كانت ”الخبر” حاضرة بتركيا لمتابعة تفاصيل تلك الانتخابات الفارقة في تاريخ بلاد الأناضول، والتي كان من المتوقع أن تمتد ارتداداتها إلى سوريا ومصر وفلسطين ودول الربيع العربي إجمالا والخليج العربي وأوروبا وأمريكا، وحتى في شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، بالنظر إلى الدور الإقليمي الذي تلعبه تركيا في التأثير على الأوضاع في هذه المناطق. ”كولن” يعلن الحرب على حليفه ”أردوغان” لم يكن الداعية فتح اللّه كولن سوى أحد الأئمة الشباب المغمورين المولود في ولاية أرضروم (بالعربية: أرض الروم)، الواقعة في شرق تركيا غير بعيد عن ولايات كردستان التركية، وتأثر هذا الشاب في بداية حياته بالشيخ بديع الزمان النورسي (نسبة إلى بلدة نورس في كردستان تركيا)، صاحب رسائل النور التي كتبها في السجن عندما اعتقل بسبب أفكاره الإصلاحية. وسطع نجم فتح اللّه كولن عندما استطاع إقناع بعض الأثرياء المتأثرين بدعوته بفتح مدارس تعليمية للنشء، تهتم بتعليم القرآن وأحكام الشريعة، والمبدأ الأساسي في فكر كولن هو تربية الفرد روحيا وتخليصه من عبودية المادة، وشعاره الذي ينشره أنصاره باستمرار ”عدو الإنسان هو: الجهل والفقر والمرض”، لذلك كانت رسالة فتح اللّه كولن روحية وعالمية، حاول تجسيدها من خلال نشر المدارس التعليمية في تركيا وخارجها، وخاصة في مناطق الصراع كدول البلقان (البوسنة والهرسك ومقدونيا وكوسوفو..) والدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي (أوزبكستان كزاخستان، تركمانستان..) وغيرها من دول العالم التي فاقت مائة دولة. وبسرعة أصبح لجماعة ”الخدمة” التي يقودها فتح اللّه كولن عدد كبير من مدارس الدعم في تركيا والعالم، واختارت أحسن وأذكى الطلبة لتكوينهم، والذين ارتقوا فيما بعد إلى مناصب سامية في سلكي الأمن والقضاء خاصة، وأبقوا ولاءهم لزعيمهم الروحي فتح اللّه كولن الذي يقدسونه ”كنبي”، على حد قول الطالب سلمان أكسومير الذي استفاد من خدمات هذه الجماعة. كما صار لجماعة كولن ذراع إعلامية قوية تمثلت في عدة جرائد، مثل جريدة ”زمان” الأكثر انتشارا في تركيا، وطبعتها الانجليزية ”زمان توداي”، وجريدة ”طرف”، ومجلة ”حراء” بالعربية، ووكالة ”جيهان” للأنباء، وعدد من الفضائيات، حتى أضحت ”جماعة الخدمة” من أكبر الجماعات الضاغطة في تركيا. ورغم أن الداعية الصوفي فتح اللّه كولن تعرّض للمضايقات (قبل وصول أردوغان إلى الحكم)، بسبب نشر تسريب صوتي له يحرض أتباعه على التوغل داخل دواليب الدولة، لكنه نفى صحة هذا التسريب، إلا أنه اضطر فيما بعد إلى السفر إلى أمريكا والاستقرار في بنسلفانيا بهدف ”العلاج”. ومع وصول حزب العدالة والتنمية، بقيادة رجب طيب أردوغان، إلى الحكم في 2002 بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية وتشكيله للحكومة، تحالف مع جماعة كولن، لمواجهة تغوّل المؤسستين العسكرية والقضائية. وبفضل النفوذ الذي يملكه كولن في الشرطة والقضاء والصحافة تمكن أردوغان من إحباط محاولة انقلابية كان يسعى قائد الأركان السابق لتنفيذها، كما فشلت محاولة أخرى لحلّ حزب العدالة والتنمية لاتهامه بمحاولة تقويض أركان العلمانية في تركيا التي أرساها مؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك. لكن أول صدام بين جماعة كولن وحكومة أردوغان كان حول تسيير ملف القضية الكردية، إذ إن كولن كان