رغم أني حطيت الرحال بالعديد من الدول الغربية والعربية مرات عدة، إلا أن زيارتي لأرخبيل مالطا كان لها وقع خاص بخاطري، كيف لها وهي الدولة الحالمة الهادئة حتى في ليلها الصاخب، التي لا تفصل الجزائر عن جزيرتها مالطا، المتوجة بعاصمتها “لافاليت”، التي قال عنها الأديب الأسكتلندي السير والتر سكوت إنها “مدينة بناها النبلاء من أجل النبلاء”، سوى 1030 كلم. 50 وجهة لمطار “لوقا” الصغير مسافة الألف كيلومتر مضاف إليها 30 أخرى قطعناها ليلا، عانقنا فيها السحاب، طيلة ساعة و35 دقيقة من الزمن، على متن طائرة الخطوط الجوية المالطية، التي عاد خطها المباشر الرابط بين عاصمة الدولتين للخدمة مجددا، باتجاه المطار الدولي المعروف تحت تسمية مطار “لوقا”، في انتظار توسيع الرحلات الجوية وإطلاق خطين مباشرين جديدين من الجزائر باتجاه جزيرة مالطا، قريبا، وذلك من مطار قسنطينة الدولي محمد بوضياف ومطار وهران الدولي أحمد بن بلة. وصلنا مطار “لوقا” مطلع الفجر، لتستقبلنا أنوار الجزيرة الهادئة رغم كثافة سكانها. ورغم صغر المطار وتواضعه إذا ما قورن بالمطارات الأوروبية الأخرى، إلا أن له تصميما هندسيا خاصا، ويضمن رحلات باتجاه حوالي 50 وجهة، لتظل مالطا وجهة سياحية متميزة يقصدها الكثير من الرعايا الأوروبيين للغوص بين ثنايا الأرخبيل الذي يضم ثلاث جزر مأهولة بالسكان، هي مالطا وغودش، أو غوزو، وكومينو، وجزر غير آهلة بالسكان، وهي كمونات وفلفلة وجزيرة القديس “بولس”. بعد استكمال إجراءات الدخول، قادتنا المركبة التي خصّصتها الخطوط الجوية المالطية ووكالة الأسفار “إيكس ألا ترافل”، إلى فندق “الأنتركونتينتال”، وقد بدأ الفجر بالطلوع، وراحت الشمس تسدل خيوطها الذهبية، ونحن نغوص في شوارع مالطا كثيرا ما شبهناها بشوارع وأحياء وطرق موجودة عندنا في الجزائر، بدءا من العاصمة إلى ولايات شرق البلاد، وأخرى غربها. مواقع أثرية تستقطب أطقم التصوير الهوليودية ودّعنا مرشدنا السياحي الجزائري- المالطي، ألكس فزوين، على أن نلتقي تمام منتصف النهار، لتنطلق المغامرة والغوص بين دهاليز أرخبيل يخفي بين كل مدّ وجزر حكايات وقصص مثيرة عن نبلاء تحوّلوا إلى فرسان، وبين جزيئات مياه فيروزية تروي هجوما لقراصنة سبوا نساءها فكان أهاليها لهم بالمرصاد، وفي معالمه ومواقعه الأثرية أسرار استقطبت أطقم تصوير الأفلام القادمين من هوليود، من بينهم المخرج فولفغانغ بيترسن الذي آثر تصوير مشاهد من فيلمه “طروادة” ب “بلو لاغون” في جزيرة مالطا، ليس فقط لانخفاض رسوم التصوير التي تفرضها الحكومة المالطية، وإنما لبقاء الطبيعة على حالها دون تغيير تقريبا، منذ عهد هوميروس، حيث استطاعت مالطا أن تحافظ على عذريتها عبر مرّ الأحقاب والحضارات، وسحرها المترامي في ريفها، الذي أوجد له مكانا رغم كبر حجم بحرها. ولطالما ارتبط تاريخ الأرخبيل بالصقر المالطي، وهو التمثال الذي دارت حوله أحداث فيلم وقّع عنوانه بالاسم نفسه، من بطولة همفري بوغارت، وإخراج جون هيوستن، ويعتبر واحداً من أفضل أفلام السينما على الإطلاق حسب بعض النقاد الفنيين. اعتزاز بالماضي وقناعة بالحاضر وطموح