جمعيات من أمريكا اللاتينية والكاريبي تدين منع الاحتلال المغربي وفدا من المحامين من دخول الأراضي الصحراوية المحتلة    تجارة: تسجيل أزيد من 18 ألف مخالفة خلال النصف الأول من شهر رمضان    الطبعة ال14 للمهرجان الثقافي الوطني لأغنية الشعبي تنطلق يوم الخميس المقبل بالجزائر العاصمة    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48577 شهيدا و112041 مصابا    حج 2025: انطلاق عملية حجز تذاكر السفر عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    المصادقة على القانون المتعلق باختصاصات محكمة التنازع يعزز من استقلالية القضاء    معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي: ضرورة وضع استراتيجية مناسبة لحماية القصر    الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة    فضل الجلوس بعد صلاة الفجر    تصفيات مونديال الإناث 2025 لأقل من 17 سنة: "الخضر" على بعد خطوة من المونديال    مونديال-2026: استدعاء المدافع صهيب نايرلأول مرة    كرة الريشة/ كأس "سوديرمان" الدولية: المنتخب الجزائري في المجموعة ال1 رفقة الصين, هونغ كونغ وتايلاند    إطلاق أول مركز حوسبة عالي الأداء للذكاء الاصطناعي في الجزائر:خطوة استراتيجية نحو السيادة الرقمية    تلمسان: انطلاق الطبعة الثامنة لليالي الخط والمخطوط    الكيان الصهيوني يشن سلسلة غارات على جنوب لبنان    المهرجان المحلي للإنشاد بقالمة: رفع الستار عن الطبعة التاسعة    الرابطة المحترفة الأولى : شباب بلوزداد واتحاد الجزائر يتعادلان (1-1)    الأمن الحضري الأول حجز قنطار لحوم بيضاء فاسدة    حجز 34 حاوية محملة بالموز بعنابة    الجزائر الجديدة المنتصرة بقيادة رئيس الجمهورية وفية لالتزاماتها    البكالوريا المهنية يجري التحضير لها بالتنسيق مع قطاعات أخرى    بلمهدي يشرف على إطلاق مصحفين إلكترونيين وآخر بالخط المبسوط    تحميل الملفات وإرسالها ليس لها أجل محدد وهي عملية مفتوحة    السلطة والشعب وبناء دولة..!؟    عملية الختان من الضروري أن تجرى في وسط استشفائي    حجز 34 حاوية بموز    فضيحة جديدة لحكومة المغرب    إطلاق مصحف الجزائر بالخط المبسوط    الدفع عبر النقّال.. مزيدٌ من الإقبال    تكريم 50 طالباً جزائرياً    صافرة مصرية للصدام الجزائري    إبراز مناقب الشيخ محمد بلقايد    مستوطنون يُدنّسون الأقصى    فرنسيون يُدينون جرائم الاستعمار    مسابقة وطنية لأحسن الأعمال المدرسية    الجزائر تتجه لتوطين صناعة الدواء بمختلف الأصناف    وسام ذهبي للاستحقاق الأولمبي والرياضي للرئيس تبون    ندوة فكرية بمناسبة الذكرى ال 63 لاغتياله..مولود فرعون قدم أدبا جزائريا ملتزما ومقاوما    النفاق الفرنسي.. كفى! حان وقت الحقيقة    اليمين المتطرّف في مواجهة غضب الشارع بفرنسا    اليد الممدودة للجزائر تزعج فرنسا وغلمانها    هكذا يتم تدعيم وكالة ترقية الاستثمار بالعقار الاقتصادي    جاهزون لموسم حصاد استثنائي    عبر البوابة الجزائرية للحج وتطبيق "ركب الحجيج"..حجز تذكرة السفر إلى البقاع المقدسة ابتداء من اليوم    "الطعام الجاهز".. بديل مثاليٌّ للعزاب والعاملات    400 وجبة يوميا للعائلات المعوزة    روائع من زمن الذاكرة    أنا "على ديداني" وزولا ترعاني    في الهند..غير المسلمين يُعدُّون طعام الإفطار للصائمين    تطبيق رقمي خاص بقطاع المجاهدين    عوار يغيب لأسبوعين بسبب مشكلة عضلية جديدة    غويري يشبه أجواء ملعب "الفيلودروم" بمباريات "الخضر"    الإشهار المفرط ينفّر متابعي المسلسلات    تحديد تاريخ مسابقات الالتحاق بالدراسات الطبية للمقيمين    الحقن وطب الأسنان لا يفسدان الصيام والمرضع مخيَّرة بين الفداء أو القضاء    الجوية الجزائرية تذكّر بالزامية اختيار رحلة الحج    هكذا تحارب المعصية بالصيام..    حفظ الجوارح في الصوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ويني مانديلات.. الأم الأمة!!