رافضا للمفاوضات السرية التي كان يجريها رئيس المخابرات، هاكان فيدان، بتفويض من أردوغان مع حزب العمال الكردستاني (المتمرد)، بقيادة عبد اللّه أوجلان (المسجون)، وقامت جماعة كولن بتحريك ذراعها القضائية، وكاد رئيس المخابرات أن يسجن بسبب اتصالاته مع المتمردين الأكراد الذين يوصفون ب«الإرهابيين”، لولا تدخل رئيس الوزراء. كما عارض فتح اللّه كولن توجه أسطول الحرية إلى قطاع غزة لفك الحصار عنها دون موافقة إسرائيل، ورفض اعتبار الأتراك التسعة الذين قتلتهم إسرائيل خلال هجومها على سفينة مافي مرمرة ”شهداء”، مع اعترافه بحق إسرائيل في الوجود، وهذا الموقف الغريب لداعية إسلامي جعله يصطدم مرة أخرى بحكومة أردوغان، التي جمدت علاقاتها مع إسرائيل، واشترطت عليها ثلاثة شروط: الاعتذار، والتعويض، وفك الحصار عن غزة. حديقة ”جيزي” تفجّر الانتفاضة ضد أردوغان في جوان 2013 اعترض سكان تقسيم باسطنبول على تشييد مركز تجاري ومسجد ونفق للسيارات في مكان منتزه ”جيزي”، وتعاملت الشرطة ”بصرامة” مع هذه الاحتجاجات، التي سرعان ما انتشرت في مختلف أرجاء تركيا كالنار في الهشيم، وسرعان ما استقطبت هذه الاحتجاجات ”البيئية” أحزاب سياسية معارضة مثل حزب الشعب الجمهوري، وكذلك استنفرت هذه الأحداث الطائفة العلوية التي يقدر عدد أفرادها بالملايين، والتي كانت رافضة لتدخل الحكومة التركية في الشأن السوري، بالإضافة إلى الأحزاب الشيوعية الصغيرة والمتطرفة، فضلا عن الرافضين لسياسة أخلقة الحياة اليومية، بالإضافة إلى فئات مهنية كالمحامين والأطباء والطلبة وأنصار الفرق الرياضية. فجأة استطاعت حديقة ”جيزي” أن توحّد جميع خصوم حزب العدالة والتنمية، وتؤلب فئات واسعة من الشعب التركي، بمن فيهم جماعة كولن، ضد أردوغان وحكومته، حيث شارك في هذه الاحتجاجات نحو مليوني شخص عبر مختلف ولايات تركيا وخلال عدة أسابيع. وتحوّل ميدان ”تقسيم” إلى أشبه ما يكون بميدان التحرير في مصر، حيث اعتصم بضعة آلاف في الميدان، وهاجموا أردوغان وطالبوا برحيله واصفين إياه ”بالقاتل”، واعتقد الكثير من خصوم أردوغان أن الربيع العثماني قادم وسيطيح بأردوغان، مثلما أطاح الربيع العربي بالقذافي وبن علي ومبارك وعلي عبد اللّه صالح، لكن رئيس الوزراء التركي ردّ على المطالبين برحيله بتجمعين ضخمين: الأول في أنقرة وحضره نحو 600 ألف من أنصاره، والثاني في اسطنبول واحتشد فيه نحو مليون شخص، وخلال تجمع أنقرة تمّ فضّ اعتصام ”جيزي بارك”، وبدا أن أردوغان تمكّن من الخروج من عنق الزجاجة وبشقّ الأنفس، لكن خصومه لم يلقوا بالمنشفة، وبدأوا يحضّرون لجولة جديدة من النزال السياسي. حرب التسريبات في 17 ديسمبر 2013، وبشكل غير متوقع، قامت الشرطة باعتقال أبناء أربعة وزراء ومدير بنك ”خلق” الحكومي، ورجل أعمال من أصول إيرانية ورئيس بلدية الفاتح باسطنبول بتهم الفساد، وذلك بعد تحقيقات دامت نحو عام، دون علم رئيس الحكومة ولا حتى وزير الداخلية. واعتبر أردوغان هذه التوقيفات مؤامرة ضد حكومته، لأنها استهدفت مقربين منه في ثلاثة قضايا مختلفة وفي يوم واحد، بعد أن تم التحضير لها طيلة عام كامل دون أن تتسرب أي معلومة في هذا الشأن للحكومة أو أيا من المسؤولين الكبار. وكانت نتيجة هذه التوقيفات أن استقال 4 وزراء من الحكومة، من بينهم وزير الداخلية، كما جرى تعديل حكومي مسّ 10 وزراء، من بينهم الوزراء الأربعة، كما قامت