في مثل هذا الشهر من سنة 2012، اهتزت منطقة الضيافات التابعة لبلدية أوريسيا شمال ولاية سطيف، على وقع جريمة قتل شنعاء بعد العثور على جثة امرأة غارقة في دمائها إثر تعرضها للذبح، ملقاة بمفرغة مليئة بالقاذورات بأحد المنحدرات. جريمة لا تعرف أبعادها ولا أسبابها، تركت شرخا كبيرا وسط جميع أساتذة جامعة سطيف، ولم يفهم سبب إقدام رجل على قتل زوجته الأستاذة الشابة في أول أيام زفافهما. انتقلت الأستاذة الجامعية إلى رحمة ربها وهي في أبهى حلتها، وفي قمة السعادة رفقة الرجل الذي اختارته شريكا لحياتها، عندما كانا في طريقهما إلى مدينة بجاية لقضاء شهر العسل. زفاف وأفراح ثم عويل ونواح عبير تباني، شابة في ال24 من عمرها، تنحدر من بلدية رأس الواديببرج بوعريريج، طالبة بالسنة أولى ماجستير بقسم الإعلام الآلي جامعة سطيف، وتدرس أيضا في جامعة برج بوعريريج. كانت عبير من أنجب التلاميذ، حيث تحصلت على شهادة البكالوريا في 2005 بامتياز وزاولت دراستها الجامعية في جامعة فرحات عباس بمعهد الإعلام والاتصال، حيث خلقت لنفسها مكانة خاصة بين أساتذتها وزملائها لكثرة نشاطها وحيويتها، ناهيك عن النتائج الممتازة التي تحصلت عليها، إذ كانت من الأوائل على مستوى دفعتها. وبعد حصولها على شهادة الليسانس بجدارة واستحقاق شاركت عبير في مسابقات الماجستير، حيث فازت في اثنتين الأولى ببسكرة والثانية في الجزائر العاصمة، وتحصلت على وظيفة جامعية.. كانت تتمنى أن تصبح باحثة جامعية من أجل المساهمة في رفع مكانة الجامعة الجزائرية. وككل النساء الشابات في عمرها، تقدم لخطبة عبير الكثير من الشباب، لكنها كانت في كل مرة ترفض الزواج لحجج عديدة، وفضلت أن تختار من يميل إليه قلبها. ورغم أنه يعمل سباكا وحرفيا بمدينة رأس الوادي، اختارت عبير أن تعيش مع جلادها البالغ من العمر 32 سنة ما تبقى من حياتها، ولم تكن المسكينة تدري أنها لن تقضي معه سوى أيام قليلة. اتفق العروسان على كل شيء، حيث أقيمت وليمة الزفاف في حفل بهيج جمع شمل أفراد وأقارب العائلتين بمدينة رأس الوادي، وحضر أهل العروس ظهر يوم الجمعة إلى بيت العريس حسب التقاليد، وبدا كل شيء عاديا للغاية. وكما كان مخططا له قبل الزفاف، اختار العروسان مدينة بجاية لقضاء شهر العسل حسب الإمكانات المتاحة.
الجريمة.. توجه الزوج إلى وكالة لتأجير السيارات، وقام بكراء سيارة من نوع “سامبول”، وبعد استكمال ترتيبات السفر استقل السيارة وعروسه وما إن وصلا إلى المنطقة المسماة “ضيافات” بالقرب من مدينة أوريسيا على بعد حوالي 15 كلم عن مركز مدينة سطيف توقفت السيارة. استل المجرم سكينا كبيرا كان تحت المقعد الخاص بالسيارة، وفاجأ الضحية بتوجيه طعنة إلى رقبتها.. المسكينة ظلت تقاوم الموت إلى آخر لحظة، حيث أكدت التحقيقات أن يد الضحية قطعت جراء مقاومتها للقاتل، فشلّ الجاني حركتها بقطع يدها قبل أن يذبحها. وبمجرد أن تأكد أن روحها قد فاضت إلى بارئها، أراد أن يخفي معالم الجريمة التي أثارت الرأي العام، فأخرجها من السيارة وقام بدفعها ودحرجها إلى البرية، ثم رماها في إحدى مكبات النفايات، ليتركها هناك جثة هامدة تعيش لحظات دخول العالم الآخر لوحدها، مرتدية أبهى ثيابها ومزينة بالذهب والخلاخيل وكل ما طاب من العطور.
