تعويل رئاسي على الإنتاج الجزائري    نواب الشعب اليوم في جلسة عامة يتناولون بنود القانونين    "نسعى إلى تعزيز علاقات التعاون والشراكة بين البلدين"    كنان الجزائر" توسع خطها البحري ليشمل ميناء كوبير بسلوفينيا    ضرورة الحفاظ على إرث وتراث الدولة السورية الغني    الشعب الفلسطيني ما زال يقف على عتبة الأمم المتحدة منتظرا نيل حريته    أجواءً ممطرة وبارة على كل المناطق الشمالية للوطن    سيفي يشرف على توزيع جائزة رئيس الجمهورية للغة العربية    الرئيس تبون مصرّ على تمكين الطلبة من تكوين عال    الجزائر تدعو إلى إصلاح المنظومة الأممية لمكافحة الإرهاب    بناء خزّان روحي وطني لصد محاولات المساس بالمقدّسات    ورقة طريق لإصلاح المنظومة المالية للجماعات المحلية    2,4 مليون متعامل مقيد في السجل التجاري إلى غاية ديسمبر    الملك تشارلز يستقبل جزائريا أنقذ ركّاب قطار خلال هجوم ببريطانيا    عبدلي يعوّض عوّار    الكان على التلفزيون الجزائري    بوابة رقمية جديدة    عطّاف يلتقي عبد العاطي    50 % من المتعاملين في إنتاج السلع والخدمات هم في 10 ولايات    نداء استغاثة عاجل لإدخال البيوت المتنقلة إلى غزّة    عاصمة "الصخرة السوداء".. فضاء المستقبل    خنشلة : عملية تحسيسية تزامنا و التقلبات الجوية    فتح القباضات اليوم السبت لدفع التصريح الشهري"ج 50′′    انطلاق المرحلة الثانية للأيام الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال    تأخر كبير في التهيئة    مشاريع ابتكارية تعزّز ريادة الأعمال والاقتصاد الأخضر    "الشلفاوة" يحققون الأهم أمام "الحمراوة"    68 مداهمة شرطية لأوكار الجريمة    الأمطار الغزيرة تتسبب في حوادث مختلفة    أشبال عمروش من أجل التنافس على الريادة    صدور النصوص التطبيقية المتعلقة بدعم الصناعة السينمائية    لقاءات تشاركية مع مهنيي السينما    المكتبة الرئيسية تحتفي باليوم العالمي للغة العربية    قمة بملعب "نيلسون مانديلا" وتنقل صعب لترجي مستغانم    الاستلاب الحضاري المتواصل..!؟    المدينة الجديدة بالمنيعة.. مشروع عمراني ذكي برؤية تنموية متكاملة وآفاق استثمارية واعدة    بومرداس: مخطط تنموي متكامل لعصرنة المدينة وتحسين الإطار المعيشي    المجلس الشعبي الوطني يناقش غدًا مقترحي قانون تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية    نحو تعزيز إنتاج الأفلام وترقية الابتكار الشبابي.. وزيرة الثقافة والفنون تعقد لقاءات تشاركية مع صنّاع السينما    الأسرة السينمائية أمام إطار قانوني متكامل واضح المعالم : صدور النصوص التطبيقية المتعلقة بدعم الصناعة السينمائية    الجزائر وتنزانيا تعززان التعاون الاقتصادي في مجالات الصناعة والنقل والسياحة والطاقة    كيف تعمل مراكز النصب السيبراني الآسيوية؟    الوزير الأول يشرف على مراسم توزيع جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة العربية في طبعتها الأولى    الجزائر تترقب مواجهة الثأر أمام النمسا    تلاعب بأوامر الروبوتات يحوّلها لسلاح قاتل!    شبيبة القبائل توقع عقد شراكة مع مستثمر جديد    كرة القدم / الرابطة الثانية /الجولة ال13 : مواجهات حاسمة على مستوى الصدارة وتنافس كبير في ذيل الترتيب    فتاوى : الواجب في تعلم القرآن وتعليم تجويده    إنه العلي ..