الحكومة بإقالة الآلاف من ضباط الشرطة المحسوبين على جماعة كولن، أبرزهم رئيس شرطة اسطنبول. ووزع أردوغان تهم ”المؤامرة” يمينا وشمالا ضد جماعة كولن وضد السفير الأمريكي في تركيا والمضاربين في الفائدة وحزب الشعب الجمهوري، كما رفض الاستقالة رغم المظاهرات التي خرجت تطالبه بالرحيل، لكنها لم تكن بحجم احتجاجات ”تقسيم”. وعندما فشلت عملية إسقاط رئيس الوزراء من خلال اتهام مقربين منه بالفساد، صعّد رجال كولن من حملتهم على أردوغان عندما بثوا تسريبا صوتيا له مع ابنه بلال يحذّره فيه من قدوم الشرطة إلى بيته لتفتيشه، لكن أردوغان نفى هذا التسجيل واعتبره مجرد تركيب فيديو، إلا أنه زاد من الضغوط السياسية ضده، خاصة مع اقتراب الحملة الانتخابية للمحليات في مارس 2014. أردوغان في مواجهة ”تويتر” و«يوتيوب” لم تنجح التسريبات التي تتهم أردوغان، ولأول مرة بشكل مباشر، في دفعه إلى الاستقالة. ومع اقتراب موسم الانتخابات قررت المعارضة، بجميع أطيافها السياسية، بما فيها جماعة كولن، الرهان على أول موعد انتخابي منذ أحداث ”تقسيم”، لإنهاء حكم أردوغان بعد أن اعتقدوا أن حجم الغضب الشعبي ضده في ازدياد، وأنه فقد الكثير من الحلفاء والأنصار، وزاد هذا الاعتقاد رسوخا عندما خرج عشرات الآلاف من الناس في جنازة فتى قُتل على يد الشرطة بعد أن قضى أياما في غيبوبة، ورفعوا شعار ”أردوغان قاتل”. لكن أقوى صدمة تلقتها المعارضة خلال حملة الانتخابات المحلية كانت نتائج سبر الآراء لثلاث هيئات متخصصة أظهرت جميعها أن حزب العدالة والتنمية سيتحصل ما بين 40 و45 بالمئة من الأصوات، وهي نسبة أكبر مما تحصل عليه الحزب في آخر انتخابات محلية في 2009، والتي قدرت ب38,9 بالمائة، غير أن المعارضة اعتبرت أن هذه النتيجة تعتبر تراجعا لشعبية أردوغان الذي حصل حزبه في آخر انتخابات جرت في تركيا (البرلمانية) على نحو 49,8 بالمائة من الأصوات. وأظهرت الحملة الانتخابية أن أردوغان مازال قويا من خلال الحشد الكبير الذي كان يشارك في مهرجاناته الانتخابية في الميادين المفتوحة، لكن المعارضة، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، استعرضت هي الأخرى شعبيتها، خاصة في مواقعها التقليدية، على غرار المدن الساحلية في بحر إيجه بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري ومدينة أضنة المطلة على البحر الأبيض المتوسط بالنسبة للحركة القومية، وكردستان تركيا في الجنوب الشرقي بالنسبة لحزب السلام الديمقراطي الكردي، وحده حزب العدالة والتنمية كان قادرا على التنافس في معظم الولايات التركية ولو على المرتبة الثانية. وفي الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، حيث كانت ”الخبر” متواجدة في اسطنبول، كبرى المدن التركية، رمت المعارضة بكامل ثقلها، وحاولت توحيد صفوفها في بعض الولايات، حيث انسحب مرشحون لأحزاب صغيرة أو مستقلون موالون لحركة كولن لصالح حزب الشعب الجمهوري أو الحركة القومية، كما استقال نحو ثمانية آلاف عضو من حزب العدالة والتنمية وانضموا لأكبر حزبين في المعارضة. أما حركة كولن فرمت في هذه المرحلة بكامل ثقلها، عندما نشرت تسريبا سريا للغاية لاجتماع في وزارة الخارجية جمع رئيس الاستخبارات التركية وقائد الجيش الثاني ووكيل الوزارة، وكان هناك حديث عن خطة للقيام بعملية عسكرية في سوريا، وهذا التسريب استفز الحزب الحاكم، بشكل جعل وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو يعتبره ”إعلان حرب على الدولة”، وتم غلق خدمة ”يوتيوب” على الأنترنت، بعدما أغلقت خدمة ”تويتر”، ما أثار غضبا داخليا وخارجيا من هذا الإجراء. واستغل الحزب الحاكم هذه القضية لتسجيل نقاط لصالحه عندما استنهض الحمية الوطنية، واعتبر تسريب تسجيل وزارة الخارجية عملية جوسسة وخيانة الدولة التركية، لكنه من جهة أخرى خسر نقاطا عندما أغلق تويتر ويوتيوب، رغم أننا وجدنا تفهما لبعض الشباب التركي الذين أكدوا ل«الخبر” أنهم سيصوّتون لصالح حزب العدالة والتنمية، رغم تحفظهم على حجب ”تويتر” و«يوتيوب”، وكذلك قرار غلق مدارس ”الخدمة” التابعة لحركة كولن الذي لم يستحسنه بعض من استفاد من خدمات هذه المدارس. صدمة المعارضة بالرغم من أن فوز حزب العدالة والتنمية كان محسوما مسبقا، بالنظر إلى الفارق الشاسع بينه وبين أقرب منافسيه والذي يتجاوز العشر نقاط، حسب سبر الآراء وكذلك حسب نتائج الانتخابات السابقة، إلا أن رهان المعارضة كان يتمثل في كيفية جعل شعبية أردوغان تتراجع إلى ما دون النتائج التي حققها في الانتخابات البلدية في 2009، وانتزاع ولايتي اسطنبولوأنقرة من يد الحزب الحاكم. يوم 30 مارس 2014 كان يوما مصيريا في تاريخ الشعب التركي، ونسبة المشاركة كانت غير مسبوقة في تاريخ تركيا وربما في الدول الديمقراطية، حيث شارك أزيد من 88 بالمائة من الناخبين الأتراك، لكن نتائج الانتخابات وإن لم تحدث تغييرات كبيرة في مناطق نفوذ كل حزب إلا أنها شكلت صدمة حقيقية للمعارضة، لأنها لم تتمكن من هزيمة حزب العدالة والتنمية في أنقرةواسطنبول رغم المنافسة الضارية، كما أن الحزب الحاكم لم يتراجع في هذه الانتخابات، بل حسّن موقعه بسبع نقاط مقارنة بانتخابات 2009، ما سيمهّد الأمر لأردوغان للترشح لرئاسيات 10 أوت 2014، مع إمكانية الفوز بالانتخابات البرلمانية في 2015. لكن المعارضة بالمقابل حافظت على معاقلها التقليدية، فحزب الشعب الجمهوري فاز بجميع الولايات في الجانب الأوروبي وكذلك الولايات المطلة على بحر إيجه، أما حزب السلام الديمقراطي الكردي ففاز بالولايات ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا، رغم المنافسة الشرسة مع حزب العدالة والتنمية في هذه المناطق، كما حافظ حزب الحركة القومية على معقله في ولاية أضنة، لكن أردوغان هزم ”صديقه اللدود”، فتح اللّه كولن، في موطن رأسه في ولاية أرضروم شرق تركيا، كما تم تسجيل خسارة حزب العدالة والتنمية لبعض الولايات وفوزه بولايات كانت تحت سيطرة حزبي المعارضة الرئيسيين، حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية. أما حزب السعادة، آخر حزب أسسه نجم الدين أربكان، رئيس الوزراء السابق، فلم يحقق نتائج كبيرة، حيث لم يحصل سوى على نحو 2 بالمائة من الأصوات وحلّ خامسا في ترتيب الأحزاب. وإذا نظرنا إلى الانتخابات البلدية في ولاية اسطنبول على سبيل المثال نجد أن حزب الشعب المعارض فاز في منطقة بيسكتاش وشيشلي في الجانب الأوروبي وقاضي كوي في الجانب الآسيوي، أما حزب العدالة التنمية فحافظ على سيطرته على معظم البلديات في اسطنبول، وخاصة الفاتح وإيسكيدار أشهر المدن التاريخية في اسطنبول. وما تجدر الإشارة إليه أن وجه اسطنبول تغيّر خلال ستة أشهر، خاصة في مجال تطوير شبكة المواصلات وتخصيص الحدائق والنافورات والاعتناء بنظافة المحيط، كلها أوراق لمسها الناخب التركي قبل أن يتوجه إلى صناديق الاقتراع. المحلل السياسي التركي محمد أوزتورك ل”الخبر” ”جماعة كولن كانت الخاسر الأكبر في الانتخابات” كيف كان الإقبال على الانتخابات البلدية في تركيا؟ ❊ نسبة المشاركة كانت عالية جدا، وبلغت حسب الأرقام الرسمية 88,73 بالمائة من بين 52 مليون ناخب مسجل، وحسب النتائج غير الرسمية فإن أزيد من 20,4 مليون شخص صوّت لصالح حزب العدالة والتنمية بنسبة 45,46 بالمائة، بينما حصل حزب الشعب الجمهوري على المرتبة الثانية بأزيد من 12,5 مليون صوت وبنسبة 27,82 بالمائة، أما حزب الحركة القومية فصوّت له 6,3 مليون ناخب بنسبة 15,24 بالمائة، وحزب السلام الديمقراطي (الكردي) فحصل على 2,9 مليون صوت، أو ما يعادل 6,47 بالمائة، أما حزب السعادة الذي حلّ خامسا فحصل على 2 بالمائة من الأصوات. لماذا أُعطيت الانتخابات البلدية كل هذه الأهمية في تركيا؟ أحزاب المعارضة جعلت من هذه الانتخابات تصويتا للثقة على حكومة وشخص رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، لكن أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات كانت جماعة فتح اللّه كولن، وهذه الجماعة ليست كيانا سياسيا، بل هي جماعة ضغط، وكانت دائما تقف مع الطرف الحاكم، ولكنها هذه المرة اختارت المعارضة، واستفاد حزب الشعب الجمهوري من هذه الجماعة وكذلك الحركة القومية، اللذان استخدما هذه الجماعة في الانتخابات البلدية، وحصل حزب الشعب الجمهوري على تقدم قليل في نتائج الانتخابات مقارنة بالانتخابات البلدية لعام 2009، لكن حزب الحركة القومية تراجع قليلا. هل يمكن تقدير حجم تأثير حركة كولن على هذه الانتخابات؟ جماعة ”الخدمة” التي أسسها كولن كانت حركة دينية، ولكن في الفترة الأخيرة حصل لهذا الفكر ”زعزعة”، ولكن نتائج الانتخابات أظهرت أنهم لم يكن لهم تأثير كبير على هذه الانتخابات، بل على العكس من ذلك، لعبوا دورا في ازدياد الأصوات الممنوحة لحزب العدالة والتنمية (الحاكم) الذي حصل في محليات 2009 على 38,9 بالمائة، ولكن هذه النسبة ارتفعت الآن ب7 نقاط. ما هو مستقبل حركة كولن في ضوء هذه النتائج؟ في اعتقادي أن مستقبل حركة كولن لا يبدو جيدا، إلا إذا بقوا ينشطون في إطار القوانين، فلن يكون لهم ضرر كبير، لكن موقفهم كان عدوانيا ولم يكن لا سياسيا ولا أخلاقيا، خاصة عندما استعملوا أدوات حقوقية وتسريبات لوزارة الخارجية، وهذه تعتبر جوسسة، وإذا ثبتت عليهم التهمة، فسيواجهون خسارة كبيرة. هل سيترشح أردوغان لرئاسيات أوت المقبل بعد هذا الفوز؟ هناك مؤشرات توحي بأنه سيترشح للرئاسيات المقبلة، وظهر ذلك في خطابه الذي ألقاه على أنصاره من شرفة مقر حزبه بأنقرة ليلة إعلانه الفوز بالانتخابات، عندما قال ”لو كلفني الشعب بمهمة جديدة فأنا جاهز”. ولكن الانتخابات البرلمانية ستكون في 2015، لذلك من المتوقع أن تجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، ولكن بشكل متزامن. وقد أثبت حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات البلدية أنه مازال قويا، ولكن الشعب يحتاج منه مرونة أكثر في التعامل مع المعارضة، لأن التوتر لازال مستمرا، رغم أن الوضع تحسن بعد ظهور النتائج، حيث أثر ذلك بشكل إيجابي على البورصة، كما ارتفع سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار والأورو. اسطنبول: حاوره م. دالع