سايحي يستقبل فيراسامي    الضفّة تشتعل بنيران بني صهيون    بداية متعثّرة للخضر في كأس العرب    هذه مكافأة الفائز بكأس العرب..    الفيفا يؤجل تسريح اللاعبين لمنتخبات إفريقيا    1515 مكالمة    دربال يشرف على إطلاق مشاريع مائية كبرى بورقلة    هذه مخاطر منح الهواتف الذكية للأطفال في سن مبكرة    برايك يثمّن قرار الرئيس    الجزائر بيلاروسيا.. شراكة واعدة    عشرات آلاف المرضى بحاجة للإجلاء الطبي العاجل    التتويج بالجائزة الرابعة لحقوق الإنسان في أستورياس    استراتيجية وطنية لتطوير التجارة الإلكترونية    10 اتفاقات ترفع مستوى التعاون الجزائري البيلاروسي    بن رحمة ينفي تمرّده على المنتخب المحلي وكأس العرب    تقييم المخلفات وفحص المياه وبنك للصحة العمومية أولوية    رسو أول باخرة ضمن الخط التجاري الجديد سكيكدة فالنسيا    مدرب ليفركوزن يحدّد وصفة نجاح إبراهيم مازة    الإطاحة بسارق أغراض الطالبات والشيوخ    المرأة في قلب "شتاء بلا حوادث"بمعسكر    تحضيرات مسبقة لاستقبال شهر رمضان بتيارت    مهرجان البحر الأحمر يُكرم رشيد بوشارب    "المفتاح" لشريف عياد في دورة القاهرة    غوصٌ في التجربة الإنسانية للكاتبة مريم أكرون    غيتان يحلم بالمشاركة في كأس العالم ويؤكد تعلّقه بالجزائر    استجابة كبيرة لحملة تلقيح الأطفال ضد الشلل بقسنطينة    إعلان الجزائر يدعو إلى تأسيس يوم إفريقي    المجموعات البرلمانية تبرز تدابير دعم الاستثمار    انشقاقات واسعة في صفوف الماك    تنظيم مسابقة الدكتوراه على مستوى 5 جامعات    هذه خطّة الاحتلال للقضاء على المُقاوِمين في رفح    هذا نصيب الجزائر من زيادة النفط    مبدأ الحلول الإفريقية خيار استراتيجي    الرئيس تبون يخصّص 2000 دفتر حجّ إضافي للمسنّين    المجمع الجزائري للغة العربية وجامعة تيبازة : إبرام اتفاقية تعاون علمي أكاديمي    تحذيرات أممية من تدهور الأوضاع إلى مستوى كارثي    أقلام واعدة : تظاهرة ثقافية أدبية موجهة للأطفال والشباب    جلسة حوارية : الفن الإفريقي المعاصر بين الاعتراف الدولي والتحديات المحلية    عرقاب بحث مع الفود البرازيلي توسيع الشراكة الطاقوية : "ويغ" ترغب في تطوير استثمارات طويلة المدى بالجزائر    12 منظمة حقوقية إسرائيلية:2025 العام الأكثر فتكا بفلسطين منذ 1967    مستغل من طرف دوائر معادية لضرب الجزائر : انشقاقات واسعة في تنظيم "ماك" الإرهابي    رفع الحد الأدنى المضمون للأجور ومنحة البطالة: أحزاب تثمن قرارات رئيس الجمهورية    سكيكدة..حملة للقضاء على الاستغلال غير الشرعي للأرصفة    مستغانم.. 250 مليون دج لدعم مبادرات الشباب    قطاع مراكز الاتصال في الجزائر نحو إقلاع اقتصادي جديد: خطة لخلق 300 ألف منصب شغل بحلول 2029    من الجزائر... دعوة لتحويل جرائم الاستعمار إلى مشروع سياسي إفريقي يعيد صياغة موازين القوى    رئيس الجمهورية يخصص 2000 دفتر حج إضافي لمن تجاوزوا 70 سنة ولم يسعفهم الحظ في القرعة    24 ألف دينار و18 ألف دينار    أكاديميون يشيدون بمآثر الأمير عبد القادر    انطلاق حملة التلقيح ضد شلل الأطفال    الرئيس تبون يعزي عائلة العلامة طاهر عثمان باوتشي    الخطوط الجوية الجزائرية تصبح الناقل الرسمي للمنتخب الوطني في جميع الاستحقاقات الكروية    قسنطينة تهيمن على نتائج مسابقة "الريشة البرية" الوطنية لاختيار أحسن طائر حسون    فتاوى    ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟    فضائل قول سبحان الله والحمد لله    هذه أضعف صور الإيمان..    يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كم الدانتيل بين مالك بن نبي ونزار قباني قراءة في فلسفة الجمال
نشر في الخبر يوم 29 - 01 - 2015

في الاجتهاد وحده تكمن عبقرية التغيير، ذلك هو ما فعله مالك بن نبي دون غيره، عندما لفت انتباهنا إلى ضرورة أن تجلي المعاني التي تحملها دواخلنا في واقعنا، وفي مظاهرنا، حيث لا يمكن أن يحدث ذلك بغير التأسيس لثقافة تجتهد في رصد العلاقة بين المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي
“القميص لا يصنع القسيس” مقولة فرنسية، بدت لي مع الوهلة الأولى وعبر قراءة مباشرة أمرا بديهيا، فجوهر الإنسان ومكنوناته ومنظومة القيم التي يؤمن بها، وكما تتجلى في سلوكياته ومواقفه، هي التي تصنعه، وليس مظهره، ولكن ومع لحظة تأمل واستغراق، بدت المقولة أكثر جدلية، فالقميص قد يصنع القسيس، حيث إن المظهر الذي يظهر به الإنسان يعكس في أحيان كثيرة دواخله وذوقه وفلسفته في الحياة، والدور الذي يريد أن يلعبه في المجتمع، ولعل مالك بن نبي هو المفكر العربي الوحيد، الذي تناول هذا الموضوع في كتابه الشهير “شروط النهضة” تحت عنوان (مشكلة الزي في العالم الإسلامي)، وقد اكتسبت مزيدا من الأهمية عندما ربطها بعبقرية بموضوع المرأة، لاسيما عند قوله (فالزي الذي تختاره المرأة لنفسها، دليل واضح على الدور، الذي تريد تمثيله في المجتمع، فقد كانت المرأة الأوروبية إلى عهد قريب تلبس اللباس اللطيف من (الدانتيلا)، تستر به مع أنوثتها سرها المكتوم حتى أخمص قدميها،... فكانت بردائها هذا مثالا للرقة والأدب في المجتمع...ثم صارت تلبس اللباس الفتان المثير الذي لا يكشف عن معنى الأنوثة، بل عن عورة الأنثى، فهو يؤكد المعنى الجسدي الذي يتمسك به مجتمع ساده الغرام باللذة العاجلة!
يبدو اختيار مالك لهذه المادة الأنثوية الجميلة، دال على أهمية الخصوصية الأنثوية، ولكن بأي مفهوم؟ يتبين ذلك عندما يغوص مالك في الأعماق عند وصفه لبعض الأزياء المعاصرة التي ترتديها المرأة، والتي هي نتاج عمل مؤسساتي وإعلامي مركنتيلي وربحي شره، حين يقول عن ذلك اللباس إنه: لا يكشف عن معنى الأنوثة، بل عن عورة الأنثى!
فالمطلوب إذن عند مالك هو الكشف عن معنى الأنوثة، ليبقى الاختلاف بين الجنسين قائما بحكم الطبيعة ومبدأ الزوجية الذي يحقق التوازن والتناغم في الكون، ولكن بأي مفهوم للأنوثة، إنه المعنى الذي تتجلى فيه الأنوثة كقيمة عليا، إنه المشهد الذي تتماهى فيه الأنوثة مع معاني الشفافية والجمال والشاعرية والرحمة والحياء والأخلاق، إنه نزوع شفاف من مالك بن نبي نحو الارتقاء بمفهوم الأنوثة فوق الماديات المبتذلة، ارتقاء يقوم على فلسفة جديدة واعتبارات مختلفة للأنوثة تحمل سمات دلالية غير تقليدية.
