اليوم بمدينة سطيف، كاتب الدولة الفرنسي لدى وزير الدفاع المكلف بقدماء المحاربين والذاكرة جون مارك توديسشيني في زيارة رسمية وباستقبال من طرف السلطات الولائية بسطيف، وهي الزيارة التي تعتبر تاريخية بكل المقاييس قبل أيام فقط من ذكرى مجازر 8 ماي 45، وكاعتراف رسمي بارتكاب هذه المجازر، يزور الوزير الفرنسي النصب التذكاري لسعال بوزيد الذي يعتبر أول شهيد سقط في مجازر 8 ماي 45، حيث يضع إكليلا من الزهور قبل أن يتوجه إلى المتحف الوطني، ومن تم زيارة السور البيزنطي بوسط المدينة. ورغم أن الزيارة تكتسي أهمية بالغة بحكم أنها اعتراف صريح بجرائم فرنسا، إلا أن الكثير من الملفات تبقى عالقة مثل ملف وضعية المحاربين القدامى في الجزائر، حيث تتوقع أوساط تاريخية أن تتجه فرنسا إلى تسوية الكثير من ملفات هؤلاء، على غرار ما فعله الوزير السابق المكلف بملف قدماء المحاربين قادر عريف أثناء زيارته سنة 2013 إلى المغرب، أين أعلن عن تسوية 8 آلاف ملف عالقة وتسريح معاشاتهم. استعملتهم في حروب الأمس وأدارت لهم ظهرها اليوم عميد المحاربين.. نقل إلى فرنسا لإبعاده عن المنظمات السرية هولاند راسل عائلة مسعود نزار معتذرا عن فتح الملف أثارت كتابات المؤرخ الفرنسي بيار دوم حول مخلفات الإستعمار الفرنسي بعد الاستقلال ومن بينها ملف الحركى، الكثير من التصريحات المضادة من طرف مجاهدين مسؤولين عاصروا الثورة التحريرية مثل رضا مالك، فيما طالب المؤرخون الجزائريون بكشف أرقام وحقائق تتعلق بنهاية الحقبة الاستعمارية، غير أن اللافت للانتباه هو أن فرنسا تنام هي الأخرى على ملفات خطيرة همّشت من خلالها الآلاف من المحاربين القدامى الذين حاربوا إلى جانبها أيام الغزو الألماني، ومنهم جزائريون بالآلاف تقدّموا الصفوف الأولى، لكن وبمجرد انتهاء الحرب العالمية، لم تلتفت السلطات الاستعمارية إلى هؤلاء وقامت بتكريم البعض منهم المقيمين في فرنسا، فيما تناست عائلات الضحايا الذين ماتوا والمقيمين في مستعمراتها السابقة مثل الجزائر، وهو ما أكدته رسالة واضحة من الرئيس الحالي فرانسوا هولاند مؤرخة في 16 أكتوبر 2014 عن طريق المستشارة بالرئاسة الفرنسية إيزابيل سيما، وموجهة إلى عائلة عميد المحاربين القدامى المقيمة بمدينة سطيف، أين يعتذر عن فتح هذا الملف طالبا توجيه ملفهم إلى المصالح القضائية. اعتراف عالمي بدور المحاربين القدامى في تحرير أوروبا أثارت عمليات المشاركة الرسمية للجزائر في الاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي المصادف ل14 جويلية الماضي، الكثير من الانتقادات من طرف الأسرة الثورية وبعض الفعاليات الثقافية، في حين اعتبرت السلطات الرسمية وعلى رأسها وزارة الخارجية، هذه المشاركة رفقة 80 دولة أخرى شاركت في محاربة الألمان، خطوة كبيرة تهدف إلى التنويه والإشادة بأجدادنا البواسل وتسليط الضوء على تضحياتهم بالنفس في سبيل حرية الآخرين وحريتهم”، فيما تلت هذه السابقة خطوة أخرى من طرف الدبلوماسية الجزائرية لمشاركة بلجيكا في احتفالاتها بمناسبة معركة إيزر في بداية الحرب العالمية الأولى، حيث مثل رئيس الجمهورية عبد المالك سلال، في وقت أشاد فيه الملك البلجيكي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بدور المحاربين والمناضلين الجزائريين الذين كانوا حينها تحت وطأة الاحتلال الفرنسي في هذه المعارك إلى جانب جنود