جاء في الحديث الشّريف، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “الخلق عيال الله، أحبّكم إلى الله أنفعكم لعياله”. يأمر الله الأمّة الإسلامية بهذا رجاء أن تفلح. فهذه من أسباب الفلاح. فالعبادة تصلها بالله فتقوم حياتها على قاعدة ثابتة وطريق واصل. وفعل الخير يؤدّي إلى استقامة الحياة الجماعية على قاعدة من الإيمان وأصالة الاتجاه. فإذا استعدّت الأمّة المسلمة بهذه العدّة من الصّلة بالله واستقامة الحياة، فاستقام ضميرها واستقامت حياتها نهضت بالتّبعة الشّاقة: “وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ”، والجهاد في سبيل الله يشمل جهاد الأعداء وجهاد النّفس وجهاد الشرّ والفساد... كلّها سواء. فقد انتدبكم لهذه الأمانة الضّخمة واختاركم لها من بين عباده “هُوَ اجْتَبَاكُمْ”، وإنّ هذا الاختيار ليضخم التّبعة ولا يجعل هنالك مجالًا للتّخلي عنها أو الفرار وإنّه لإكرام من الله لهذه الأمّة ينبغي أن يقابل منها بالشُّكر وحسن الأداء. وهو تكليف مشرّف للأمّة، تكليف محفوف برحمة الله: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ”، وهذا الدّين كلّه بتكاليفه وعباداته وشرائعه ملحوظ فيه فطرة الإنسان وطاقته، ملحوظ فيه تلبيته تلك الفطرة، وإطلاق هذه الطّاقة والاتجاه بها إلى البناء والاستعلاء. فلا تبقى حبيسة كالبخار المكتوم، ولا تنطلق انطلاق الحيوان الغشيم!!! وهو منهج عريق أصيل في ماضي البشرية، موصول الماضي بالحاضر: “مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ”، وهو منبع التّوحيد الّذي اتّصلت حلقاته منذ عهد إبراهيم عليه السّلام، فلم تنقطع من الأرض، ولم تفصل بينها فجوات مضيعة لمعالم العقيدة كالفجوات الّتي كانت بين الرّسالات قبل إبراهيم عليه السّلام.