في سنة 1963 طلب بن بلة من الجزائريات التضحية بحليهن، فقبلن الطلب بحماس وكونت هكذا الدولة الجزائرية كنزا لا بأس به وقد ساعدها على الانطلاق بعدما أغلقت عليها كل الأبواب من طرف فرنسا ومن طرف الدول الغربية آنذاك، وكانت الجزائر تعيش آنذاك جوا ثوريا وحماسيا لم يسبق له مثيل، وهذا السلوك كان يعبّر عن استعداد الجزائريين للدخول في ثورة شاملة وكاملة تخرجهم من الفقر ومن الجهل بعد قرون من الاستعمار والاستيلاب والقمع. ولكن سرعان ما بدأ العراك السياسي والتطاحن بين التيارات المختلفة وعاد العنف من جديد وشاعت بوادر حرب أهلية فخرجت الجماهير بشعار (خمس سنين بركات)، ثم جاء انقلاب 19 جوان 1965 الذي قام به بومدين، فهدأت الأمور نسبيا جراء قمع رهيب راح ضحيته اليسار الجزائري، فالفترة الاشتراكية، فالانقلاب الثاني، فإدارة الشاذلي بن جديد الذي كلف (من طرف من) بكسر شوكة الاشتراكية ولعب لعبة الانتفاح التي أرجعت الجزائر إلى الخضوع للرأس المال العالمي والاقتصاد العالمي واللجوء إلى الهيمنة الأمريكية، فكانت بداية الرشوة على مستوى السلطة السياسية والكيان البيروقراطي، فأصبحت هذه الرشوة سلم قيم بأكمله إلى حد أن ساد الفساد الاقتصادي وجرت العدوى فأصبحت الرشوة عامة وشاملة، وهكذا فقد الشعب الجزائري كرامته وغرق في الاستهلاكية. وجاءت سنة 2014 بطبقيتها الواضحة وبروز أقلية شركة وفاسدة تتصرف بعنجهية رهيبة، وأغلبية مغلوبة تحاول الصمود وتفترش الرصيف لتنام في شوارع الجزائر وتحاول هي كذلك خطف الفتات الذي يتركه لها الأغنياء، وهكذا أصبح الجزائري (بصفة عامة) إنسانا ماديا وأنانيا وعنيفا وفاسدا قد تعلم الفساد من الطبقات العليا والسلطة السياسية العفنة ومن الدولة الجزائرية المتعفنة، فسرى سرطان الرشوة، إذن، بسرعة البرق، حتى استفاق البلد عند انهيار سعر النفط وقد قرره الغلاة الأجانب وهم أصحاب السلطان والجاه والبطش “فأصبح الملك عاريا”ǃ وهذا المسلسل الرديء هو من صنع الطبقات الثرية التي لا تنتج شيئا وتشتري كل شيء من الخارج، حتى الأشياء التافهة والمنتجات التي لا قيمة لها. وذلك لأن الشعب همّش ولم يعد يصنع مصيره ولا تاريخه، بل انقلب إلى وسيط وأداة تتحقق عبرها أهداف وغاية أساسها الصدفة، ولا ولم تحصل هذه السلسلة من تاريخ الجزائر (1962- 2014) ومن الأحداث على معنى ولا تمتلك علة وجودها إلا حين يتم دمجها في سيرورة من التعاقب الزمني المحصور بغاية ما، وهكذا تستند العقلانية إلى الغائية، فتختلط العقلانية التاريخية بالحدسية التاريخية التي تؤدي دائما إلى بروز التطير والشعوذة اللذين يمحيان الدين الحقيقي والفلسفة الراقية من جهة، والتي تؤدي كذلك من جهة أخرى إلى الاستهلاكية المادية الشعواء. وهذا ما لم نهتم بهǃ عند حوصلة تاريخ الجزائر من بداياته وتاريخ الثورة التحريرية، لأننا اعتمدنا على إرادة بعض الأشخاص الهمجيين وجعلنا منهم أكثر من أبطال وشبه أنبياء، فانتشرت الفوضى وأصبح أعداء الجزائر يشتموننا في الخارج باسم الديمقراطية، لأغراض انتهازية ومادية محضة، ويلوثون ثورتنا ويسخرون بهويتنا، وهكذا يفتعلون زوابع برمتها في كأس ماء، ويستفعلون “عيطة وشهود على ذبيحة ڤنفوذ”. (يتبع)