نشر في الخبر يوم 02 - 01 - 2014

كانت ظلا لليل أمة.. كانت ظلا لصوت وقامة.. امرأة بلون الحق.. بحجم القضية.. كانت الوجه الذي هزم بهشاشة الابتسامة.. حقدا.. جيوشا..نظاما.. ترسانة!! كانت تقيم بين سجن وسجن.. كانت تقيم في سجن وسجن..!! بين السجنين كانت ترعى حقل الجروح.. تطعم غده بعض الأمل!! وفي السجنين كانت تحتار من مهما تختار تقيم فيه أول!! في الأول كانت تقيم الأمة الأهل.. وفي الثاني يقيم (الوطن) الرجل!! الإنسان الأرقى والأنقى.. هو الأخلد في الأرض هو الأبقى..!! أما السواد الأعظم فإنه في نظر شريعة التميز العنصري المقيتة.. مجرد سواد.. كم من العبيد والخدم.. مجردون من أدميتهم.. من إنسانيتهم.. مجرد آلات.. طاقات تستخدم حين الحاجة.. وخارج زمن الحاجة إليها.. يدخل مساحات.. حيز التمييز.. حيز التحقير والتحييد والتصغير.. حيز الصمت والعدم..!! ملايين البشر السمر.. يعمدون سواعدهم وأجسادهم يوميا في الحقول والمرافئ بعرق التراب.. يجيئون إلى هذه الحياة ويخرجون منها.. وهم مجرد أرقام.. في محتشدات.. في السجن الكبير.. سجن بألف باب وباب.. سجن يدخلونه صباحا.. وفي المساء.. يعودون إليه بلا قامات.. بلا ألسنة.. بلا رقاب.. إنهم ملايين النساء والرجال.. يعيشون منسيين على هوامش الدفاتر والسجلات.. على هوامش خطب المناسبات.. إنهم يعيشون في وطن يسجلون فيه كل يوم.. في حال غياب.
إنهم نساء ورجال جنوب إفريقيا الذين عايشوا واحدة من أبشع تجارب حياة (النخاسة) في ظل نظام عنصري تحصن وراء منظومة قانونية كرست للرجل الأبيض حقوقا شاذة ومنافية للآدمية.. جعلت من ذوي البشرة السمراء في مراتب دونية لا يتساوون فيها حتى مع بعض أصناف الحيوانات. في مجتمع يمنع الشواطئ والمسابح على السود والكلاب.. يمنع المطاعم والمقاهي والمسارح ودور السينما على السود والدواب.. مجتمع لا يفتح أحياءه.. شوارعه.. قلبه وحضنه إلا للأبيض.. يحيد الأسود.. يقيده داخل زنزانة وكيان اللون.. يقيد دوره والحضور في محتشدات تهين آدمية الناس.. تقيده في مزارع ومراعي وحقول لا يزيد فيها دوره وقيمته عن دور وقيمة الحيوان الذي يرعاه.
سياسات الأذى والإقصاء.. حوّلت أفراد أمة كاملة إلى مجرد أكوام من البشر..!! بشر تمشي.. تتوقف.. توقف بالنهي والأمر. ورغم سياسات التضييق والحصار.. رغم الازدراء والاحتقار.. رغم التغييب القسري لملايين البشر عن ساحات وميادين صناعة القرار.. رغم تغييب حقها في الاختيار.. إلا أن مبدأها كان التشبث بالمستحيل (بالحق) في الإنسانية.. بإصرار. في مجتمع بهذه المقاييس.. بهذه المتاريس والحواجز.. بهذه الجدارات بين الإنسان والإنسان استلمت ويني مانديلا من الرجل الرمز نيلسون مانديلا القابع في السجن مهمة الإبقاء على جذوة.. على جمرة التحرر مشتعلة في القلوب.. متقدة في الضمائر. رغم الحصار المضروب على حركتها.. على صوتها.. إلا أنها استطاعت أن تمتد في الناس أملا.. ووجعا وحلما بغد كانت تعد به غدا.
بين أحياء وشوارع جوهاسنبورغ.. في ساحات ومحتشدات سويتو وبريتوريا.. على هوامش مدينة الكاب.. كانت ويني مانديلا.. تجاور الناس.. تمشي بينهم.. تسير معهم في مواجهة كلاب ودبابات النظام.. ترفع حق الإنسان الأسود.. ترافع عن الحق في الحياة.. في المساواة.. ونظرا لرمزية دورها وحضورها فإن النظام العنصري لم يبخل عليها بالملاحقات والاعتقال.. وعزلها عن الناس.. لأن خطاباتها في نظره كانت تنقل وباء خطيرا إلى الآخرين.. وباء هواء الحرية الذي كانت تنشره باحتجاجات الرفض بالرقص والغناء.. كانت تلقب من قِبل الملايين من أبناء شعبها ب(نومزامو) التي تعني في اللغة (الأفريكانية) المرأة التي تحاول.
