مثل هذا السؤال ينبغي أن يكون مثارا ومطروحا قبل الآن وليس فقط على ضوء ما تتعرض له بعض الجيوش العربية أو تعرضت له. الجيش العراقي تعرض لعملية إبادة جسدية ومادية، أي عدة وعددا وعقيدة وتاريخا، من قبل قوات الغزو الأمريكي عام 2003، والجيش السوري الذي يتعرض هو الآخر لعملية تقويض جسماني ومادي، والجيش اليمني الذي تكال له الضربات من قِبل تنظيم القاعدة وجهات أخرى، والجيش الليبي تعرض لعملية تفكيك لإنتاج منظومة من الميليشيات التي هي خارج الضبط والربط ولا تعرف حاكما أو ناظما، والجيش المصري مازال في بداية عملية التقويض والتفكيك ويتعرض لحملة من الاستهدافات: هجمات وضربات متتالية في سيناء وفي منطق أخرى في داخل مصر، (هجمات دمياط) وعلى الحدود الغربية مع ليبيا، وهذه الضربات تصاعدت في الآونة الأخيرة. - حرب نفسية ضارية تشن من قِبل عدة جماعات تكفيرية. (منظمة الفرقان، أنصار بيت المقدس، أجناد مصر، الدولة الإسلامية في العراق والشام). وتوصل العديد من الخبراء الإستراتيجيين على ضوء هذا الاستهداف للجيوش العربية إلى التالي: وجود إستراتيجية دولية وإقليمية لتقويض الجيوش العربية وإحلال الميليشيات محلها من أجل إدامة موجة الفوضى، باعتبار أن هذه الجيوش هي الحامية للدولة وحين تضعف هذه المؤسسة وتنهار تتحول الدولة إلى دولة فاشلة أو تنهار. مصادر تهديد الجيوش العربية تنفيذا لهذه الإستراتيجية هي: 1- الجماعات الإرهابية التي جاهرت وأقرت بأن الجيوش هي العدو الذي ينبغي محاربته قبل محاربة الأعداء الخارجيين (تغريدات المقدسي والعدناني من قيادات داعش). 2- قوى دولية تتبنى ما يعرف بسياسة تصدير الفوضى الهدامة بشكل مباشر عبر الاجتياحات كالحالة العراقية، أي عن طريق القوة العسكرية أو عن طريق الإنابة أي توظيف حركات جهادية أو حركات تمرد على أساس إثني أو طائفي أو سلفي. 3- إسرائيل: نحن لا نحشر إسرائيل انطلاقا من فكر المؤامرة أو الآراء الجاهزة. وهذه الحقيقة اعترف بها أكثر من مسؤول إسرائيلي، وهنا نشير إلى بعض هذه الاعترافات: الأول: ما أعلنه الجنرال المتقاعد عاموس يدلن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي حاليا (إن لإسرائيل مصلحة إستراتيجية في تقويض الجيوش العربية التي تشكل تهديدا لإسرائيل أو خاضت حروبا معها). الثاني: يفتاح شابير، الخبير في شؤون التسليح والمشرف على إصدار التقرير السنوي عن ميزان القوى العسكري في منطقة الشرق الأوسط. يقول شابير في تقدير عام 2013: إن جيش الدفاع الإسرائيلي لن يجد نفسه بعد الآن في مواجهة جيوش عربية نظامية تتبنى عقيدة قتالية معادية لإسرائيل. وحديث يفتاح شابير عن الاستثناء، أي إقصاء جيوش عربية لا ترى في إسرائيل عدوا لها. الثالث: الجنرال أفيف كوخفي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق وقائد المنطقة الشمالية حاليا يقول: “رغم أننا نعيش حالة تعايش وسلام مع مصر إلا أنه من مصلحتنا أن نجد جيشا مصريا مستنزفا وضعيفا، حتى لا يعود إلى المربع الأول محتشدا في خنادق متقابلة لخنادق الجيش الإسرائيلي في النقب”.
