لاتزال مضاعفات تقلبات أسعار النفط تخيم بظلالها على معظم البلدان المصدرة ولكنها طالت أيضا الشركات الدولية التي استفادت لسنوات من أسعار عالية لبرميل النفط، حيث باشرت عدة مجموعات أمريكية وأوروبية برامج اقتطاع لاستثماراتها برسم السنة المالية 2015، فيما عرفت حصائلها نتائج سلبية دفعت عددا منها مثل “توتال” و”شلومبرغر” إلى تقليص عدد العمال والمستخدمين في مواقع في الخارج بالخصوص. وقد عرفت أسعار النفط انخفاضا طفيفا أمس، إذ بلغت 64.5 دولار للبرميل بالنسبة لمؤشر برنت بحر الشمال في بورصة لندن، بنسبة تراجع قدرت ب0.3 في المائة، وإن ظل شهر أفريل الأحسن من حيث معدلات أسعار البترول مقارنة بالأشهر الثلاثة الأولى من السنة، حيث تراوح المعدل ما بين 58 و62 دولارا للبرميل، ما سيساهم في دعم متوسط سعر البترول خلال الربع الأول من السنة، إذ يتوقع أن يرتفع معدل سعر البترول الجزائري مثلا خلال الأربعة أشهر الأولى إلى قرابة 58 دولارا للبرميل. وقد قامت العديد من الشركات الدولية بتسريح أكثر من 15 ألف من العمال المنتشرين في العديد من المواقع البترولية والغازية. في السياق نفسه، كشفت حصائل مجموعة “إيني” الإيطالية عن انخفاض محسوس في الأرباح الصافية التي بلغت، خلال الثلاثي الأول، حوالي 700 مليون أورو، بتراجع نسبته 46 في المائة عن نفس الفترة من العام الذي سبق. وتعكس الحصيلة النتائج السلبية المنتظرة لأغلب الشركات الكبرى، على غرار “اكسون موبيل” و”شال” و”شوفرون” و”توتال” و”بريتيش بتروليوم”، حيث قامت الشركات باقتطاع جزء من استثماراتها للسنة المالية الجديدة. وتشير التوقعات إلى استمرار التقلبات في سوق النفط مع بقاء الأسعار في مستويات متواضعة رغم تحسينها، حيث ينتظر أن تبقى في حدود 58 و65 دولارا للبرميل، على خلفية التقارير التي تفيد بتواضع نسب النمو في الولاياتالمتحدة والصين ومنطقة الأورو، وضعف الطلب، مقابل تسجيل فوائض في العرض والإنتاج، إذ تنتج منظمة “أوبك”، حاليا، أكثر من مستوى سقفها بحوالي مليون برميل يوميا، فيما تنتج روسيا بأقصى قدراتها، إذ تراوح مستوى إنتاجها ما بين 9.3 و9.6 مليون برميل يوميا، والأمر نفسه ينطبق على الإنتاج الأمريكي الذي بلغ الذروة، وهو ما يخلط حسابات الدول المصدرة للنفط في إطار “أوبك”، التي يستبعد اتخاذها هذه السنة لأي قرار بشأن إنتاجها. على صعيد متصل، أبدت الدول الأوروبية مخاوف من إمكانية تسجيل نسب تضخم أعلى خلال السداسي الثاني والسنة الحالية، مع عودة أسعار البترول إلى الارتفاع مجددا، بعد أن استفادت أوروبا من تراجع الأسعار وانخفاض قيمة صرف الأورو مقابل الدولار. وكان الاتحاد الأوروبي قد بنى سيناريوهات إيجابية مع نسب تضخم متدنية وسعر برميل منخفض يدعم إيرادات البلدان الأعضاء في منطقة الأورو أساسا، إذ أن عودة تحسن أسعار النفط بنسبة 40 في المائة في ظرف 15 يوما يضطر البلدان الأوروبية إلى مراجعة سياساتها في المجالات الجبائية خاصة، حيث عمدت البنوك المركزية ال27 لدول الاتحاد إلى اعتماد ليونة في السياسات النقدية لمواجهة احتمالات الانكماش التضخمي وتباطؤ النمو، من بينها تخفيض نسب الفائدة. وبعد أن عرف مؤشر برنت بحر الشمال تحسنا ب20 دولارا منذ آخر مستوى له في جانفي وب15 دولارا بالنسبة لمؤشر ويست تكساس أنترميديات ببورصة نيويورك، ليصل إلى 58 دولارا للبرميل، فان أوروبا تترقب عودة التضخم في ظرف غير مناسب.