لقد ظلت ويني تحاول رغم صدمات الحياة.. وصد النظام لها وتضييقه على (أحلامها) والناس.. فبعد اعتقال رفيق دربها ورفيق نضالها نيلسون مانديلا وإيداعه السجن حاولت لأن تكون رافدا لصوت الرجل الذي تهربه كل يوم من بين القضبان وتزرعه في الشارع.. في القلوب وفي الأذهان.. أبقت ويني على نيلسون الرمز (أملا) حيا في الناس.. أبقت عليه صوتا في الحناجر.. إصرارا في الصدور والسواعد.. معتقدا في القلوب.. رمزا في المحافل والمنابر. ظلت ويني تقاوم.. تناضل عن قضية شعبها والزوج الوطن.. حتى كان انهيار النظام البغيض الذي تهاوى تحت الإصرار الجميل لشعب كان فعلا جديرا بالحياة.. كانت الخطوة الدلالة والرمز هي الإفراج عن (نيلسون مانديلا) في فبراير 1990 من جزيرة روبن.. ليواصل مع الزوجة (الرفيقة) سباق الشهور والأعوام الأخيرة من عمر نظام التمييز العنصري.. حتى خط النهاية الذي أنجز فيه نيلسون وويني.. حلم شعب أضحى سيدا في وطنه.. سيدا لقراره.. يعيش في مجتمع فيه الإنسان قرينا للإنسان.. وليس عبدا للإنسان.. مجتمع ساوى بين الناس في آدميتهم.. في الحقوق وفي الواجبات.
أسابيع بعد تحرير مانديلا من السجن كان لي شرف استقبال ويني ونيلسون في برنامج تلفزيوني عدت فيه من خلال الضيفين إلى دروس وعبر التجربة.. إلى الإيمان الأسطوري الذي هزم مئات السنوات من الحقد.. من الضغينة والظلم.
إيمان تفوق المتسلحون به وبالأهازيج والأغاني على أصوات المدافع والقنابل.. إيمان كسر المتاريس والجدارات التي بناها النظام العنصري بين الناس والناس.
وأنا ألقاها.. كان يربكني التاريخ.. كنت أتعثر في أكوام الكلام الذي يمكن أن يقال في هذا المجال لامرأة بهذا الزخم الأسطوري (المبهر) حد جلال الإكبار. وبعد دخولهما الأستوديو وبينما كنت تائها في البحث عن مفاتيح هذه الشخصية.. قالت ويني بعد تحية منها ومن نيلسون.. للجزائر مكانة خاصة في قلبنا.. في تاريخنا.. وفي شوارعنا والحارات التي بها نتحصن.. فيها نناضل.. كانت الجزائر تقول ويني رافدا لأصواتنا وساعدا لقضيتنا.. تحمله وترافع عنها في كل محفل وشأن.. قاطعها نيلسون قائلا إن تدريبي العسكري كان هنا قبل عودتي إلى بلادي.. وأكبر درس لي بعد تخصصي في المحاماة استوحيته من القضية الجزائرية.. التي علمتني أنه ما ضاع حق وراءه طالب.. أبدا. سألتها عن المهمة.. عن الدور.. في الإنابة عن نيلسون في قيادة الجماهير.. في حشدها حول قضيتها.. في الدفع بها إلى الساحات والميادين في الداخل وفي الخارج!! بتواضع يجلله الخجل.. قالت أنا لم أنب عنه لأنه عن أذهان الناس لم يغب.. كان أطفال.. رجال ونساء (الغيتوهات) والمحتشدات حين يرونني يصرون على مناداتي باسمه (لا لأني قرينته) بل شريكته في الحلم.. كانوا يعيدون صياغة تفاصيل الحلم كما نسج ألوانه نيلسون.. كانوا يحلمون برفع قاماتهم التي أحناها الذل والظلم.. كانوا يحلمون ببيت كالذي يسكنه الأبيض.. بالمسبح الذي يرتاده الأبيض.. بالخبز الأبيض الذي يأكله الأبيض.. كانوا يحلمون بغد أبيض تلغي شمسه مسافات الألوان.. التي باعدت بين الإنسان والإنسان. قالت ويني كان نيلسون من وراء القضبان يحرص الحلم ويمده بطاقة الصبر والإيمان حتى لا يذبل.. حتى الحناجر عن الغناء لا تكف.. حتى مشاتل الأطفال لا تجف.. حتى غدنا الطفل يظل محمولا على السواعد والأكتاف وفي الأكف.. هكذا كانت ويني المرأة.. الرمز.. الوطن.. الأم.. الأمة.. القضية.. والحرية قبل أن تدخل دورة أخرى من الزمن.. شوهت الصورة.. لطخت الاسم.. بعد أن شاع وساد.. إنها كانت مؤسسة ظلم وفساد.. ولو على نطاق ضيق أو لا يكاد.
إنه قدر الأسماء الكبيرة التي ترقى إلى حد وحجم القضية.. لذلك فإن الذين يرفعون عاليا.. يرفضون القرارات الفردية بالنزول الإرادي الفردي، وكرس انفصالها عن نيلسون الحكيم القناعة عند الأخريين بالذي كان في خانة الشك حتى (حين). وإن كان انفصالها عن نيلسون في نظر البعض خروجا من خانة (الأم) الأسطورة.. خروجا من روح الأمة.. إلا أنها بالنسبة لآخرين تظل لون حلم الناس.. والسيدة التي نسجت من وهج الوجع. من حبات الدمع.. ألوان راية.. بكل السواعد اليوم ترفع!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.