بلجيكيين وبريطانيين وفرنسيين والعديد من الجنود الآخرين الذين قدموا من عدة دول أخرى. “الخبر” فتحت ملف المحاربين القدامى ودورهم في تحرير فرنسا والعديد من حلفائها أثناء الحرب العالمية الأولى، زيادة على مساهمتهم الفعالة في النهوض بالاقتصاد الفرنسي وتزويد مصانعها باليد العاملة المطلوبة للنهوض مجددا بعد الحرب، وكشفت الكثير من الحقائق التي منعت هؤلاء المحاربين من الالتحاق بالحركة الوطنية فيما بعد. 172 ألف جزائري في جبهة القتال ضد ألمانيا بدأ التجنيد في الجزائر في فيفري 1912 وكانت الكتل الشعبية مناهضة لهذا التجنيد، حيث أثار قرار وجوب الالتحاق بالجيش الفرنسي حركة هجرة كبيرة باتجاه بلدان الشرق الأوسط خاصة سوريا، غير أن الحقائق التاريخية تدل على أن العديد من النخب آنذاك رحبوا بالفكرة بعد أن أغرتهم السلطات الفرنسية التي وعدت بكل الحقوق السياسية لمسلمي الجزائر مقابل ما يعرف آنذاك ب “ضريبة الدم”. منذ 1914 إلى 1918 جنّد الجيش الفرنسي في صفوفه 500 85 شاب جزائري بشكل رسمي و519 86 متطوع أي بمجموع 172 ألف جندي، حيث كانت الخسائر ثقيلة جدا في صفوف الجزائريين بسقوط 711 25 قتيل بما يعادل 14 بالمائة من مجموع القتلى في الجيش الفرنسي، زيادة على 30 ألف جريح من بينهم 8779 معطوب بنسبة 100 بالمائة. ولم يستفد مئات الآلاف من الجنود والعمال الجزائريين الذين جنّدوا بالقوة، سواء في الجبهة أو في المصنع إلا من حوافز قليلة لا تكاد تذكر، ورغم هذه المشاركة الهامة في جهد الحرب إلى جانب فرنسا، إلا أن الفقر والتشرّد كان صفة ملازمة لهؤلاء، غير أن المؤرخين الفرنسيين أكدوا أن وجود هذه الأعداد الكبيرة من المحاربين القدامى في فرنسا سمح بوجود عدد كبير من الجزائريين في فرنسا باقتحام الحياة السياسية، حيث انطلق تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية بمختلف ميولاته مع نهاية الحرب العالمية الأولى مشجعة بالثورة الروسية، حيث تم استحداث أول حركة وطنية مهيكلة سنة 1926 بفرنسا تمثلت في نجم شمال إفريقيا الذي ناضل منذ البداية لصالح الاستقلال الوطني. خاصة بعدما تحولت وعود منح حقوق المواطنين للجزائريين مقابل “ضريبة الدم” إلى إصلاحات سطحية لا معنى لها مقابل ما التزمت به فرنسا من وعود قبل الحرب وأثناء عمليات التجنيد الإجباري. عائلة عميد المحاربين الجزائريين مسعود نزار تكشف ل“الخبر” “تعرضنا لضغوط لتوريط الجزائر” أخرج الفيلم الفرونكو جزائري “الخارجون عن القانون” للمخرج رشيد بوشارب الكثير من القضايا العالقة لحد الآن بين الجزائروفرنسا، ورغم أن الفيلم لم ينل أي جائزة في مهرجان “كان” للسينما العالمية، وفضّل القائمون على المهرجان منحها للمخرج الفرنسي غزافييه بوفوا وفيلمه “رجال وآلهة” الذي عاد لحادثة مقتل رهبان تيبحيرين، إلا أن تناول فيلم “الخارجون عن القانون” لقضية المحاربين القدامى وفضلهم في دحر النازية عن فرنسا، جعل “الخبر” تتوغل في القضية وتمكنت من الوصول إلى عائلة عميد المحاربين القدامى في فرنسا مسعود نزار المقيمة بمدينة سطيف، والذي تم منحه لقب فارس فرنسا وحامل لواء الفرقة رقم 3 في الجيش الفرنسي إبان الحرب العالمية الأولى، زيادة على الكثير من الأوسمة التي جعلته مقربا من قصر الإيليزي وخاصة في زمن الرئيس جاك شيراك، ووصل الأمر إلى غاية تخصيص ساحة كبرى باسمه الخاص في مدينة “إيفينيون” حيث