عالم الغيب والشهادة    محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإسلام    الاحتلال ارتكب 813 خرقا لسريان اتفاق وقف النار : قصف إسرائيلي متفرق وتوغل محدود شرق دير البلح    اليوم العالمي لمناهضة الاحتلال:دعوة بباريس لتمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير    تمكين الطلبة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    الاستغفار.. كنز من السماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كم الدانتيل بين مالك بن نبي ونزار قباني قراءة في فلسفة الجمال
نشر في الخبر يوم 29 - 01 - 2015

في الاجتهاد وحده تكمن عبقرية التغيير، ذلك هو ما فعله مالك بن نبي دون غيره، عندما لفت انتباهنا إلى ضرورة أن تجلي المعاني التي تحملها دواخلنا في واقعنا، وفي مظاهرنا، حيث لا يمكن أن يحدث ذلك بغير التأسيس لثقافة تجتهد في رصد العلاقة بين المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي
“القميص لا يصنع القسيس” مقولة فرنسية، بدت لي مع الوهلة الأولى وعبر قراءة مباشرة أمرا بديهيا، فجوهر الإنسان ومكنوناته ومنظومة القيم التي يؤمن بها، وكما تتجلى في سلوكياته ومواقفه، هي التي تصنعه، وليس مظهره، ولكن ومع لحظة تأمل واستغراق، بدت المقولة أكثر جدلية، فالقميص قد يصنع القسيس، حيث إن المظهر الذي يظهر به الإنسان يعكس في أحيان كثيرة دواخله وذوقه وفلسفته في الحياة، والدور الذي يريد أن يلعبه في المجتمع، ولعل مالك بن نبي هو المفكر العربي الوحيد، الذي تناول هذا الموضوع في كتابه الشهير “شروط النهضة” تحت عنوان (مشكلة الزي في العالم الإسلامي)، وقد اكتسبت مزيدا من الأهمية عندما ربطها بعبقرية بموضوع المرأة، لاسيما عند قوله (فالزي الذي تختاره المرأة لنفسها، دليل واضح على الدور، الذي تريد تمثيله في المجتمع، فقد كانت المرأة الأوروبية إلى عهد قريب تلبس اللباس اللطيف من (الدانتيلا)، تستر به مع أنوثتها سرها المكتوم حتى أخمص قدميها،... فكانت بردائها هذا مثالا للرقة والأدب في المجتمع...ثم صارت تلبس اللباس الفتان المثير الذي لا يكشف عن معنى الأنوثة، بل عن عورة الأنثى، فهو يؤكد المعنى الجسدي الذي يتمسك به مجتمع ساده الغرام باللذة العاجلة!
يبدو اختيار مالك لهذه المادة الأنثوية الجميلة، دال على أهمية الخصوصية الأنثوية، ولكن بأي مفهوم؟ يتبين ذلك عندما يغوص مالك في الأعماق عند وصفه لبعض الأزياء المعاصرة التي ترتديها المرأة، والتي هي نتاج عمل مؤسساتي وإعلامي مركنتيلي وربحي شره، حين يقول عن ذلك اللباس إنه: لا يكشف عن معنى الأنوثة، بل عن عورة الأنثى!
فالمطلوب إذن عند مالك هو الكشف عن معنى الأنوثة، ليبقى الاختلاف بين الجنسين قائما بحكم الطبيعة ومبدأ الزوجية الذي يحقق التوازن والتناغم في الكون، ولكن بأي مفهوم للأنوثة، إنه المعنى الذي تتجلى فيه الأنوثة كقيمة عليا، إنه المشهد الذي تتماهى فيه الأنوثة مع معاني الشفافية والجمال والشاعرية والرحمة والحياء والأخلاق، إنه نزوع شفاف من مالك بن نبي نحو الارتقاء بمفهوم الأنوثة فوق الماديات المبتذلة، ارتقاء يقوم على فلسفة جديدة واعتبارات مختلفة للأنوثة تحمل سمات دلالية غير تقليدية.
