظاهرة اقتفاء الأثر في فرقته وأسباب تراجعها رغم أهميتها عبر عدة مراحل، سواء في ثورة التحرير أو سنوات الإرهاب وحتى في حالات السرقة وعمليات الصيد. وأشار الحاج محمد إلى أن خبرة اقتفاء الأثر اكتسبها أفراد فرقته المشهورين بفطنتهم، ومنهم المدعو “مخلوف الشمبيط”، رحمه اللّه، الذي كان يقتفي أثر الأرنب الحامل وأبهر أحد مسؤولي الأمن في كشف أثره وسط جنوده، رغم تغيير الحذاء، والتفريق بين الذكر والأنثى عند الحيوان، وتحديد أثر العقرب على الحجر، وعدم قطع أحد الثعابين الجاري البحث عنه للطريق، معدّدا عدة طرائف ومغامرات عن نشاطه، مشيرا إلى أن منطقة “الرال” التي ينحدر منها سكان فرقته كان يربى بها الأسد، فامتهنوا الصيد والفراسة، وهو ما ساعدهم في محاربة المستعمر الفرنسي، حيث كانت سيدي مخلوف–حسبه- مخزنا للمؤونة والسلاح مع القمامتة بوادي مزي، وهو ما جعل هذين العرشين لا يوجد بهما أي حرْكي، ويتخذان كمعقل للثورة على امتداد 50 كيلومترا وعرض 14 كيلومترا، والاعتماد على مقتفي الأثر في مطاردة المستعمر الفرنسي وتشخيص وتحديد قوته، مثلما كان الحال في معركة الكروش في 30 نوفمبر 1959. وكشف المتحدث أن المنطقة حاربت الإرهاب بحمل السلاح واقتفاء الأثر، ومن هؤلاء المدعو “لخضر طالب” الذي فقد ابنه بعدما انتقم الإرهابيون منه بقطع رأسه ووضع قنبلة تحت جثته، اكتشفها مقتفو الأثر الذين جنّبوا المنطقة مجزرة حقيقية. وأشار الحاج محمد الرق إلى أن تراجع نشاط اقتفاء الأثر، رغم فعاليته، يعود إلى تغير الوضع بظهور الطرق المعبّدة والسيارات على اختلاف أنواعها، واختلاط المدن وتزايد سكانها بالأضعاف، مؤكدا أن السارق في السابق لما تؤكد الآثار بلوغها مسكنه ومطالبته بإعادة المسروقات يمتثل للأمر، خصوصا أمام مبايعة كبار العرش للنتيجة المتوصل لها، بينما بات اليوم اللصوص ينفون سرقتهم، رغم أن المسروقات لديهم، ويقسمون بالثلاثة ولا تعتدّ العدالة بنتيجة اقتفاء الأثر، رغم أنها حجة قاطعة ومتوصل لها بعد خبرة وفطنة كبيرتين، متأسفا لتراجع هذا النشاط رغم أهميته وتضحيات سابقيه من أبناء عرشه الذين يحلمون بفتح طريق “الرال” بين الطريق الوطني رقم1 والطريق الوطني رقم 23، بعدما دفعوا ضريبة كبيرة إبان الثورة وسنوات الإرهاب، ويحلمون اليوم بالاستقرار. من هم المخاليف؟ ترجع تسمية سيدي مخلوف إلى الجد الأول والولي الصالح سيدي مخلوف ذي الأصل العربي وأحد سلاطنة الدولة السعدية بالمغرب الأقصى، جاء ليستقر بجبال الأزرق بالشمال الغربي للأغواط سنة 1660، وأنشأ زاوية بخيمته، حيث كانت تحتكم إليه القبائل والعروش، ولم يلبث طويلا ليعود من حيث أتى وهو مقبور بمدينة فاس في المغرب، تاركا أبناء وبنات، من بينهم الابن أحمد والمعروف باسم “أحمد بن سيدي مخلوف” الذي تمركز بالمنطقة. وقد عاش الإنسان بسيدي مخلوف في مرحلة ما قبل التاريخ في الكهوف المنتشرة بالمنطقة، وبات يرسم على جدرانها طقوس حياته اليومية، وهو ما يتجلى في النقوش الصخرية بالحصباية والرمايلية. وينقسم عرش المخاليف إلى فرقتين كبيرتين: الأولى “مخاليف الصحراء” أو “الجرب”، نسبة إلى إبلهم وتقطن بالجنوب من سلالة عبد الرحمن أو عبد اللّه الذين نزلوا الصحراء في بريان وحاسي الرمل، و«مخاليف الزرق” نسبة إلى الجبل الأزرق الموجود بمنطقة سيدي مخلوف شمال الأغواط، والتي ينحدر منها أولاد قويدر وأولاد عيسى وأولاد عيدة وأولاد أبوبكر وأولاد براهيم وأولاد دهينة وأولاد سعد، حيث يعتمد السكان على الترحال في بوادي الأغواطوالجلفة وبسكرة والمسيلة، ويمتهنون أساسا تربية المواشي وخدمة الأرض والفروسية، ليقيم 80 بالمائة منهم في مدينة سيدي مخلوف، بوابة ولاية الأغواط الشمالية، بعدما افتك مخاليف الصحراء البوابة الجنوبية في بوزبير.