يقيم هو وعائلته من أصول فرنسية، زيادة على تخليد ذكراه في كل سنة من طرف عمدة بلدية “إفينيون” ووزير المحاربين القدامى بعد وفاته سنة 2002. ولدى محاولة التقرب من ولده الوحيد عبد القادر نزار من الزوجة الأولى لمسعود نزار، السيدة قاسمية عائشة، وجدنا الجرح عميقا للغاية، فالعائلة نسيت تماما من طرف السلطات الفرنسية، وأكد لنا عبد القادر أن الأمر مدبّر بالفعل، فوالده الذي يملك تسعة من الأوسمة الرفيعة في فرنسا بحكم أنه أصيب لثلاث مرات برصاص الألمان وأسر لسنة كاملة قبل انتهاء الحرب سنة 1945، لم ترد له فرنسا أن يكون مع زملائه في المنظمات السرية آنذاك، وفضّلت نقله إلى فرنسا لتبين للعالم آنذاك بأن الجزائريين مع فرنسا، خاصة وأنه صنّف في ذلك الوقت على أنه أحسن عنصر في فرقة الرماة الفرنسية، وتم منحه كل ما يريد من أراض وأملاك وأموال دون تذكّر عائلته في الجزائر مدة 40 سنة كاملة، بالمقابل استفادت منها عائلته في فرنسا وأبناؤه من زوجته الثانية الفرنسية الجنسية. وتنقّل قبل سنوات حفيد مسعود نزار من ابنه في الجزائر، لياس نزار، إلى فرنسا وتمكّن من الدخول إلى وزارة الدفاع الفرنسية التي أنكرت وجود جده واعتبرته منسيا، لكن إصراره مكّنه من البحث مع باقي المحاربين القدامى الذين دلّوه على مكان إقامة عائلة جده بمدينة “إيفنيون” ولدى وصوله تفاجأ لطريقة الاستقبال، فأعمامه من زوجة جده الفرنسية أنكروه ورفضوا الاعتراف بابن شقيقهم من الزوجة الجزائرية الأولى، رغم أن عماته ميسورات الحال، ويمتلكن دورا للعجزة بمواصفات عالية وبمساحات كبيرة. وفي تصريح ل”الخبر” قال الياس نزار “تعرضت إلى محاولة للقتل في أحد الأيام على يد عمي المدعو ران نزار، بعد أن وضع لي مادة سامة في القهوة وكدت أن أموت لولا العناية الإلهية، حيث أمضيت ليلتين في المستشفى، ومن تمّ قررت بإيعاز من الوالدين في مدينة سطيف العودة إلى أرض الوطن لتجنّب أي حادث آخر، وقال في حديثه ل“الخبر”: “الملف الطبي لا يزال معي ويؤكد وجود هذه المادة في دمي آنذاك”. أما قضية اختفاء اثنين من أعمامه بصحراء الجزائر بداية التسعينيات وبالضبط في مدينة رڤان التي قصداها للسياحة، فقد صارت قضية مساومات بالدرجة الأولى، حيث أكدت عماته الفرنسيات أنهما اختطفا من طرف الأمن الجزائري، ولم يتمكنا من العثور عليهما منذ سنة 1990، بدليل وجود سيارتهما بالقرب من أحد الواحات دون العثور على أي أثر لهما، وهو ما رفضه ابن عميد المحاربين القدامى عبد القادر، بأن يتهم السلطات الجزائرية باختطاف أخويه من الأم الفرنسية، وأسرّ له بعض المقربين بأن القضية استغلت سياسيا، ومن الممكن أن تأخذ أبعادا خطيرة تتشابه مع قضية الرهبان الستة بتيبحيرين، في ظل التوتر الكبير حول قضايا تجريم الاستعمار والحركى وقضية التجارب النووية وغيرها. المجاهد محمد العربي مومني ل“الخبر” “فرنسا أعدّت جيشا من الموظفين لضمان مصالحها بعد الاستقلال” قال المجاهد وزميل الرئيس الراحل هواري بومدين، السيد محمد العربي مومني، إن خبراء مطلعون ذكروا أن السلطات الفرنسية أجرت ترتيبات 6 أشهر قبل مغادرتها الجزائر عام 1962، لإعداد جيش من الموظفين والعاملين بمختلف القطاعات ليضمنوا لها مصالحها بعد خروجها من الجزائر، وليتقلدوا المسؤولية زمن الاستقلال، وذلك بعد أن تبيّن لها بأن مصير خروجها أصبح حقيقة، وقال إن اللقاء الذي تم بمكان