يبدو أن الصراع الإقليمي حول ليبيا تطور إلى صراع دولي بين قوى كبرى، حيث طفا خلاف بريطاني فرنسي حول إدراج الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، قائد عملية الكرامة، ضمن قائمة مقترحة للجنة العقوبات الخاصة التي شكلها مجلس الأمن، في محاولة لكبح جماح العنف والقتال في ليبيا. فبينما أصرت بريطانيا وقبلها أمريكا على إدراج حفتر في القائمة، فقد عارضت فرنسا بشدة هذا المقترح، بالرغم من إدانة الأممالمتحدة للضربات الجوية التي تقوم بها طائرات حفتر على مطارات وموانئ مدنية. وحسب وزير في حكومة عبد الله الثني في طبرق، فإن “فرنسا أحبطت أخيرا محاولة رسمية قامت بها بريطانيا لإدراج اسم الجنرال حفتر، الذي يقود عملية الكرامة منذ منتصف شهر ماي الماضي”. وكشف الوزير الليبي النقاب عما وصفه ب”معركة غير مرئية” بين فرنساوبريطانيا حول اللواء خليفة حفتر، الذي يعتزم البرلمان الليبي تعيينه قريبا في منصب القائد العام للقوات المسلحة الليبية. كما سربت الإدارة الأمريكية معلومات، خلال الشهر الماضي، عن اعتزامها فرض عقوبات على حفتر، إلى جانب بعض الميليشيات المسلحة. وقال الوزير الليبي ل”الشرق الأوسط” إن الخلاف المعلن بين حكومات بريطانياوفرنساوالولاياتالمتحدة حول اللواء حفتر، يعكس أيضا تضاربا في المصالح بين هذه الجهات الثلاث. سفينة عسكرية بريطانية في ميناء طرابلس وفي ما يمكن وصفه ببداية حرب إعلامية بين فرنساوبريطانيا، كشفت صحيفة “مغرب - كونفيدنوسيال” الفرنسية، الصادرة أول أمس، عن تحركات عسكرية بريطانية وصفتها بالمشبوهة بالعاصمة الليبية طرابلس الخاضعة لسيطرة حكومة عمر الحاسي المدعوم بقوات فجر ليبيا، مشيرة إلى أن السفينة العسكرية البريطانية “ما في -هالت لاند بونت”، التي تتبع وزارة الدفاع البريطانية، شوهدت في ميناء طرابلس يوم 27 نوفمبر الماضي. ووفق ذات الصحيفة، فإن وزارة الدفاع البريطانية اعترفت بذلك، ولكنها قالت إن التحرك يعد روتينيا، وبينت أنه توجد قطعٌ بحرية عسكرية بريطانية أخرى في مالطا، وأن طائرة عسكرية بريطانية هبطت في مطار فاليتا (بجزيرة مالطا القريبة من ميناء طرابلس) يوم 29 نوفمبر في مهمة مجهولة المعالم. الغرب يضغط على الثني للتخلي عن حفتر وتحدثت صحيفة “مغرب - كونفيدنوسيال” الفرنسية، عن “ضغوط غربية” على الحكومة الليبية المؤقتة، من أجل نزع الغطاء وفك الارتباط مع قائد عملية الكرامة اللواء خليفة حفتر، وأن “فك الارتباط” معه قد يسمح بتسهيل الحوار، وقالت “إن القوى الغربية ترى أن حفتر يريد استئصال قوات “فجر ليبيا”، الموالية لحكومة الحاسي في طرابلس، وأن “فك الارتباط” معه قد يسمح بتسهيل الحوار. وتابعت الصحيفة أن السفير البريطاني مايكل آرون، والسفيرة الأمريكية ديبورا جونز، والمبعوث الفرنسي لدى ليبيا دونيس غاور، نقلوا هذا المطلب لرئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا عبد الله الثني، خلال اجتماعهم معه في أبو ظبي الأسبوع الفارط. غير أن مطلب تخلي حكومة عبد الله الثني عن الجنرال المتقاعد خليفة حفتر يبدو صعبا إن لم يكن مستحيلا، ذلك أن قوات الجيش المحسوب على حكومة عبد الله الثني، هي كلها قوات موالية لحفتر، كما أن قائد الأركان الناظوري الذي عينه مجلس النواب، هو أحد القادة الميدانيين الموالين لحفتر، فضلا على أن مجلس النواب الذي حلته المحكمة الدستورية الشهر الماضي يستعد لتعيين حفتر قائدا للجيش الليبي، ما يعني أن عبد الله الثني لا يملك سلطة الابتعاد عن حفتر، لأن حكومته ومجلس النواب خاضعان بالكامل لحماية قوات حفتر التي تتبع له قوات الدفاع الجوي بقيادة صقر الجروشي، وقوات الصاعقة بقيادة ونيس بوخمادة، وحتى جيش برقة الانفصالي مازال مواليا لحفتر رغم إعلان هذا الأخير رفضه تقسيم ليبيا، أما كتائب الزنتان في الغرب فرغم إعلانها انضمامها إلى عملية الكرامة إلا أنها لا تخضع إلا لقادتها المحليين وليس لحكومة الثني وكذلك جيش القبائل المحسوب على أنصار القذافي، بينما لا يُعرف من قادة الكتائب من هو محسوب على شخص عبد الله الثني. وجدير بالذكر أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لديها علاقات مع قبيلة مصراتة الموالية لعملية فجر ليبيا، حيث طلبت واشنطن من كتيبة محمد الحلبوص، إحدى أقوى كتائب مصراتة، حماية مقر سفارتها في طرابلس بعد سيطرة قوات فجر ليبيا على العاصمة وطردها لكتائب الزنتان خلال الصائفة الماضية، في حين تملك فرنسا علاقات قوية مع قبيلة الزنتان في الجبل الغربي، خاصة خلال حصار قوات القذافي للجبل الغربي في 2011، وتولت حينها قوات فرنسية تهيئة مهبط للطائرات في سفح جبل نفوسة لتزويد ثوار الزنتان بالسلاح والمؤن، حسب تصريحات صحفية لأحد القادة السياسيين المحليين لثوار ليبيا. انقسام دولي حول خيارين: سياسي أو عسكري وحسب المواقف المعلنة، فإن كلا من الولاياتالمتحدةالأمريكيةوبريطانيا تميلان إلى المقاربة الجزائرية بضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا، وهو ما اتفق عليه كل من الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في لندن مؤخرا، حيث أكد الطرفان على “ضرورة الحوار بمشاركة كل الأطراف لضمان وضع حد للعنف والتوصل إلى تسوية سياسية دائمة”، حسب مصادر صحفية. أما سفيرة الولاياتالمتحدةبالجزائر، جوان بولاشيك، فصرحت أن “الحكومة الأمريكية تثمن كثيرا، وتدعم جهود الجزائر الرامية إلى الوصول إلى حل سياسي وسلمي للأزمتين المالية والليبية”، وأكدت أن “الحل العسكري مستبعد لهاتين الأزمتين”. بينما تلتقي المقاربة الإيطالية والفرنسية مع وجهة النظر المصرية المؤيدة لفكرة التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، من خلال دعم أحد أطراف الصراع ضد الآخر لإنهاء حالة الاحتراب الداخلي والانقسام الليبي، لكن ذلك يصطدم بموقف جزائري حازم برفض التدخل الأجنبي، وهو ما اتفق عليه مسؤولو دول جوار ليبيا في اجتماعهم الأخير بالخرطوم في 4 ديسمبر 2014، ويتقاطع مع موقف الأممالمتحدةوأمريكاوبريطانيا.