الجاني يطعن في شرف الضحية والأدلة تكذب بمجرد دخول الجاني إلى قفص الاتهام في محكمة سطيف، لم يكن المشهد عاديا، فقد تعالت أصوات صراخ عائلة الضحية، فوالد عبير وأشقاؤها لم يتحملوا رؤية المجرم يسير على قدميه بعد أن أخمد روح حبيبتهم عبير، وهو مشهد رقت له قلوب كل من كان داخل قاعة المحاكمة. حاول الجاني “رمزي. ر”، 32 سنة، إقناع هيئة المحكمة بأنه كان في حالة دفاع عن الشرف من أجل كسب معركة تخفيف الحكم، معترفا بأنه كان على علاقة مع الضحية لأزيد من عشر سنوات خلت، لكنه في ليلة العرس تفاجأ بأمور لم يكن يتوقعها. واسترسل الجاني قائلا إنه لم يجد ما يتستر به على الفضيحة سوى إقناع عروسه بالذهاب إلى مدينة بجاية لقضاء شهر العسل، ثم الاتفاق على إجراءات الطلاق بعد العودة. في صبيحة اليوم الموالي خرجا من مدينة رأس الوادي بولاية برج بوعريريج باتجاه بجاية، وفي طريقهما بمنطقة الضيافات، نشب بينهما شجار كلامي حول نفس الموضوع، جعله يفقد أعصابه ويسلك طريقا ترابيا، حيث ركن السيارة وطلب منها النزول، وبعد رفضها استلّ سكينا موجها لها ضربة على مستوى العنق، ورماها على حافة الطريق ليعود إلى بيته ويخبر شقيقه بالجريمة.
الإعدام للقاتل واجه دفاع الضحية المتهم بأدلة تثبت عكس ما جاء به، مقدما شهادات لأطباء أخصائيين تثبت عذرية الضحية أياما قليلة قبل زفافها، كما أثبتت شهادة الطبيب الشرعي أن الضحية تعرضت للذبح بوجود جرح عميق أدى إلى قطع شرايين العنق، وإصابات سكين على مستوى الظهر والساعد الأيمن واليد اليمنى، وهي الدلائل التي تؤكد أن الضحية كانت تقاوم، بالإضافة إلى لكمات على الوجه، وتعرضها إلى السحب على الأرض بعد ما دهسها بالسيارة، كما حاول الجاني رميها داخل بئر على مقربة من مسرح الجريمة لوجود دم على حافة البئر. ممثل النيابة أكد أن كل الدلائل تؤكد أن الجاني كان عازما على المضي في جريمته، بدليل أخذه السكين من مطبخ البيت وتنكيله بالجثة، معتبرا ذلك جرما يعاقب عليه العرف والقانون، ما جعل هيئة المحكمة تسلط عقوبة الإعدام في حق الجاني.
المختصة في علم الإجرام الاجتماعي هميسي سامية المستوى الدراسي للزوجة عقّد الجاني نفسيا أدرجت المختصة في علم الإجرام الاجتماعي، والخبيرة في العلاقات الأسرية، الأستاذة هميسي سامية، في اتصال ب”الخبر”، هذا النوع من المجرمين في خانة المنتقم الاجتماعي، مشيرة إلى أن الجاني في هذه الجريمة يعاني من اضطراب في شخصيته تجاه الزوجة التي تفوقه في المستوى الدراسي، وهذه العقدة نمت في نفسيته إلى درجة أنه أصبح يشعر بضعف كبير أمام زوجته، ما دفعه إلى الانتقام من المجتمع بقتلها. وأضافت المختصة موضحة بأن “الجاني تخلص من الضحية بعد أياما قليلة من زواجهما، بعدما ملأ الحقد قلبه، وهو ما يعكس عدم تقبله المستوى الثقافي والاجتماعي العالي لزوجته، وجعل الغيرة تتفاعل وتتراكم في نفسيته إلى أن عبّر عنها بإنهاء حياة زوجته للتخلص من الحالة النفسية التي أرهقته كثيرا. وأشارت المتحدثة إلى أن الجاني هيأ لمسرح الجريمة بإحكام، حيث قام بإبعاد زوجته عن الأنظار، مستغلا ثقتها، بعد أن ألّف قصة من نسج خياله للتستر على فعلته وطمس الحقيقة، وهو ما يعكس ترصده وإصراره للتخلص منها ظنا منه أنه لن يتابع قضائيا. وختمت المختصة بالقول إن هذا النوع من الجرائم يصعب تحليله قانونيا واجتماعيا، لأنه يرتكز أساسا على خبايا نفسية كبتها المجرم طيلة المدة التي ربطته بالضحية، وترجمها فيما بعد بقتلها، بعدما أصبحت تشكل له مصدر إزعاج نفسي حاد. الجزائر: محمد الفاتح عثماني