تختلف هذه الانتخابات عن انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في 2011، بالنظر إلى أن رموز النظام السابق أعادت تنظيم نفسها وستشارك في الانتخابات التشريعية والرئاسية بعناوين مختلفة، وهو ما لم يكن متاحا لها في وقت سابق، وهذا ما دفع الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي إلى اعتبار هذه الانتخابات بأنها تجري بين “أنصار الثورة وبين أنصار الثورة المضادة”. وأظهرت نتائج سبر الآراء بأن حركة النهضة الإسلامية لازالت في صدارة الأحزاب المرشحة للفوز بالانتخابات التشريعية، بالرغم من عدم تقديمها لمرشح لها في رئاسيات نوفمبر المقبل، حيث سبق لها وأن فازت في انتخابات المجلس التأسيسي بنحو 37 في المائة من الأصوات، يليها حزب “نداء تونس” بقيادة الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة الأسبق ووزير داخلية بورڤيبة، الذي تمكن من تجميع أكبر تكتل من الأحزاب الصغيرة المنبثقة عن حزب التجمع الدستوري (الحزب الحاكم في وقت بن علي) وبعض الأجنحة اليسارية والنقابية، في خليط غير متجانس واجهت عدة استقالات وصراعات بين مختلف أجنحته وعصبه. غير أن الملاحظ في المشهد السياسي الانتخابي تراجع الوزن السياسي لشريكي حركة النهضة في الترويكا، حيث فقد كل من حزب المؤتمر من أجل الجمهوري الذي كان يتزعمه الرئيس منصف المرزوقي وحزب التكتل بقيادة مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيس نحو نصف عدد نوابهما الذين إما شكلوا كتلة برلمانية منفصلة، أو انضموا إلى أحزاب أخرى، بالرغم من أنهما احتلا المرتبتين الثانية والرابعة في آخر انتخابات برلمانية، ما يدفع إلى التساؤل إن كانا قادرين على منافسة “حزب نداء تونس” الذي يتهم بأنه يمثل “التجمعين” أو ما يسمى “بالثورة المضادة”، سواء في التشريعيات أو في الرئاسيات. لكن الشخصية المرشحة لإحداث مفاجأة هو الدكتور محمد الهاشمي الحامدي، زعيم تيار المحبة أو العريضة الشعبية سابقا، والذي فاجأ الجميع في انتخابات المجلس التأسيسي بحصوله على المرتبة الثالثة من حيث عدد النواب، والثانية من حيث عدد الأصوات، ولكن معظم النواب تفرقوا من حوله ولم يبق معه سوى نحو 7 نواب من أصل أزيد من 20 نائبا، ولهذا يرفض الحامدي الذي يقيم في بريطانيا ويملك قناة “المستقلة” إنشاء حزب سياسي قد ينقلب عليه في يوم من الأيام. ورغم الحصار الإعلامي الذي يتعرض له الحامدي في تونس، إلا أنه يظهر بشكل مكثف في قناة “المستقلة” ذات الإمكانيات المحدودة، إلا أنها على ما يبدو ذات تأثير على الناخبين في تونس. أما همة الحمامي المرشح للرئاسيات المقبلة، فيقود تحالفا لخمسة أحزاب يسارية وبعثية يدعى “الجبهة الشعبية” والذي لعب دورا بارزا في حشد الشارع للإطاحة بحكومتين بقيادة حركة النهضة، ولكن “الجبهة الشعبية” مجرد تحالف لأحزاب نخبوية صغيرة تفتقد لقاعدة شعبية كبيرة، لذلك من المستبعد أن يحصد الأغلبية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولكنه رقم صعب في المعادلة السياسية في تونس. جدير بالذكر أن 1327 قائمة انتخابية تتنافس للفوز ب217 مقعدا برلمانيا، حيث بلغ عدد المسجلين في القوائم الانتخابية نحو 5 ملايين من أصل 8 ملايين وصلوا سن التصويت في بلد يعد 11 مليونا من سكانه.