ممّا يلاحظ أنّ المسلمين يتفاعلون مع شهر رمضان بشكل كبير ويفرحون بقدومه ويستعدّون له ويهتمون به اهتمامًا كبيرًا، وهو شيء جميل ومحبّب أن يهتم المسلم بهذه العِبادة العظيمة، لما في ذلك من الأجر العظيم والمغفرة. لكن الّذي ينبغي أن يعلمه المسلم أيضًا هو أنّ أوامر اللّه تعالى كلّها ونواهيه ينبغي أن يهتم بها بالقدر نفسه ويعطيها الأهمية نفسها، ولا يفرّق بين عبادة وعبادة وأمر وأمر، لأنّها كلّها مصدرها واحد، هو اللّه تعالى ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم المبيّن عنه؛ فالذي أمرك بالصّيام وحثّك عليه هو الّذي أمرك بالصّلاة والمحافظة عليها وأدائها في وقتها، وهو الّذي أمرك بالحجّ وأمرك بالصّدقة وأمرك بالجهاد وأمرك بغضّ البصر عن المحارم وأمرك بكفّ الأذى عن النّاس والإحسان وإليهم والتودّد لهم، وهو الّذي نهاك عن شرب الخمر وعن أكل الرّبا وعن الخيانة وعن أكل أموال النّاس بالباطل وغير ذلك من الأوامر والنّواهي، فلماذا تعطي أخي المسلم كلّ اهتمامك وطاقتك لهذه العبادة وتهمل العبادات والأوامر الأخرى وتفرّق بين عبادة وعبادة وأمر وأمر ونهيّ ونهيّ؟ إنّ هذا السّلوك هو الّذي نعاه اللّه تعالى على بني إسرائيل عندما قال لهم: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}، فالّذي يأخذ ببعض العبادات والأوامر ويترُك غيرها فكأنّه يؤمن ببعض الكتاب ويكفر بالبعض الآخر. والإسلام يَمتاز بأنّه وحدة واحدة لا فرق بين عبادة وعبادة وأمر وأمر، لذلك كان الجزاء على هذا السّلوك شديدًا عند اللّه تعالى، فقد قال اللّه تعالى في مصير مَن يأخذ ببعض الكتاب ويترك بعضه الآخر: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}، وقال نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم في تعريف المفلس: ِ«إن الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصِيَامٍ، قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْضَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ”.