كان يعرف ب“الروشي نوار” أو “الصخرة السوداء” ببومرداس، والذي جمع كل من لويس جوكس من فرنسا وعبد الرحمان فارس من الجزائر حدد ذلك. وأضاف مومني، أنه وعلى الرغم من أن اللقاء التاريخي هذا كان فاصلا في تحديد المسؤولين بالجزائر زمن الاستقلال، لكنه مرتبط بعمليات سابقة كانت تتم بين سنوات 1957 و1958، حيث بدأت الاستعدادات في مختلف القطاعات من تعليم، ثقافة، اقتصاد وسياسة وغيرها، والأهم هو الإبقاء على اللغة الفرنسية سارية، وقال أن “لويجوكس” أعلم “عبد الرحمان فارس” بكل المسؤولين الذين من المقرر أن يتسلموا المناصب لتسيير الجزائر المستقلة، وقال إن الطرف الجزائري ما كان عليه إلا الموافقة، وبذلك بقيت حسب السيد مومني الإدارة الجزائرية والدولة عموما مبنية على “بقايا” فرنسا ومخططاتها، واستدل في ذلك على ما هو حاصل في قطاع التعليم عموما، من تكوين وخبراء يعتمدون على النماذج الفرنسية في التعليم وطرق التكوين. ووصف السيد مومني، اللقاء الذي جمع “لويجوكس” و”فارس” بأنه كان بمثابة “مركز حكومة مؤقتة”، تم خلالها تشكيل معالم الدولة الجزائرية، خاصة وأن فرنسا وعلى رأسها الجنرال “ديغول” كانا يمتلكان رؤية استشرافية استشفت منذ نصف قرن من الزمن بما سيؤول إليه الوضع في الجزائر، وهو ما سيمكّنها من أداء دور آخر في الجزائر. ڤالمة: م. أم السعد أبناء المحاربين القدامى في الجزائر يطالبون بحوافز رفع أبناء المحاربين الجزائريين القدامى ضمن القوات الفرنسية، الذين حرم آباؤهم من منحة الخدمة العسكرية، مراسلات إلى السلطات الفرنسية يستفسرون من خلالها عن الحقوق الاجتماعية التي ترتبت عن استغلال سنوات من عمر آبائهم من أجل القتال إلى جانب الفرنسيين، حيث يطالب هؤلاء بحقوقهم الاجتماعية بعدما حرموا من تلك الحقوق التي منحت للبعض منهم والذين وضعت لهم صفة “محارب جزائري”. وكان أغلب المستفيدين ممن وضعت له صفة “محارب فرنسي”، فيما يتولى جهاز خدمة المقاتلين القدامى دفع رواتب عسكرية تضاف إلى الاهتمام بالمحاربين القدامى المعاقين في الحرب العالمية الثانية الذين قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي، ويتلقون أيضا خدمات فردية وإدارية وطبية، حيث أحصت السفارة الفرنسية في الجزائر حوالي 47 ألف من قدامى المحاربين في الجزائر من بين أكثر من 150 ألف جندي جزائري شاركوا في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ضمن الجيش الفرنسي، في حين لا يزال أقارب المحاربين يعيشون ظروفا مأساوية، حيث أكد فيليب باجاس مدير قسم قدماء المحاربين لدى وزارة الدفاع الفرنسية رفقة السفير الفرنسي السابق بالجزائر كزافييه دريانكور، أن أهم معالم التقييم الجديد فيما يخص منح “قدماء المحاربين الجزائريين” والذين بلغ عددهم من الأحياء في الإحصاء الأخير 47 ألفا و500 محارب بين جنود سابقين أو أراملهم. وذكر فيليب باجاس أن الفئة المعنية بزيادات المنح هي “قدامى المحاربين الذي قضوا أكثر من 15 سنة خدمة في الجيش الفرنسي” وهذه الفئة تضاعفت منحها ب25,4 بالمائة، بينما الفئتان المتبقيتان غير معنيتين لأنه تم التكفل بهما على مرتين، 2002 ثم 2007 وهما “المحاربون المتقاعدون والعسكريون المعطوبون”. وقدّر باجاس حجم الميزانية الجديدة المخصصة لدفع المنح خلال سنة 2013 للجزائريين قدماء المحاربين ب71 مليون أورو، بعدما كانت 3,6 مليون ثم 52 مليون.