ثم تستمر عبقريات مالك في الانبثاق عندما يقول “تخفي معه سرّها المكتوم”، وكأنه يقصد بذلك المعنى الذي يقاوم الظهور ويفضل التجلي والترحال بين ما هو ظاهر وباطن، وذلك التداخل بين الكتمان والبوح، والصمت والإيحاء، في لباس المرأة في الفضاء العام، ذلك هو الجمال، تعبير عن الجمال الهادئ الناتج عن ذلك التفاعل، بين جمال الأنوثة مع جمال الطبيعة. بقدر سعادتي بهذه المعاني التي تبتعد عن كل ما هي مثقلة به مكتباتنا المعاصرة في تعبيرها عن لباس المرأة، وعن كل ما يعج به الواقع من فوضى الأذواق والألوان. والمظاهر.
ويكمل مالك المعنى عندما يقول في موضع آخر من نفس المقال: ذلك الدور الذي تؤدي فيه المرأة واجبها ملهمة لذوق الجمال وروح الأخلاق، إنه يقصد تلك الثلاثية التي يمثل الجمال أحد عناصرها (الخير والحق والجمال)، والتي لم يختلف حولها الفلاسفة منذ ارسطو وأفلاطون، وهنا أدركت بأن مظهر المرأة، يعكس توافقا للظاهر مع الباطن وتلازما للذوق مع الأخلاق.
وللقارئ أن يقارن بين هذه المعاني، وما جاء في الإحياء وموقف الإمام أبو حامد الغزالي الذي يطالب المرأة ألا تخرج إلى الفضاء العام إلا وهي “متخفية في هيئة رثة”. وفي نفس السياق وحول معاني الأنوثة والدانتيل تحديدا، تذكرت قصيدة للشاعر الكبير نزار قباني، عنوانها كم الدانتيل، يقول في مطلعها : “يا كمها الثرثار.. يامشتل، رفه عن الدنيا ولا تبخل، ونقط الثلج على جرحنا، يا رائع التطريز.. يا أهدل..، يا كمها أنا الحريق، الذي أصبح في هنيهة جدول، قطعة دانتيل أنا مركبي، ومن نحن إذا لم نطلب الأجمل، يا روعة الروعة، يا كمها يا مخملا صلى على مخمل”.
إنها قصيدة جميلة، تدغدغ أنوثة المرأة، وتستدعي قراءة حسية لطيفة للجمال، لكنها تعجز عن الغوص نحو ما هو أبعد، حيث يقف نزار في هذه القصيدة عند حدود الوصف الحسي لا يتجاوزه، واضحا أن نزار مدرك تماما لتلك الأبعاد المتعددة لمفهوم الأنوثة، ولكنه يعجز عن تفكيكها كإشكالية بشكل منهجي، بحيث تكون المعالجة في تفنيد الفرضيات المتفرعة عنها ومنها يكون الانطلاق باتجاه بناء مفاهيم جديدة، تسهم في انبثاق خطاب وثقافة جديدين، من شأنهما خلق واقع جديد، وربما لهذا السبب مهما أمتعنا الشعر بتشخيصه وتعبيره عن الواقع، فإنه يبقى شعرا يروح عنا ويمضي في سبيله، بينما في الاجتهاد وحده تكمن عبقرية التغيير، ذلك هو ما فعله مالك بن نبي دون غيره، عندما لفت انتباهنا إلى ضرورة أن تجلي المعاني التي تحملها دواخلنا في واقعنا، وفي مظاهرنا، حيث لا يمكن أن يحدث ذلك بغير التأسيس لثقافة تجتهد في رصد العلاقة بين المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي ومن ثم تجسيدها على أرض الواقع من خلال العمل على تصميم أزياء تتجلى فيها هذه العلاقة التي تؤكد بأن القميص لا يصنع القسيس يقينا، ولكن مظاهرنا الخارجية وما نختاره لأنفسنا من أزياء يكشف بالضرورة عن دواخلنا التي هي جزء من ثقافتنا، وصدق مالك بن نبي عندما قال، إن ثقافتنا لا تعرف مثلها العليا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.