للمستقبل «قرصاني غنّم.. جاب علجات خواص من حوز مالطا.. الكل عازبات سلمو كياقوتات.. قرصاني علّم فوق يم المالي معلم باسطة.. مصنوع من الوريق الجومان والتقات”.. على وقع القصيدة التي غناها الراحل الهاشمي ڤروابي، ظل المرشد ألكس يرددها.. ابتدأت الرحلة، وهي القصيدة التي تعود بالأذهان إلى وقت كان القراصنة يشنّون هجوماتهم على الجزيرة ويأخذون أجمل بناتها كسبايا، ما جعل الأزواج المالطيين يفضّلون قتل نسائهم عند وصول القراصنة عوض تركهن سبايا. التقينا المرشدة السياحية المالطية مارييلا، التي رافقتنا طيلة مدة مكوثنا في مالطا، تجاذبنا وإياها أطراف الحديث بنزولنا المرسى، الذي يعتبر أكبر ميناء طبيعي في المتوسط، حيث أخدنا وجبة الفطور. وعندما هممنا بالمغادرة وجدنا اللمسة الإنجليزية في مالطا من خلال أكشاك الهاتف التي تشبه أكشاك لندن، ما عدا اللون، ثم اتجهنا صوب قاعة السينما الثلاثية الأبعاد، وهناك غصنا في تاريخ مالطا، المعتزة بماضيها، المقتنعة بحاضرها، والطموحة لمستقبلها.. سافرنا على أجنحة الصقر المالطي، حيث لامست نفحات المياه الزرقاء أديمنا، وداعبت سدائل شمسها أحاسيسنا، واستمتعنا بالإطلالة على شواطئها الرملية الجبلية، إلا أننا عايشنا فرسانها فترات عصيبة كان دوي القنابل يطغى عليها، لكنهم ذادوا عنها وحموا أسوارها، التي ظلت صامدة رغم العدوان والاستيطان. في مالطا تلتقي أوروبا مع إفريقيا، وتتقاطع مع بلاد العرب، إذ تبلغ ذروة الإشباع من حيث آثار الأحداث التاريخية، ولعل السمات العربية مازالت هي الغالبة على الشعب المالطي، وتتجلى في كرمهم وسلاسة تعاملهم مع الغرباء الذين يقصدون بلادهم. وتعتبر السياحة أساس الاقتصاد المالطي، إلى جانب الصناعة الخفيفة، على غرار صناعة الحلي والمجوهرات والفخار، وكذلك التحف اليدوية، إضافة إلى بناء السفن. لافاليت.. بناها النبلاء من أجل النبلاء «لافاليتا” أو “لافاليت” الساحرة، عاصمة جزيرة مالطا، التي شيّدها فرسان القديس يوحنا، عام 1566، محاطة بالبروج والحصون المقاومة لكل الهجمات، لتضم العديد من المتاحف التي لا يمكن غضّ الطرف عنها، وتجمع في أزقتها الضيقة بين كثافة سكانها وهدوئها، إذ يقطنها 1200 شخص في الكيلومتر مربع.. لا وجود لجبال ولا غابات وأنهار فيها، تعاقب عليها الكثير من الحضارات تاركة بصمات راسخة، على غرار الفينيقيين والقرطاجيين والرومان والبيزنطيين والعرب والنورمانديين، وكذا الفرنسيين والإنجليز، وقبلها كلها عاشت هناك حضارة لا يعرف عنها شيء سوى أنها ظلت 7000 سنة، خلّفت معابد حجرية. وتغيب زحمة السيارات في أزقة “لافاليت”، المصنفة ضمن التراث العالمي لليونسكو، كواحدة من بين أهم ثلاثة معالم في مالطا، إلى جانب معبد ميغاليث الذي يعود تاريخه إلى العصر الحجري، ومعبد حال سفلاني الذي يعود تاريخه ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد. ويعتمد على “الكاليش” للقيام بجولة سياحية قصيرة بين أزقة “لافاليت”، أو المشي سيرا على الأقدام، ليجد السائح نفسه في قلب متحف أثري بامتياز مفتوح على الهواء الطلق، يطل على ميناء “جراند” شرقا وميناء “مرسى