في مقالنا هذا سنتناول قليلًا ممّا جاء به الإسلام بخصوص العمل وقيمته للمجتمع الإسلامي.. يقول الله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا وعَمِلوا الصّالحات إنّا لا نُضيعُ أجْرَ مَن أحْسَنَ عمَلًا} الكهف:30، وقال تعالى: {مَن عَمِل صالحًا مِن ذَكَرٍ أوْ أنْثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمُ أجْرَهُم بأحْسَنِ ما كانوا يَعملون} النّحل:97. ولقد بيَّن لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أحاديث كثيرة، أنّ طرق العمل الّذي أحلّه الله تعالى متعدّدة، وأنّ أنواعها لا تكاد تُعَدّ ولا تُحصى، ومن الأحاديث النّبويّة الشّريفة الّتي أكّدَت ذلك قوله عليه الصّلاة والسّلام: ”والّذي نفسي بيده؛ لأن يأخذ أحدكم حبله فيَحتطب على ظهره خيرٌ له من أن يأتي رجلًا فيسأله، أعطاه أو منعه” أخرجه البخاري. وعن المِقدامِ بن معدي كرب رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكُل من عمل يديه، وإنّ نبيَ الله داود صلّى الله عليه وسلّم كان يأكل من عمل يده” رواه البخاري. أعلى الإسلام من شأن العمل بل جعله إذا اقترن بالنّية الصّالحة يخرج من حيِّز العادات ليكون عبادة لله ربّ العالمين. ولأهمية العمل العظيمة فقد كان أفضل خلق الله، وهو رسولنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، يَعمل برعي الأغنام وبالتّجارة. ولأهمية العمل أيضًا وضرورة استمراره، فقد حثّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على ذلك في الحديث الشّريف الّذي رواه أنس بن مالك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”إن قامَت السّاعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتّى يغرسها فليفعل”. ويعتبر الإسلام العمل الصّالح حتّى ولو كان صغيرًا قربى إلى الله، وفي سبيله ويوضّح هذا المعنى ما جاء في حديث كعب بن عجرة قال: ”مرّ النّبيّ على رجل، فرأى أصحاب رسول الله من جَلده ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله؛ لو كان هذا في سبيل الله! فقال رسول الله: ”إنّ كان خرج يسعَى على ولده صغارًا؛ فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعَى على أبوين شيخين كبيرين؛ فهو في سبيل الله، وإن كان خرج على نفسه يُعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعَى رياء ومفاخرة؛ فهو في سبيل الشّيطان”. ولذا وجدنا فقهاء الإسلام الكبار يحثّون الأمّة على العمل، فممّا جاء في التراتيب الإدارية للكتاني (2/3): ”وفي عمدة الطالب: طلب التّكسّب واجب، فريضة، ثمّ التّكسّب أنواع: كسب مفروض، وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه ولعياله وقضائه دينه، وكسب مستحب، وهو كسب الزّيادة على أدنى الكفاية؛ ليواسي به فقيرًا أو يجازي به قريبًا، ثمّ قال: إنّه أفضل حتّى من التخلّي لنفل العبادة”. والإسلام أعطى العمال حقوقهم فلا نقص ولا هضم، فقد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} التّوبة:105، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} المائدة:1، وقال تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} الكهف:30، وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} النّحل:90. كما وبيَّن رسولنا صلّى الله عليه وسلّم، حقوق العمال، وحقوق أرباب العمل في الحديث الّذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمُهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثمّ غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره” أخرجه البخاري، ويقول: ”أعطوا الأجير حقَّهُ قبل أن يَجِفّ عرقه”، ويقول: ”إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنه”، ويقول: ”أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك، ولا تَخُن مَن خانك” أخرجه أبو داود. وإنّ الله عزّ وجلّ لم يخلق الإنسان في هذه الحياة ليلهو أو يعبث، ولا ليغتر القويّ بقوته ويطغى بجبروته، ولا ليستكين الضّعيف إلى ضعفه، ويستقرّ الفقير على حاله، ولكنّه سبحانه وتعالى خلق الإنسان وركّب فيه طاقة العمل وأدواته، وسخر له ما في الكون ظاهراً وباطناً في السماء وفي الأرض، ليكون خليفة عن الله في الأرض، يعمل على عمرانها ويسعى في إصلاحها، ويبحث عن أسرار الله التي أودعها جميع ما خلق، ليجني من وراء ذلك قوة الإيمان بالله، وعز الدنيا وسعادة الآخرة . ومن هنا ندعو الشباب بخاصة وأفراد المجتمع عامة إلى العمل وإلى الإنتاج لما يمثل ذلك من دعم للاقتصاد الوطني، كما ونناشد أصحاب المصانع وأرباب الأعمال أن يحافظوا على جودة منتجاتهم كي تبقى دائماً في المقدمة، وأن يعطوا العمال حقوقهم كاملة غير منقوصة، لنرفع من شأننا وشأن مجتمعاتنا. كلية الدراسات الإسلامية / قطر