لقد أرشدنا سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: ”مَن جعل الهموم همًّا واحدًا هَمّ المعاد كفاه الله هَمّ دنياه، ومَن تشعّبَت به الهموم في أحوال الدنيا لَمْ يُبَال الله في أيّ أوديته هلك” رواه ابن ماجه. وفي رواية: ”مَن كان هَمُّه الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة، ومَن كانت نيته الدنيا فرّق الله عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلاّ ما كتب له” رواه أحمد. روي أنّ الحسن رضي الله عنه قال: (فَمَن تكُن الآخرة همُه وبثّه وسدمه يكفي الله ضيعته ويجعل غناه في قلبه، ومَن تكُن الدنيا همّه وبثّه وسدمه يفشي الله عليه ضيعته ويجعل فقره بين عينيه، ثمّ لا يصبح إلاّ فقيرًا ولا يمسي إلاّ فقيرًا” أخرجه الدارمي. إنّ الهموم الدنيوية كثيرة ومتشعّبة، منها: همّ الدراسة، الرزق، الوظيفة، حاجات الأسرة، أعطال السيارة، مشاكل الأبناء، أخبار الفريق الكروي و.. أمّا هموم الآخرة فهي: أحوال المسلمين، عذاب القبر، أهوال القيامة، المصير إلى الجنّة أو إلى النّار، تربية الأبناء، كيفية القيام بحقوق الوالدين، همّ الدَّيْن وسَدَاده للخُلوص من حقوق العباد.. فما هو الهمّ الأوّل الّذي يُسيطر على حياتنا؟ يُجيبُنا عنه سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: ”ولا تجعل الدنيا أكبرَ همّنا ولا مبلغ علمنا” رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب. فَمَنْ أراد أنْ يعرف الهَمَّ الأكبر الّذي يشغل ذهنه، فلينظُر في أحواله: ما الّذي يُفكّر فيه قبل نومه أو في صلاته؟ ما الّذي يفرحه ويحزنه؟ ما الّذي يغضبه؟ ما هي أمنياته؟ بماذا يدعو الله في سجوده؟ ما الّذي يراه في منامه وأحلامه؟ ما الأمر الّذي يؤثّر تأثيرًا مباشرًا في قراراته كاختيار الزّوجة ومكان السّكن، هل هو الجمال وإيجار الشقة أم الدّين والجوار من المسجد؟ وهكذا.. إنّ التّبصُّر في ذلك كلّه يدلك على الهم الأوّل أو الأكبر في حياتك، فتعرف حينذاك أنّك ممّن أهمّته دنياه أو أخراه. ألاّ ترون أنّ سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، طوال حياته، كان فرحه للآخرة وحزنه وغضبه كذلك، فعن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: ”ما انتقم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنفسه إلاّ أن تنتهك حُرْمَة الله فينتقم لله بها” رواه البخاري ومسلم. لقد بقي هَمُّه الدَّيْن صلّى الله عليه وسلّم حتّى آخر حياته، فعَن سيّدنا عليّ رضي الله عنه قال: كان آخر كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الصّلاة الصّلاة اتّقوا الله فيما ملكت أيمانكم” أخرجه أبو داود وابن ماجه.