وماذا عن الجيش الجزائري؟ لا يزال السؤال مثارا عن الجيش الجزائري، هل هو ضمن دائرة الاستهداف؟ ولماذا؟ يعتمد الخبير العسكري اللواء المتقاعد محمد خالد في البحث عن إجابة لهذا السؤال على معطيات تعزز من قيمة الإجابة وأهميتها وجديتها. وينظر إلى هذه المعطيات على أنها هي من تدلل وتعزز حقيقة هذا الاستهداف. ومن هذا المنطلق كان أكثر ما اعتمد عليه وارتكز في تقديم مثل هذه الإجابة هو: أولا: أن الجيش الجزائري هو أول جيش في الدول العربية الذي استهدف في عملية تقويض من قبل الجماعات السلفية الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي. وتماسك الجيش الجزائري ونجاحه في إحباط هذا الاستهداف، وبالتالي دحر الإرهاب، أبقى على الدولة الجزائرية وحال دون انهيارها أو بقائها دولة فاشلة تعبث بها الميليشيات فسادا وخرابا. ثانيا: سجل الجيش الجزائري أول انتصار على منظومة الإرهاب تحقق في الجزائر، وإن اضطر لخوض معركة امتدت لعقد من الزمن. ثالثا: الجيش الجزائري واجه الحرب التي شنت ضده دون دعم إقليمي أو دولي، بل ترك وحده في مواجهة أول حرب إرهابية. دول كبرى خاضت مثل هذه الحروب في أفغانستان وفي الصومال وفي العراق واليمن دون أن تحرز نتائج حاسمة. مصادر تهديد الجيش الجزائري عندما نتحدث عن استهداف الجيش الجزائري لابد أيضا أن نحدد مصادر التهديد، أي أن نحدد هوية القوى المستهدفة للجيش الجزائري. هذه المصادر، بحسب الباحث في الشؤون المغاربية والمتخصص في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، الدكتور نبيل جمال، تنقسم إلى مجموعتين: - مجموعة التهديد المباشر للجيش الجزائري. - قوى خارجية تجد مصلحة في تقويض الجيش الجزائري دون المشاركة في العملية، لكنها تساهم عن طريق التحريض أو الدعم وتعظيم قدرات مصادر التهديد المباشر. مصادر التهديد المباشر: على مستوى الدول. - المغرب: وفّرت الممارسات المغربية في الآونة الأخيرة الاستفزازات والمواقف العملية وتعظيم القدرات العسكرية ودخول محموم في سباق التسلح مع الجزائر فرصة لتأكيد حقيقة ما يذهب إليه خبراء إستراتيجيون غربيون وشرق أوسطيون أن المغرب كشف وأفصح عن عزمه خوض صراع ضد الجزائر بمجرد أن يفرغ من بناء منظومة الجاهزية القتالية لحسم أزماته مع الجزائر: أزمة الصحراء الغربية من أجل تحديد الدور الجزائري في هذه الأزمة. خلافات حدودية قريبة. إغلاق الحدود ومنذ أكثر من عقدين ونصف بين البلدين. الباحث في الشؤون الجزائرية في معهد أبحاث الأمن القومي يعقوب جراه والدكتورة إيهوديت رونين من مركز ديان ودان أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق والذي يدير الملف الجزائري من باريس يذهبون إلى حد تأكيد أن المواجهة بين الجزائر والمغرب قادمة، وأن ما يدور في الساحات القريبة من البلدين من صراعات تصب الزيت على الأزمة المتصاعدة بين البلدين لإشعال حريق آخر في منطقة شمال إفريقيا. مراكز الأبحاث الإستراتيجية الأوروبية، وبحسب الباحثة في الشؤون الفرنسية الدكتورة شفيقة مطر، تواظب على وضع تقديرات وإعداد بحوث حول مسألة المواجهة العسكرية المتوقعة بين الجزائر والمغرب. المغرب، وعلى ضوء الموقف الذي عبّر عنه الملك محمد السادس عشية الذكرى التاسعة والثلاثين لمسيرة الصحراء، لديه الدافعية لخوض مثل هذه المواجهة، لكن تبقى الاعتبارات الأخرى كميزان القوى العسكري ونمط توزيع القوة في منطقة المغرب والموارد الاقتصادية والعلاقات الإقليمية والدولية هي الحاكمة والناظمة لإدارة مثل هذا الصراع. ثانيا: على مستوى دون الدولة: أي الحركات الإرهابية؛ في هذا الإطار اختار الباحث في شؤون الحركات الإسلامية الراديكالية العميد المتقاعد أحمد سلطان التعريف بالخطوط الإرشادية والأهداف الرئيسية لهذه الحركات. عناصر التعريف: الجيش الجزائري، رغم هزيمة المشروع الإرهابي في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي واتفاق الوئام والمصالحة، ظل يتعرض لهجمات من قبل جماعات خارج إطار المصالحة واستمرت في حمل السلاح مثل الجماعة السلفية للقتال، ثم انشقت جماعات أخرى إلى أن تشكل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وفي آخر المستجدات على هذا الصعيد بروز عدة حركات في المشهد الجزائري والمشهد الجغرافي المحيط تونس وليبيا. 