ميكست” غربا، وهي التي تشتهر بسورها الكبير الذي بني حولها لحمايتها من الغزوات الأجنبية التي كانت تتعرض لها في قديم الزمان، ويطلّ على مرفأ العاصمة الذي لا يزال هو الآخر شاهدا على المعارك التي خاضها أهل الجزيرة ضد الغزاة. وتتالى على ساحة “لافاليت” العديد من القلاع التي تعود إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر، لا تزال صامدة تروي للأجيال المتعاقبة تاريخها الضارب والممتدة جذوره في عمق الأطناب، والكثير من المعالم الأثرية التاريخية، والهندسة المعمارية المتميزة، والمنازل القديمة التي لم يدخل عليها أي تغيير، لتحافظ على شرفاتها الخشبية التي تشدّ الأنظار، واختير لها اللونان الأخضر والأزرق. كاتدرائية القديس يوحنا متحف فريد بالعاصمة الساحرة الولوج إلى العاصمة التي بناها النبلاء يكون من البوابة الرئيسية، حيث تتراءى الساحات والقصور والكاتدرائيات تباعا، ليبوح كل ركن من أركان الأحجار المتراصة بألف سر وسر، على غرار قصر أوبيرج دو كاستيل الذي يضم مكتب أول رئيس وزراء مالطا، وكاتدرائية القديس يوحنا المشتركة، والتي تعتبر متحفا فريدا له أهمية دولية يزخر بكنوز ثقافية، ويعود غناها التاريخي وتنوع وكذا تميز إرثها الفني والمعماري إلى أكثر من 200 سنة، حيث شيّدت بالرخام الطبيعي الذي استورد من اليونان وإيطاليا، ليجد زائرها نفسه أمام هندسة معمارية مبهرة، ولوحات تشدّ الأنظار، على غرار لوحة كارافاجيو المذهلة، وقطع رأس القديس يوحنا، إضافة إلى القصر القضائي الذي بني بين 1572 إلى غاية 1580م، وكان يستخدم كمركز رئيسي لإدارة الشؤون السياسية، ليتحوّل فيما بعد إلى مقر رئيس الجمهورية الحالي، ويدخل الزوار القصر عبر بوابة ضخمة، يليها رواق طويل للوصول إلى بلاط بنتون المتواجد أسفل القصر. ومن المعالم الأثرية أيضا المتواجدة هناك بقايا دار الأوبرا التي مسّها الدمار أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت قبل ذلك تحتضن أهم العروض الفنية في مالطا، إلى جانب المتحف الوطني للفنون الجميلة، ذلك القصر الذي يعود تاريخ تشييده إلى القرن الثامن عشر، وبه مجموعة من التحف الفنية التي جسدت بأنامل نخبة من الفنانين، وكل الأشياء التاريخية التي لها علاقة بفرسان القديس يوحنا، وفي ساحة الأمير يرتفع برج كبير فيه ساعة تحمل اسم بنتو، ليس للزمن فقط وإنما للتواريخ بعدد الأيام والأشهر كذلك. وقبل تشييد العاصمة الحالية لمالطا، كانت عاصمتها القديمة هي “المدينة”، التي مازالت قائمة حدّ الساعة بآثارها التاريخية، ويعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر. ونحن نجوب شوارع العاصمة، توقّفنا عند بوابة وزارة الخارجية، وعكس البناية المتواجدة في الجزائر والتي يمنع التصوير على مقربة منها، التقطنا صورا للذكرى عند بوابتها الضخمة التي تظل مفتوحة إلى غاية انتهاء أوقات العمل، وهو ما كان أيضا عند مدخل الوزارة الأولى. وبقدر ما تعتبر “لافاليت” المركز التاريخي الأثري، فهي مركز تجاري وقطب للأعمال أيضا، إذ توجد بها العديد من المحلات، سواء لبيع التذكار أو الملابس أو الحلي، وخاصة