ثم تستمر عبقريات مالك في الانبثاق عندما يقول “تخفي معه سرّها المكتوم”، وكأنه يقصد بذلك المعنى الذي يقاوم الظهور ويفضل التجلي والترحال بين ما هو ظاهر وباطن، وذلك التداخل بين الكتمان والبوح، والصمت والإيحاء، في لباس المرأة في الفضاء العام، ذلك هو الجمال، تعبير عن الجمال الهادئ الناتج عن ذلك التفاعل، بين جمال الأنوثة مع جمال الطبيعة. بقدر سعادتي بهذه المعاني التي تبتعد عن كل ما هي مثقلة به مكتباتنا المعاصرة في تعبيرها عن لباس المرأة، وعن كل ما يعج به الواقع من فوضى الأذواق والألوان. والمظاهر.
ويكمل مالك المعنى عندما يقول في موضع آخر من نفس المقال: ذلك الدور الذي تؤدي فيه المرأة واجبها ملهمة لذوق الجمال وروح الأخلاق، إنه يقصد تلك الثلاثية التي يمثل الجمال أحد عناصرها (الخير والحق والجمال)، والتي لم يختلف حولها الفلاسفة منذ ارسطو وأفلاطون، وهنا أدركت بأن مظهر المرأة، يعكس توافقا للظاهر مع الباطن وتلازما للذوق مع الأخلاق.
وللقارئ أن يقارن بين هذه المعاني، وما جاء في الإحياء وموقف الإمام أبو حامد الغزالي الذي يطالب المرأة ألا تخرج إلى الفضاء العام إلا وهي “متخفية في هيئة رثة”. وفي نفس السياق وحول معاني الأنوثة والدانتيل تحديدا، تذكرت قصيدة للشاعر الكبير نزار قباني، عنوانها كم الدانتيل، يقول في مطلعها : “يا كمها الثرثار.. يامشتل، رفه عن الدنيا ولا تبخل، ونقط الثلج على جرحنا، يا رائع التطريز.. يا أهدل..، يا كمها أنا الحريق، الذي أصبح في هنيهة جدول، قطعة دانتيل أنا مركبي، ومن نحن إذا لم نطلب الأجمل، يا روعة الروعة، يا كمها يا مخملا صلى على مخمل”.
إنها قصيدة جميلة، تدغدغ أنوثة المرأة، وتستدعي قراءة حسية لطيفة للجمال، لكنها تعجز عن الغوص نحو ما هو أبعد، حيث يقف نزار في هذه القصيدة عند حدود الوصف الحسي لا يتجاوزه، واضحا أن نزار مدرك تماما لتلك الأبعاد المتعددة لمفهوم الأنوثة، ولكنه يعجز عن تفكيكها كإشكالية بشكل منهجي، بحيث تكون المعالجة في تفنيد الفرضيات المتفرعة عنها ومنها يكون الانطلاق باتجاه بناء مفاهيم جديدة، تسهم في انبثاق خطاب وثقافة جديدين، من شأنهما خلق واقع جديد، وربما لهذا السبب مهما أمتعنا الشعر بتشخيصه وتعبيره عن الواقع، فإنه يبقى شعرا يروح عنا ويمضي في سبيله، بينما في الاجتهاد وحده تكمن عبقرية التغيير، ذلك هو ما فعله مالك بن نبي دون غيره، عندما لفت انتباهنا إلى ضرورة أن تجلي المعاني التي تحملها دواخلنا في واقعنا، وفي مظاهرنا، حيث لا يمكن أن يحدث ذلك بغير التأسيس لثقافة تجتهد في رصد العلاقة بين المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي ومن ثم تجسيدها على أرض الواقع من خلال العمل على تصميم أزياء تتجلى فيها هذه العلاقة التي تؤكد بأن القميص لا يصنع القسيس يقينا، ولكن مظاهرنا الخارجية وما نختاره لأنفسنا من أزياء يكشف بالضرورة عن دواخلنا التي هي جزء من ثقافتنا، وصدق مالك بن نبي عندما قال، إن ثقافتنا لا تعرف مثلها العليا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.