نَعلم أنّ المكتبات هي أعمدة المؤسّسات الثّقافيّة؛ ونَعلم أيضًا أنّ أمناء المكتبات يسعون لتحفيز النّاس على القراءة من أجل اكتساب معارف في كلّ حين ونشر الوعي العامّ؛ لكن ما يحدث في الواقع عبر كثير من المؤسّسات الثّقافيّة، لا سيما المكتبات العموميّة الّتي تفرض “غرامة على القراءة” في “ساحة القراءة”؛ وهذا ما جعل تلاميذ وطلبة وأساتذة وباحثين يتساءلون: لماذا ندفع 300 دج من أجل بطاقة لا تُقبل في مكتبات أخرى في المدينة نفسها؟ أُجيب بأسئلة: أليس هذا حَجرًا على الكتب؟ أليس هذا جدارًا ضدّ المعرفة؟ لماذا يُخنق عُشّاق المطالعة بهكذا أساليب بدائيّة؟ ألا يَعلمُ القائمون على المكتبات العموميّة أنّ الباحث يشتاق للقراءة كلّ وقت؟ ألا يعلمون أنّ الكِتاب يعشق القارئ الّذي يُجيد ملامسة كلماته؛ ويُداعب حروفه؛ ويبتسم للسّطر تلو السّطر حبًّا في معرفة تُنير دروب الحياة لا ظلامًا يَضع القيود على الألسنة في “جبهات القراءة”؛ القارئ هو إنسان يعرف جهد الكاتب.. هل يُعقل أن يَمنع أمين مكتبة عموميّة مواطنًا من القراءة في “زمن العلوم والمعارف والتّكنولوجيا”؟ أَمْ يُراد لأزهار الجهل أن تنمو سريعًا في مجتمع يحتاج القراءة غذاءً وشرابًا وهواءً؟ تصوّروا أنّ سائحًا أو عابر سبيل أراد القراءة في مكتبة عموميّة؛ هل نرفض طلبه ونقول له: أنتَ أجنبيّ؛ ونبرّر ذلك ببطاقة مكتبة؟ حين تُمنع القراءة في مراكز القراءة ذاك عار ما بعده عار؛ هل يُعقل أن تُغلق مكتبة المسجد؛ وفيها أوّل آية قرانيّة “اقرأ”؟ هل اكتفى النّاس قراءة؟ وهل انتهى “زمن القراءة”؟ وهل “للقراءة خطوط حمراء”؟ في كلّ المجتمعات توجد فئات عاجزة عن شراء كُتيّب ولا أقول كِتابًا.. أرى هذا تضييقًا على الكاتب والكِتاب والقارئ والمكتبة والباحث في آنٍ؛ دعوا القراءة دون مال كي لا يميل النّاس إلى الجهل دون مال.. أرجو أن لا تُغتال المعرفة فنُخنق الثّقافة ونبتعد عن الحضارة؛ دعوا القارئ يعانق الكِتاب كما يشاء؛ ويحتضنه كما يشاء؛ فهو عاشقه بألف جرح؛ لا تخافوا على حبيب من حبيب؛ عاشق الكُتب لا يُحسن تمزيق الأوراق؛ اختاروا بوّابين معادين للأُمّيّة عُشّاقًا للقراءة؛ يُجيدون مداعبة أوراق الكِتاب بلطف.. افتحوا مكتبات المطالعة تُغلق أبواب الجهل؛ إنْ تنصروا الكاتب والكِتاب والقارئ تنصروا المعرفة والثّقافة والوطن والحضارة؛ القراءة قارب نجاة للبلدان من براثن التّخلّف؛ القراءة سراج منير للبشريّة. حين نسمع عِبارة “لستَ منخرطًا في المكتبة”؛ نسأل: أليس هذا عقابًا جماعيًّا للكاتب والكِتاب والقارئ والمكتبة؟ ونضيف؛ هل هدف البطاقة تنظيميّ أم جبائيّ؟ هل يُعقل أن يفرض بلد نفطيّ “ضريبة القراءة” على التّلاميذ والطّلبة والأساتذة والباحثين والكُتّاب والأدباء وغيرهم؟ في حين نرى “بلدان المعرفة” تُجيد إدارة المكتبات العموميّة وتُحسن عرض مكتبات متنقّلة؛ وتوفّر المؤلّفات الإلكترونيّة عبْر الشّابكة دون قيد أو شرط؛ وتَدعم الكُتّاب؛ وتبحث عن سبل جديدة لتحرير الكِتاب وإيصاله إلى القرّاء فيسقط “جدار التّخلّف” وتهتدي الأُمّة إلى طريق الحضارة بأقلّ كلفة. لا تجعلوا “أُمّيّين” على أبواب دور الثّقافة؛ اجعلوا عُشّاقًا للثّقافة يُحسنون زراعة القراءة في بساتين المعرفة؛ ويرحّبون بالقرّاء خير ترحيب.. متى يزول احتكار القراءة؟ ومتى يزول احتكار الأُمّيّ للأبواب؟ ها هي الأُمّيّة تَغتصب عقول البوّابين.. دعوهم يرتشفون من كأس القراءة يا أمناء المكتبات؟ دعوا عقولهم تتجرّع “سُمّ القراءة” فإنّ خير السُّموم قاتل الأُمّيّة. أدبيًّا؛ يُسمح بالقراءة لمن أراد القراءة؛ وألّا يُعامَلَ الإنسان الّذي يأتي من أجل القراءة ب«طريقة أمنيّة”. أدعو إلى فتح كلّ مكتبات البلد أمام المواطنين في الجامعات والجوامع وفي المؤسّسات الثّقافيّة والتّربويّة والتّعليميّة والدّينيّة وغيرها؛ حتّى لا أدعو إلى “بطاقة القراءة الوطنية” يكفي القارئ استظهار وثيقة رسميّة؛ فتُدوّن بياناته في “سجلّ القرّاء”؛ ونسعى معًا إلى ثقافة “الكِتاب المفتوح” لا “الكِتاب المغلق”؛ فالقارئ ليس عدوًّا للكِتاب؛ والكِتاب صدره رحب للقارئ. حتّى لا تصير “القراءة في اعتلال أو ابتذال”؛ أختم؛ مَن يُردْ حضارةً لوطن أو مجدًا لشَعب لا يفرضْ “ضريبة على القراءة”؛ وحتّى لا أقول: امنحوا القرّاء جوائز تشجيعيّة.. أسأل: متى يصحو “أهل المعرفة” من أجل “بيئة ثقافيّة” نظيفة بكِتاب جميل وأمين بليل وبوّاب نبيل؟ إنّ القراءة حصن منيع ضدّ أمراض وأخطار محدقة؛ الوطن الّذي لا يحرس نفسه بالقراءة يسقط في شبر جهل. [email protected]