الفضية منها، ومن المرتقب أن تكون “لافاليت” بعد 4 سنوات من الآن، أي سنة 2018 عاصمة للثقافة الأوروبية. بغيلا ومقاريط.. أكل حلال ومزيج لغوي تغلب عليه العربية في حديثنا مع مارييلا وألكس، الذي لا تفارقه روح الدعابة والفكاهة، ونحن نأخذ وقتا مستقطعا تذوّقنا خلاله أشهى أنواع الحلويات والعصائر، وكذا الجبن المالطي التقليدي، إلى جانب “البغيلا” الشهيرة، التي هي عبارة عن طبق تقليدي مجهز من الفول المالطي اللين المسحوق، تضاف إليه جملة من التوابل والحشائش، ما يعطيه نكهة وذوقا متميزا جدا، كما كان لحاسة الذوق لدينا لقاء مع المقاريط، وهي حلويات تقليدية مشكّلة من العجين والتمر المعجون، تؤكل ساخنة مباشرة بعد إخراجها من الفرن، وهو ما لم نستصغه، كون جداتنا عادة ما ينصحننا بأكل الحلويات بعد أن تبرد. اكتشفنا العديد من النقاط المشتركة، سواء في العادات أو التقاليد، أو حتى في اللغة، التي أبدا لن يجد السائح الجزائري عائقا فيها لدى وصوله إلى هناك، خاصة وأن اللغة المالطية مزيج سلس من اللغات، تمتزج فيها العربية التي تمثل حوالي 70 في المائة منها، بالإيطالية والإنجليزية، لتتمخض عنها لغة مالطية بعيدة عن التعقيد. “كل هبز” أي “آكل الخبز”، “اشرب إلما بالغاز أو إبلا غاز”، أي “أشرب ماء طبيعي أو غازي”، “تريق” أي “طريق”، “مرهبا” أي “مرحبا”، “تِفاح، دِلاع” وغير من تسميات الفواكه التي هي لغة عربية مع فارق في النطق فقط، وكذا الأرقام والعديد من المصطلحات والجمل التي تطغى عليها اللغة العربية. وأتذكر أني حينها استرسلت كون الفواكه تسمى باللغة العربية، فرحت أضيف أن الموز يسمى “بنان”، بكسر الياء، ما جعل مرشدنا يطلق ضحكة هستيرية. وعلى كل، فإن السائح العربي عموما، والجزائري أيضا، لن يجد إطلاقا مشكلا في اللغة المستعملة، بل سيكون مرتاحا جدا، خاصة وأن اللغة التي تعتبر عائقا في العديد من الدول التي ورغم ارتفاع السياحة فيها لا تزال متمسكة بلغة محلية فقط، هي آخر شيء قد يعيق صفو السائح في مالطا. هنا تجد جميع مطابخ العالم، من آسيوية حيث يمكن الاستمتاع بمذاق “السوشي” الياباني و«التندوري” الهندي، أو إفريقية أو أوروبية، ويمكن أيضا تذوّق أشهى أنواع السمك، خاصة وأن مالطا تعتمد على الثروة السمكية، لكن دون غضّ النظر عن اللحم الطازج والدجاج الشهي، خاصة وأن مالطا الآن، وشأنها في ذلك شأن العديد من دول العالم، تتجه نحو ذهنية الأكل الحلال، إذ بإمكان السائح العربي عموما والجزائري خصوصا طلب الأكل الحلال في أي مطعم يقصده. تأثير كنائسي وطلاق ممنوع إلى وقت غير بعيد ويظل تأثير الكنيسة قويا جدا في مالطا، من خلال معالم كنسية ومسحة دينية كاثوليكية، إذ لا يتواجد بمالطا سوى مسجد واحد فقط، يسمى مسجد “مريم البتول”. وإلى وقت غير بعيد لم يكن هناك طلاق بمالطا، إذ كان الأمر ممنوعا منعا مطلقا، نظرا للتأثير الهام والكبير للكنيسة الكاثوليكية في البلاد، والتي ترى في الزواج علاقة أبدية، فالارتباط يكون مرة واحدة في العمر، لذا لا يقترن الرجل بشريكة حياته إلا بعد أن يقتنع كل طرف بإمكانية العيش مع الآخر، إلا أنه ومنذ سنة 2011 