- عشرات المكتبات اختفت وأخرى لا تزال تصارع محلات بيع الألبسة - مكتبيون ل"البلاد": تجارتنا صارت خاسرة والدولة لا تدعمنا - مثقفون ل"البلاد": الجزائري صار يقول "لماذا أقرأ وأفكر مادام هناك من يفكر مكاني" روبورتاج/ نهاد مرنيز تُعد المكتبات إرثا مجتمعيا عريقا، ومرآة تعكس حضارة الشعوب منذ القدم، بداية من تاريخهم وانتهاء بأسلوب حياتهم وثقافتهم لأنها ببساطة تحفظ كل ما يتعلق بذاكرتنا الجماعية وما يُمثل حرية الفكر التي ساهم في تطوير مفاهيمه كتاب ومفكرون، وأيضا علماء تركوا لنا بصمات تقدمت عن طريقها مجتمعات لم تكن تعرف يوما طريقا للنور. وشهدت فترة ماقبل استرجاع الاستقلال؛ تحوُلا تدريجيا بين المجتمع الجزائري الذي بدأ يترعرع آنذاك على صناعة حياة أدبية مختلفة المعالم، والتي كثيرا ما حاول الآخرون طمسها من الهوية الأصلية، أو بالأحرى ربطها بثقافة أخرى غير التي ترعرعت فيها. وعلى غرار السياسة بذلك الحين، فقد انتشرت جميع أنواع فنون الكتابة وتأسيس وضع ثقافي جديد ومنفتح على النشر وحتى التوزيع، وأيضا إقبال الناس على جو الفكر هذا حفاظا على ترسيخ مفاهيم التواصل في العديد من المحطات الثقافية والسياسية وإن اختلفت اللغة. وفي ذلك الزمن كانت الجزائر العاصمة أشبه بمكتبة كبيرة مفتوحة بوجه العالم، على اعتبار أن البلد كان دولة فتية خرجت لتوها من الاستعمار، لذلك فقد ارتبط اسمها برهانات ثقافية مزدوجة المحتوى، فالنضال التحرري آنذاك لازمهُ نضال فكري حاد أنجب نُخبة ولدت من رحم المكتبات الصغيرة التي سرعان ما تحولت إلى أعرق الصالونات الأدبية التي تستقطبُ أقلاما أصبحت فيما بعد مُهمة بالساحة الإبداعية. مكتبة "الاجتهاد".. ألبير كامي والحركة الوطنية هذا التحول الفكري الذي عنت به الطبقات المثقفة بتلك الفترة، يقودنا إلى الحديث عن توسع المكتبات حينها، والتي عجت بها شوارع العاصمة إيذانا بميلاد جيل مولع بالقراءة ويعرف جيدا كيف يديرُ لغة الانفتاح على عوالم وآفاق بمختلف المجالات، مما أدى إلى بروز المكتبات وظاهرة بيع الكتب والترويج لها بشكل متزايد، وهذا تحديدا ما أوجد نوعا من التحدي على مواكبة رُواد المعرفة الذين ساهمت بصماتهم ومجهوداتهم في انتشارها. ولكن، عندما نستطلع حال المكتبات اليوم بالجزائر العاصمة، نكتشف الكثير من الفوارق التي غيرت من حالها وأحوالها؛ فمكتبة "النهضة" مثلا تعد من أقدم المكتبات بالجزائر العاصمة، حيث تأسست من قِبل مثقفين هما كشرود وميموني سنة 1947، وجاءت تسميتها نتيجة لاحتضانها كبار مناضلي الحركة الوطنية. كما حملت مكتبة "دومينيك"- والتي تُعرف في يومنا هذا باسم "مكتبة الاجتهاد"- نفس الحس الفكري والثقافي الذي وُجدت من أجله، فبعد استرجاع الاستقلال مباشرة؛ قام صاحبها بشرائها من المُعمرة "دومينيك" وقد خرج منها بعض الفكر الوطني الذي ساهم في جمع شمل مناضلي الحركة الوطنية، كما أتاحت مرور المناضل الفرنسي "ألبير كامو" والذي يُعدُ من أكبر المدافعين عن القضية الجزائرية. من الكتب إلى الأكل السريع والأحذية حدث هذا طبعا قبل أن تلقى مصيرها كمصير باقي المكتبات المتواجدة بالعاصمة وتندثر كأنها لم تكن، والتي تحولت بقدرة غريبة إلى محلات لبيع الأكل السريع والمتاجرة على اختلاف أنواعها. ومن بين الفضاءات التي استطاعت أن تحافظ على مكانتها أيضا، مكتبة "بوداود" بمحاذاة المسرح الوطني الجزائري التي أسسها الحاج عبد القادر بوداود وصديقه مرازقة في 1947 التي كانت في بداياتها أشبه بالنادي الثقافي، حيث استقطبت العديد من الأسماء أمثال طه حسين والأمير سعد، وذلك كونها تبنت نشر الفكر والثقافة بعد استرجاع الاستقلال. وهناك العديد من المكتبات التي كانت موجودة في السابق والتي أصبحت فيما بعد محلات تقدم مأكولات سريعة ومقاه شعبية، وأخرى توجهت إلى نشاطات أخرى تجارية بحتة مثلما كان الحال مع مكتبة "الغزالي" والتي قامت بتحويل نشاطها من بيع الكتب إلى المتاجرة بالأحذية. وفي ظل هذه التحولات السريعة والاختفاء المفاجئ لأعرق المكتبات التي كانت العاصمة تفتخرُ بوجودها سابقا، مازلت الأقلية القليلة منها تُصارع من أجل البقاء في ظل غزو المقاهي ومحلات بيع الألبسة وغيرها من الأنشطة التي قايض مُلاّكها رُكودها بالربح السريع تماشيا مع توجهات الناس، حتى أنها لم تعد تحمل تلك الصبغة الأدبية الثمينة لوجودها كما كانت في سنوات السبعينات والثمانينات صرحا ثقافيا، يلتقي فيه كبار الكتاب والمؤرخين بل صارت مثلها كأي محل عادي يعرض مجموعة من الكتب لمجرد البيع وفقط. أصحاب المكتبات يتهمون الأنترنت خرجنا في جَولة استطلاعية لبعض المكتبات، بحثاَ مناّ عن أثرِ نقتفيه لزمن مُغاير تماما لما أصبحت عليه هذه الأخيرة، بعدما أن كانت حقا من المُقدسات الفكرية التي لا يجرؤ أحد على تدنيس رمزيتها العريقة بمجتمع كان يقرأ، يفكر، ويبدع تبعا لحصيلته الثقافية المكتسبة حتى إن اختلفت اللغة بحكم آثار الاحتلال، لكن المبدأ وقتها كان واحدا وهو الارتقاء بصوتِ قضاياهُ، والتي خُلدت في كتب احتوتها مكتبات صنعت الحدث تحولت اليوم إلى شبه محلات وزوايا خاوية على عروشها بقلب العاصمة!. كانت بدايتنا من مكتبة تختص ببيع الكتب القديمة تقع بشارع "فيكتور هوجو" في العاصمة، حيث خصنا صاحبها بحديث رغم قصره، إلا أنه سلط القليل من الضوء على بعض من واقعها المُعاش وسط هذا الزخم المُتسارع بمُتغيراته، وذلك بحكم التحديات التي فرضتها عليه قوة التطور التكنولوجي. وأكد لنا "مولود" أن تغير المجتمع وتطوره أوجد جيلا جديدا منفتحا على عالم التكنولوجيا، والقراءة الإلكترونية، وبالتالي ظهور استهلاك جديد همش القراءة تماما بوجود هذا البديل على مستوى غالبية الناس. ويعتقد محدثنا أن هذا الأمر هو من الأسباب الرئيسية، لكن هذا لم يمنع البعض- حسب رأيه- من مواصلة ارتياد المكتبات، وهؤلاء "مازالوا يعتبرون أنفسهُم مدمنين على الروايات المُتسلسلة ولم يعُد بإمكانهم الاستغناء عن جاذبية القراءة وما يحيطها من جوانب الإثارة". وبخصوص سؤالنا عن سبب عدم توفر ومضات إشهارية على مستوى الإعلام المرئي تعنى بالكتاب والترويج لآخر إصداراته كما تفعل جميع المؤسسات باختلاف ما تنتجهُ؛ يجيب مولود "هذه من مهام دور النشر التي أرى أنها مازالت تفتقر إلى وضع جدول ترويجي يهتم بالتعريف بكل ما تصدرهُ من كتب ومنشورات، ويعود سبب هذا التقصير إلى ارتفاع تكاليف الإشهار وبالتالي فهم يعتبرونه تجارة خاسرة". وتوفر هذه المكتبة مئات آلاف العناوين من الكتب القديمة التي يتم استيرادها من بلجيكا وتباع للجمهور بأسعار معقولة جدا. مكتبة "ابن خلدون" تصارع محلات الملابس لازالت "مكتبة ابن خلدون" المتواجدة ب"شارع ديدوش مراد"، هي الأخرى، على عهد رُوادها من القُراء، إذ مازالت تؤدي دور النافذة التي تصارعُ زمن التكنولوجيا التي تُوفر كل ما هو آني وليس بحاجة إلى الانتظار، ومازال ينبثقُ منها بعضٌ من الحضور على مستوى اختفاء مثيلاتها بوسط العاصمة، إذ تؤكد لنا "حفصة" العاملة بها، أن المكتبة مازالت تستقطب إقبالا كبيرا بشكل دائم. وقالت محدثتنا إن غالبية مرتادي المكتبة من المثقفين فقط، أو من الطلاب الجامعيين الذين يترددون باستمرار من أجل اقتناء كل ما هو جديد، مضيفة "حسب عملي بهذا المجال منذ فترة، فإن سبب اختفاء المكتبات التي كنا نسمعُ عنها وغلق حتى بعضها قد يعود إلى مشكل الاستيراد الذي أصبح عائقا من حيث التكلفة لبعض الباعة، إلى جانب قلة المقبلين على شرائها ما عجّل بغلق المكتبات وتغيير نشاطها بحثا عن الربح السريع". وبالنسبة لموظفي مكتبة تابعة للمؤسسة الوطنية للفنون المطبعية تقع بجوار "مسجد الرحمة"، فإن انتشار الانترنت قلص من عدد مرتادي المكتبات، ما أثر بشكل كبير على مبيعات الكتب. أما القلة المتبقية، فهي من فئة الطلبة أو المتقاعدين الذين يبحثون عن كتب لتمضية الوقت. وتواصلت جولتنا لتشمل هذه المرة مكتبة "les mots" أو "الكلمات" بشارع "فيكتور هوجو"، حيث أشارت صاحبتها إلى أن بعض مما تبقى من المكتبات بالعاصمة يعود بالدرجة الأولى إلى عدم تلقيها الدعم كما يجب؛ سواء من قبل وزارة الثقافة أو حتى الدولة نفسها من أجل تسهيل عملية التسويق هذه، والتي بقيت قيد القدرة عند كل شخص بهذا المجال. وتستطردُ محدثتنا "في حقيقة الأمر، الموضوع جدُ مُعقد أكثر مما نظن بحيث لم يعُد متوقف على مدى إقبال الناس من عدمه على اقتناء الكُتب والاهتمام بها، بل تعدى ذلك إلى ارتفاع تكلفة استيراد الكتاب وبالتالي غلائه من جانب تسويقه، ما صعّب على أغلب الباعة الاستمرار بهذا النشاط". وتضيف "إذن فحسب تجربتي فالأمر له بُعد مالي أكثر منه معرفي، وبالنسبة للمكتبات التي كانت تتوفر عليها العاصمة سابقا وعدم وجودها بالوقت الحالي فهذا عائد إلى عزوف الشباب عن ممارسة هذا العمل الذي يحرص على عدم اندثاره أشخاص من الجيل السابق، توارثوا هذه المهنة عن رغبة وحب للثقافة والأدب". "العالم الثالث" و"القرطاسية" تنجوان من الغلق.. و"الغزالي" تبيع الأحذية ولأن زمن الكتب والمكتبات قد بدأ يتلاشى مع مرور الوقت مع بداية عصر البدائل السريعة التي فرضت وجودها بقوة، أصبحت نخبتنا اليوم تتعاطى مع القضايا المهمة بسطحية غريبة تكاد تشبهُ اقتناء أي شيء ورميه مباشرة بعد أول استعمال، إضافة إلى أن الأرقام الرسمية التي تملكها وزارة الثقافة هي إحصائيات أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع، نظرا لاختفاء غالبيتها وتوقفها عن النشاط لأسباب مختلفة أهمها أن الناس لم تعد تقرأ كما في السابق. ومع مرور الوقت توجه هذا الافتقار إلى بدائل قد تجمع شمل المنشغلين بدوائر الفكر والأدب والمشتغلين بحقله فإن هؤلاء لم يجدو حاليا سوى بعض النوادي والجمعيات الصغيرة التي تحاول بين حين وآخر احتواء نشاطاتهم من أجل تحريك الجمود الذي طغى على الساحة الثقافية مؤخرا. ويصف مثقفون اختفاء أشهر مكتبات العاصمة، بالكارثة التي حلت على القراءة والكتاب، والكل يتذكر كيف تحولت مكتبة "الغزالي" العريقة إلى محل لبيع الأحذية، وهو المصير نفسه الذي لاقته مكتبة "الثقافة العامة". أما مكتبة "العالم الثالث" التي تقع بشارع "العربي بن مهيدي"، فقد نجت من الغلق أو تحويل النشاط بعد شراء "دار القصبة" لها وإعادة تأهيلها وتحويلها إلى فضاء دائم لبيع الكتاب وآخر الإصدارات. أما مكتبة "القرطاسية" بشارع "العقيد عمريوش"، فنجت هي الأخرى من الغلق، بعدما ناضل عمالها كثيرا من أجلها، ولا تزال تماس نشاطها إلى غاية الآن. انتشار الكتاب الإلكتروني يقضي على الورق لقد ظلت المكتبات على مرّ السنين أحد أقوى الوسائل التي ساعدت بشكل أو بآخر في نشر المعرفة والفكر الحضاري وأحد أقوى وسائل حمايتهما، لكن هذا العصر يتميز بالمنافسة التكنولوجية، إذ تواجهُ القراءة في مجتمعاتنا تحديات كثيرة منها انتشار الأمية وتراجع انتشار الكتاب والإقبال الأكثر على أكثر على شبكات المعلومات الرقمية والأجهزة الحديثة المرئية والمسموعة، وغيرها من التحديات التي جعلت الاتجاه نحو القراءة يضعف، وبالإضافة إلى ذلك، فهي أثبتت بأنها فعلا قادرة على التأثير في الحياة اليومية. وبالتالي فقد ساهم الانترنيت والكتاب الإلكتروني بشكل كبير في العزوف عن الكتاب الورقي بشكل كبير وعدم الإقبال على المكتبات كما في السابق. لكن يقول البعض إنهما?ليسا الوسيلة ذات الأفضلية لدى القراء، ويأملون في استمرارية الكتاب في أداء رسالته التثقيفية والتعليمية حفاظا على نشر الفكر والثقافة والأدب لعقود كثيرة مقبلة، لكن الواقع في حقيقة الأمر، أصبح يميل لكفة توسع التكنولوجيا بين مستخدميها، ما أوجد جيلا جديدا لا يُوفر لنفسه عناء دخول مكتبة وقراءة ما يرغب به، مادامت الانترنت تُغطي حاجياته المعرفية والثقافية بسرعة فائقة. ومع ذلك، يبقى للمكتبات حضورها الخاص والمتميز حتى وهي تندثر عن الوجود من شوارعنا يوما بعد يوم. مثقفون ل"البلاد": هي كارثة وطنية وليست حكرا على العاصمة استطلعت "البلاد" آراء مثقفين حول الموضوع، حيث قال لنا الشاعر والروائي عبد الرزاق بوكبة متحسرا "حاولتُ أن أجد فيلماً أو مسلسلاً يقدم مشهداً لمكتبةٍ في البيوت الجزائرية التي يقدّمها فلم أجد. الأمر محزن طبعا، لكنه واقعي، أي أنه نزيه في نقل واقع البيت الجزائري الذي لا مكتبة له، وإن وجدت فهي موجودة في مكتب الحاسوب". وأضاف "الأب الجزائري يتعلل بغلاء الكتب، لكنه يدخن يوميا كتابا، ويشتري من "الدلاع" كتابين. ومن هنا يصبح انسحاب المكتبات في الشارع العاصمي، لصالح تجارات استهلاكية هو ثمرة طبيعية لتحولات كثيرة وقعت في مجتمعنا من غير أن نرصدها أو نرصد مضاعفاتها، خاضعين لمنطق الأحكام الجاهزة التي مجرد حائل بيننا وبين فهم واقعنا. لا تتعلق الظاهرة بالعاصمة وحدها، بل بكل المدن الصغيرة والكبيرة، ويبدو أن هذا داخل ضمن الإصلاح الذي تقوم به الحكومة الجزائرية التي لا تفرط في شيء". أما الكاتب رابح ظريف فيعتقد أن "الموضوع يميل إلى المأساة أكثر، لقد فقدَ الإنسان الجزائريّ شهيته في القراءة وتحرّكت شهوته للأكل، وكأنّ هناك إحساسا من الشبع الثقافيّ الفكري، إحساس مخادع قاتل جعلَ الكتاب ينسحبُ من حياتنا.. من الديكور اليوميّ الذي أثّث لسنوات طويلة جمالية الشارع الجزائريّ لتحلّ مكانه المطاعم والحانات وقاعات اللعب ومقاهي الانترنت ومحلات بيع الألبسة الدّاخلية". ويضيف محدثنا "إنّه مشهدٌ مؤلم حين ترى مكتبة تشيخُ ولا تتجدّدُ، تتراكم الكتب فوق بعضها البعض دونَ أن تجد فرصة من فضوليٍّ أو مهتم أو باحث عن المعرفة، تتراكم وتصطف لشهور دونَ أن يفتحها عاشق أو شاعر أو فيلسوف ليمنحها قليلا من الهواء، تموتُ ببطء ثمّ تباعُ في سوق الجملة بالميزان جنب الصّوف والقماش والأحذية المستعملة.. كثيرا ما تمّ نقل الكتب من رفوف المحلّات بشكل مأساويّ إلى الشارع، تماما كعائلة مشكلة من فتيات جميلات، وتمّ رميها في الشارع بعد أن لم يعد بمقدورها تسديد ثمن كراء البيت أو الرفوف". وأوضح ظريف أن "الأمر له علاقة بالزهد في المعرفة، بالمنظومة الدينية التي تشجّع على الكسل المعرفي وتأمر الإنسان بألا يفكّر بعقله، بل بعقل الإمام والشيخ والمعلم والأب والوليّ، لقد تمّ تعطيل أول أمر إلهي نزل على النبيّ الكريم وهو فعل القراءة (إقرأ.. إقرأ.. إقرأ) ولم تضع المنظومة الفقهية حدَّا شرعيا لمن يقرأ كما فعلت مع باقي الأوامر الإلهية، ببساطة لأن القراءة تشكل خطرا على الوجود السياسي لرجال الدين، وحين نعود إلى ستينات القرن الماضي، وسبعيناته وثمانيناته نجدُ أن الجزائر حين كانت فضاء سياسيا وثقافيا حرا لجميع النخب، كانت القراءة سيدة الشارع، وحين احتكر المجتمع من قبل الجماعات المتدينة، انسحبت القراءة من يومياتنا وصار الفرد يفكر بعقل الآخر، وسلبت منه حريّة التفكير.. فكان لسان حال الفرد الجزائري منذ نهاية الثمانينات إلى اليوم.. لماذا أفكر مادام هناك من يفكر مكاني".