روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها ”أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمُعوِّذات ويَنفث، فلمّا اشتدّ وجعه كنتُ أقرأ عليه، وأمسح بيده رجاء بركتها”. تشير السورة الكريمة إلى أنّ المؤمن يلجأ ويلوذ ويعتصم بربّ الفلق أي الإصباح، من شرّ جميع المخلوقات، حتّى من شرّ النّفس لأنّ النّفس أمّارة بالسّوء، وفي الحديث ”ونعوذ بالله من شرور أنفسنا”، ومن شرّ ما خلق يشمل شياطين الإنس والجن والهوام وغير ذلك. ومن شرّ الغاسق، قيل إنّه اللّيل وقيل إنّه القمر، والصّحيح أنّه عام لهذا وهذا، أمّا كونه اللّيل فلأن الله تعالى قال {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} الإسراء:78. واللّيل تكثر فيه الهوام والوحوش؛ فلذلك استعاذ من شرّ الغاسق أي اللّيل، وأمّا القمر فقد جاء في الحديث الّذي رواه الترمذي في سننه من حديث عائشة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نظر إلى القمر فقال ”استعيذي بالله من شرّ هذا، فإنّ هذا هو الغاسق”. لأنّ سلطانه يكون في اللّيل، وإذا وقب: أي إذا دخل، فاللّيل إذا دخل بظلامه غاسق، وكذلك القمر إذا أضاء بنوره فإنّه غاسق، ولا يكون ذلك إلاّ باللّيل. كما يستعيذ المؤمن {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} وهنّ السّاحرات يعقدن الحبال وغيرها، وتنفث بقراءة مطلسمة فيها أسماء الشّياطين على كلّ عقدة تعقد ثمّ تنفث ثمّ تعقد ثمّ تنفث، وهي بنفسها الخبيثة تريد شخصًا معيّنًا، فيؤثّر هذا السّحر بالنّسبة للمسحور، وذكر الله النّفاثات دون النّفاثين لأنّ الغالب أنّ الّذي يستعمل هذا النوع من السّحر النّساء. ومن شرّ الحاسد وهو الّذي يكره نعمة الله على غيره، فتجده يضيق ذرعًا إذا أنعم الله على هذا الإنسان بمال أو جاه أو علم أو غير ذلك فيحسده.