1- جماعة التوحيد والجهاد 2- الملثمون 3- أنصار الشريعة 4- عقبة بن نافع 5- المرابطون 6- جند الخلافة وأخيرا جاء دور تنظيم الدولة الإسلامية في العراقوسوريا “داعش” ليعلن عن تواجده في الجزائر (جند الخلافة ثم إعلان الجزائر ولاية إسلامية من قبل زعيم داعش أبو بكر البغدادي قبل بضعة أيام). مصدر التهديد الإرهابي يختلف الباحثون في تقييم حجمه وقدرته وخطورته، بما يؤهله ليحتل المرتبة الأولى في تهديد الجيش الجزائري، يليه المغرب، بينما هناك من يعتبر أن المصدر المغربي للتهديد هو الذي يحتل المرتبة الأولى. لذلك يطرح تساؤل آخر رئيسي حول تأثير ما يحدث من حول الجزائر في ليبيا وتونس وانعكاساته على المعركة بين الجيش الجزائري والجماعات الإرهابية. يرى الخبير الأمني العميد المتقاعد أحمد سلطان أن الجزائر لا تواجه خطرا إرهابيا من الداخل، بل تواجه خطر هذه الجماعات المتموضعة أو المنتشرة في: - شمال مالي “حركة التوحيد والجهاد” ثم “أنصار الدين”، ثم أخيرا من “داعش” تسللت من ليبيا. - ليبيا “كوكتيل” من الجماعات الجهادية في ليبيا: أنصار الشريعة في كل من ليبيا وتونس وحركة التوحيد والجهاد وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ثم الدولة الإسلامية “داعش”. - تونس: عناصر مسلحة تنتمي إلى كتيبة عقبة بن نافع وتنظيم القاعدة وداعش وأنصار الشريعة في منطقة القصرين وجبل الشعانبي. - الانتشار الإرهابي في ليبيا هو المعول عليه في إدارة المعركة ضد الجيش الجزائري، ولعدة أسباب تجمع بشري مقاتلين يتراوح حجمه ما بين 8 إلى 10 آلاف في ليبيا وحدها. التسليح: مصادر التسليح متوافرة ومتاحة في ليبيا ووجود عدة مستودعات في الصحراء بالقرب من الحدود الجزائريةومالي وتضم منظومات متطورة مضادة للجو والدروع وصواريخ “غراد” وراجمات. الدافعية الإيديولوجية: هذه الحركات لديها نزعة عدائية للجيش الجزائري تخترقها دافعية إيديولوجية لمقاتلة الجيش الجزائري، لأنه دحرها في حرب سابقة وأفشل مشروع إقامة أول نظام حكم إسلامي أصولي. ثالثا: قوى خارجية أي من خارج الإقليم، التهديد الذي يمكن أن يأتي من الخارج مصدره قوى دولية غربية تدعم تصدير الفوضى. ولدينا مثال على ذلك التدخل في ليبيا، والذي جاء بمردودات كارثية، عناصر التهديد من جانب هذه القوى تتوزع كالآتي: - تدخلات في الأزمة الجزائرية دون استبعاد أن يشمل هذا التدخل دعم جماعات داخل الجزائر لتستغل الأزمة لتنفيذ أجندات خاصة بها. - تدخلات مباشرة تحت ذريعة حماية مصالحها بالجزائر وفرنسا ستكون الطرف الأكثر حماسا للتدخل دون استبعاد تدخل أمريكي لكنه يظل محدودا. - تدخل مغربي بنفس سيناريو التدخل التركي في سورياوالعراق. - دور إسرائيلي خفي، ومن وراء الستار، لتقويض وحدة الجزائر وسلامتها، أي إعادة إنتاج التجربة الإسرائيلية في الحرب الإرهابية في سوريا بدعم الجماعات المسلحة في جنوب وغرب سوريا للسيطرة على مناطق وإعلانها مناطق عازلة، ثم الوقوف خلف جماعات كردية في منطقة عين العرب لتعلن انفصالها وتنضم إلى منطقة كردستان في العراق. [email protected] يتبع.. د. حلمي عبد الكريم الزعبي المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي