في إجابتك للأخ عادل من أولاد جلال، يوم 02 جانفي 2015، قلت حرفيا: “الإعلام الفاسد هو الذي نصب السيسي، والمال الفاسد والنظام الفاسد هما اللذان نصبا الباجي، وعندنا النظام الفاسد والمال الفاسد هما اللذان جعلا الكرسي المتحرك يسبق الأرانب في سباق الرئاسيات الماضية”. أنا أتفق معك كليا بالنسبة للحالة المصرية والجزائرية، لأن النظام الجزائري مستنسخ من المصري، وإلا ماذا كان يفعل كل من بن بلة وبومدين عند عبد الناصر؟ أما النظام التونسي فكان مختلفا تماما وخاصة فيما يتعلق بعلاقة الجيش بالسياسة، وأنت تعرف أكثر مني العداوة التي كانت قائمة بين عبد الناصر وبورقيبة، والمنطق يقول إن الأسباب التي أدت إلى انتشار الفساد السياسي والمالي في النظامين المصري والجزائري ليست هي نفس الأسباب في النظام التونسي، وبالتالي لن تؤدي إلى نفس النتائج. أنا شخصيا زرت تونس عدة مرات بعد الثورة وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ولذلك أجد في قولك مبالغة وظلما للشعب التونسي، ففي مصر نصب الجنرال سيسي نفسه رئيسا بانقلاب وبدعم كبير من المال والنظام الفاسدين، أما تنصيب الباجي في تونس فيختلف جذريا لأسباب عديدة، نذكر منها أن حزب الباجي كان الأول دائما في استطلاعات الرأي، والمال الفاسد كان فعلا موجودا، لكنه لم يكن العامل المحدد للنجاح، فالعوامل الأساسية التي أدت فعلا إلى نجاح الباجي هي ثلاثة: أولا تشبث التونسيين بالنمط الاجتماعي الذي تعودوا عليه، وثانيا قرار حركة النهضة بعدم المشاركة، وثالثا انحياز رجال الأعمال. كنت أتصور أن تكون من أوائل المباركين لنزاهة الانتخابات التونسية بشهادة العالم وكل الأطراف في الداخل والخارج، كما أنك ظلمت الكثير من التونسيين الذين اجتازوا مرحلة انتقالية صعبة بعد ثورة حقيقية، تمكنوا خلالها من استنباط حلول ذاتية للأزمة، مثل التوافق والرباعي الحامي للحوار وغيرها من الابتكارات التي يمكن تدريسها في العلوم السياسية، كما يمكن للشعوب العربية الخائفة من التغيير أن تستنبط منها. تونس انطلقت فعليا في بناء الجمهورية الثانية، بينما يغرق الآخرون في أوحال الجمهورية الأولى. عبود دزري: الجزائر ياعبود ليس الجيش وحده هو سبب مصائب مصر والجزائر، كما أن ضعف الجيش التونسي ليس هو وحده السبب الذي جعل تونس الشقيقة تخطو خطوة جدية وجادة نحو الجمهورية الثانية، حيث فشلت مصر والجزائر بسبب الجيش، هذا أمر غير صحيح. الجيش في مصر والجزائر ليس أقوى من الجيش في تركيا.. ومع ذلك حكمة نجم الدين أربكان بإسلامه المعتدل والاستراتيجي هي التي فوّتت الفرصة على عسكر تركيا لعدة مرات، حين لم يلجأ أربكان إلى العنف عندما ألغى العسكر في تركيا والعلمانيون الانتخابات التي فاز بها الإسلاميون.. وهو ما سمح باستئناس المجتمع التركي إلى سلمية الحركة الإسلامية في تركيا وديمقراطيتها، وسمح بالتالي بظهور أمثال أردوغان الذي طور تركيا وملك آلة العسكر والعلمانيين بالديمقراطية والإرادة الشعبية، وبالإنجازات الكبرى التي نقلت تركيا اقتصاديا إلى مصاف الدول العظمى، والأمر لم يفعله إسلاميو الجزائر ولا إسلاميو مصر مع الأسف، وحدث ما حدث في الجزائر، ويحدث مثله في مصر الآن. الغنوشي فيه قبس ذكاء سياسي من أربكان، فهو لم يغلق الباب بالتزمت السياسي أمام ظهور أردوغان تونس مستقبلا، كما فعل مرشد مصر وزعيم الجزائر في التسعينات! نعم الجيش في الجزائر عامل من عوامل تعطيل التحول السياسي.. لكن غيره أيضا لم يساعدوه على الخروج مما هو فيه بسلام.. ولو كنت تتابع جيدا ما كتب في هذا العمود، لما اتهمتني بالانحياز ضد ما حدث في تونس.. فالأمر ليس له علاقة بحكمة جيش تونس وحده، بل له علاقة أيضا بحكمة وسلمية الإسلاميين والعلمانيين على السواء، واعتقد أن تونس خرجت من الشرنقة ولن يستبد بها لا السياسي أو غيره، وقد يحصل الإسلاميون من جديد في المستقبل على فرصتهم.. ذلك ما نتمناه.