أدخلت بعض التعديلات تسمح بالطلاق لكن دون السماح بإعادة الزواج، وهو الأمر الذي يجعل نسبة الطلاق في البلد ضئيلة جدا. ولعل أكثر ما أثّر علينا ونحن في الحافلة بمالطا هو النظام المروري، إذ انتابنا الخوف في العديد من المرات، كوننا تعوّدنا القيادة على يمين الشارع في الجزائر، فيما يعتمد البلد على النظام الإنجليزي، والمتمثل في القيادة على يسار الشارع. ولا يقيم في مالطا إلا عدد قليل من الجزائريين يتعارفون فيما بينهم، فمن بين 400 ألف نسمة لا يتجاوز عددهم 20 جزائريا، يتوزعون بين قطاعي الصيد البحري والخدمات، إلى جانب عمالة من مختلف الدول العربية، ومنهم الليبيون والتونسيون، وقلة من المغربيين والمصريين. ليالي السهر والسمر بجزيرة مالطا لا تختلف كثيرا عن غيرها في الدول الأوروبية، لكن المفارقة تكمن في جمعها بين متناقضين لا يلتقيان في مكان آخر غيرها، إذ رغم صخب سهراتها إلا أنها تتميز بهدوء غير طبيعي، كما أنك قد تجد مقاه عربية على قلّتها، مثلما كان عند أحد الرعايا المصريين المقيمين هناك، والذي اختار أن يكون مقهاه التقليدي، الذي يضم مجموعة من الأفرشة الموضوعة على الأرض، مفتوحا على الهواء الطلق بين فندق “الأنتركونتنونتال” وأحد المراكز التجارية، يقصده الأوروبيون للتعرف على التقاليد العربية، يطلبون “شيشة” أو شاي ومكسرات، أو حتى مأكولات مصرية تقليدية، وعادة ما تنطلق على الساعة الثامنة ليلا سهرة راقصة، توقّعها راقصة روسية بإيقاعات مصرية، لا تتوقف إلا عند منتصف الليل. كما أن مناخ البلاد هو مناخ البحر المتوسط، فمعدل درجات الحرارة الشهرية يتراوح ما بين 12 و26 درجة مئوية، بينما يستقر المعدل السنوي على العموم عند 19 درجة مئوية. رحلة بحرية إلى الشقيقة “غوزو” في ظرف 25 دقيقة في اليوم الموالي لإقامتنا ب«الأرخبيل الحلم”، الذي يجد فيه السائح راحته المنشودة، قررنا زيارة جزيرة “غودش” التي يقال إنها التسمية العربية القديمة لشكل السفينة، والمسماة أيضا “غوزو”، الواقعة جغرافيا في قارة إفريقيا، وسياسيا ضمن قارة أوروبا، ولا تتعدى مساحتها ثلث جزيرة مالطا، ويقطنها 30 ألف شخص، أغلبهم من أستراليا وكندا. ركبنا الباخرة التي تعمل على مدى 24 ساعة، وطيلة أيام الأسبوع، باعتبارها وسيلة النقل الرابطة ما بين الجزيرتين الشقيقتين مالطا وغوزو، وهناك وجدنا أن الانتقال من الأولى إلى الثانية يكون مجانيا، فيما يدفع العائد إلى مالطا مبلغا لا يتعدى 4 دولارات. اجتزنا المياه الزرقاء الفاصلة بين الجزيرتين في ظرف زمني لم يتعد 25 دقيقة.. رحلة استمتعنا خلالها برؤية الزبد الذي كانت تخلّفه السفينة التي كانت تنقل الأشخاص والمركبات والسلع، وهي تشقّ طريقها نحو مرفأ “غوزو”، وجملة الحصون المتناثرة هنا وهناك، والتي كان الفرسان يقبعون فيها قديما عند هجوم العدو. وصلنا “غوزو” التي وجدناها أكثر اخضرارا وذات مناظر طبيعية متوحشة وخلابة وجذابة في الآن نفسه؛ تتمتع بخصوبة أراضيها على قلّتها، إلا أنها تساهم في الاقتصاد المالطي بشكل كبير، والذي يعتمد جزء منه على تصدير المحاصيل الزراعية من بطاطا تصدّر أغلبها نحو هولندا التي تقتني ما مقداره 3 محاصيل قبل حتى جنيها، وبصل وفول مالطي لين، كما أحسسناها أكثر هدوءا من شقيقتها، بحكم قلّة ساكنيها. المغارة الزرقاء.. لوحة فسيفسائية يتدرّج فيها الأزرق وتنبعث منها سيمفونية الحياة نزلنا صوب المغارة الزرقاء، المتواجدة بدورجة، فتراءت لنا صرحا طبيعيا خلابا مازال محافظا على عذريته، أوجدته الطبيعة.. ركبنا زورقا وعبرنا تحت كهف تلتطم وتنكسر الأمواج التي تحاول عبثا أن تعلو على جدرانه، والتصقت حبات من المرجان الأحمر على حيطانه، وإذا به يضيق عند المخرج الذي لا يمكن لأي كان المرور منه بواسطة زورق، إلا إذا كان متمرسا. فجأة انحبست أنفاسنا ونحن نطل على عالم فسيح، داعبت فيه نسائم البحر مشاعرنا. لوحة فسيفسائية صبغتها ألوان بحر عميق انطلق من عمق 25 مترا، أخذت مياهه من الأزرق نفحة متناغمة متقاربة متباعدة في الوقت نفسه، إذ تتزاوج الألوان الزرقاء وتتدرج ما بين الفاتحة والغامقة، لتبعث الأمواج سيمفونية للحياة، تقابلها النافدة الزرقاء التي أقل ما يمكن القول عنها إنها لوحة من صنع الخالق، لا يمكن إطلاقا أن تبدعها ريشة أكبر الفنانين، ويصل عمق البحر عندها إلى 50 مترا، ليطل من أعلى الجبل المحيط بالمغارة الزرقاء تمساح حجري، وغير بعيد عنه صغيره. بعد جولة على متن الزورق غادرنا المغارة الزرقاء، وتوجهنا صوب أحواض الملح، المتواضعة في شكل مستطيلات كبيرة الحجم، وهناك التقينا مدير فندق بالجزيرة رفقة مديريه التنفيذيين في خرجة استكشافية بحثا عن الكنز المدفون، التي تتحدث عنه الأساطير، حيث انبطح المديرون الأربعة أرضا واضعين رؤوسهم في نقطة واحدة وفاتحين أرجلهم مجسدين صليب مالطا ذا الرؤوس الثمانية. لم نتمكن من زيارة جزيرة كومينو، لكننا عرفنا، حسب ما أخبرنا به ألكس، أن زوجا فقط يقيم عليها، لصغر حجمها. أسعار تنافسية مقارنة بدول أوروبية أخرى تظل الأسعار المعتمدة للإقامة في أرخبيل مالطا، بمختلف جزره، على وجه الخصوص الجزيرتين الشقيقتين، مالطا وغوزو، تنافسية جدا مقارنة بالوجهات الأوروبية الأخرى، إذ لا تكلّف الإقامة في مالطا، بوابة أوروبا، أكثر من 47 ألف دينار، بفندق 3 نجوم في شهر مارس، وذلك لمدة أسبوع كامل، باحتساب تكلفة التذكرة أيضا، ليرتفع مع اقتراب موسم الصيف تدريجيا، إذ تقدّر ب52 ألف دينار في أفريل و65 ألف دينار شهري ماي وجوان، وتصل في جويلية إلى 70 ألف دينار، لتكون الذروة وهي 82 ألف دينار شهر أوت، ثم تعود الأسعار إلى التراجع مجددا فصلي الخريف والشتاء، مع تسجيل عودة الارتفاع مجددا نهاية السنة. كما يمكن للزائر قضاء نهاية الأسبوع هناك، أو الالتحاق برحلات الاستكشاف وزيارات الاستجمام والراحة، وتقام بمالطا رحلات جماعية للمؤسسات، ورحلات خاصة بتعلّم اللغات تتراوح بين أسبوعين وسنة واحدة، لتواجد واحدة من أكبر جامعات تعليم اللغة الإنجليزية هناك، أضف إلى ذلك إمكانية الإقامة بمراكز العلاج بمياه البحر أو الاستجمام على ضفاف جزيرة غوزو. ومن المرتقب أن تطلق الخطوط الجوية المالطية، شهر سبتمبر المقبل، خطا جويا مباشرا جديدا، يربط ما بين الجزائر ومالطا وصقلية الإيطالية.