تشهد ليبيا انقلابا في المعادلة العسكرية، فبعد أن مالت الكفة لصالح قوات فجر ليبيا التي طردت كتائب الزنتان وجيش القبائل المواليين للجنرال المتقاعد خليفة حفتر من طرابلس وورشفانة غربا، وسيطر مقاتلو مجلس شورى ثوار بنغازي على مدينة بنغازي بعد أن طردوا قوات الصاعقة الموالية لحفتر منها، عاد أنصار حفتر للقيام بهجوم معاكس حققوا فيه بعض الانتصارات النسبية دون أن يتمكنوا من حسم المعركة في بنغازي شرقا لكنهم حققوا بعض التقدم في ورشفانة غربا. التحول العسكري من الدفاع إلى الهجوم بالنسبة لقوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر جاءت بعد الزيارة التي قادت كلا من رئيس الحكومة الليبية المدعوم من برلمان طبرق عبد الله الثني إلى القاهرة رفقة وفد عسكري على رأسه قائد الأركان الموالي لحفتر عبد الرزاق الناظوري، وذلك منذ عدة أيام، وحسب عدة تحاليل، فإن السلطات المصرية منحت قوات حفتر دعما عسكريا ساعدها في التحضير للهجوم المعاكس الذي شنته على الجبهتين الشرقية والغربية. حيث سبق هذا الهجوم زيارة عبد الرزاق الناظوري قائد أركان “جيش حكومة طبرق” لمدينة الزنتان، وتحدثت عدة مواقع إخبارية عن تقديم الناظوري لدعم عسكري لكتائب الزنتان المندحرة في معارك طرابلس، كما أظهرت بعض المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي صورا لطائرة شحن عسكرية إماراتية قالت إنها هبطت في مطار الزنتان وأفرغت حمولتها من الأسلحة والذخائر، كما أظهرت الصفحات الرسمية لكتائب منضوية تحت لواء مجلس شورى ثوار بنغازي عن ذخائر من صنع مصري حصلوا عليها في هجوم على بعض مواقع قوات حفتر في أطراف بنغازي. لكن أخطر ما رشح عن التورط المصري في الصراع الداخلي في ليبيا، ما نشرته وكالة أسوشيتد برس الأمريكية من تصريحات لمسؤولين مصريين عن قيام طائرات مصرية بقصف مواقع لقوات إسلامية في مدينة بنغازي الليبية، وهو ما سارعت القاهرة فيما بعد لنفيه، وليست هذه المرة الأولى التي تنقل فيها وسائل إعلام أمريكية تأكيدات لمسؤولين مصريين أو أمريكيين بتورط مصر والإمارات في قصف جوي يطال مواقع عسكرية إما لقوات فجر ليبيا في طرابلس أو للكتائب المنضوية تحت لواء مجلس شورى ثوار بنغازي. فيما قال طارق الجروشي، عضو مجلس النواب الليبي (البرلمان)، لوكالة الأناضول، إن الطائرات المشاركة في قصف أهداف لإسلاميين “بعضها مصرية، لكن يقودها طيارون ليبيون”. وتابع “تسلمت رئاسة الأركان الليبية من الحكومة المصرية قبل أسبوعين أربع طائرات مقاتلة كدعم من القاهرة في محاربة الإرهاب وتقوية الجيش الليبي”. وبسبب القصف الجوي المكثف لمواقع لكتيبة شهداء 17 فبراير أكبر الكتائب المشكلة لمجلس ثوار بنغازي، فقد تمكنت قوات حفتر من السيطرة على المقر الرئيسي لهذه الكتيبة الواقع في المدخل الغربي (قاريونس) لمدينة بنغازي، غير أن مقاتلي الكتيبة عادوا واستعادوها من قوات حفتر بعد قصفهم بقذائف المدفعية. ولجأت قوات حفتر إلى خطة أمريكية استعملتها في العراق، حيث دعت المدنيين إلى تشكيل ميليشيات أسمتها ب«الصحوات” لقتال قوات مجلس ثوار بنغازي، حيث قامت هذه الصحوات بعدة عمليات اغتيال داخل مدينة بنغازي لشخصيات محسوبة على مجلس ثوار بنغازي، أخطرها اغتيال رب عائلة وثلاثة من أبنائه الشباب، لأن أحد أبنائه قتل وهو يحارب مع قوات ثوار بنغازي، ما فجر أول أمس الجمعة حرب شوارع دارت بين مدنيين مسلحين موالين لحفتر وثوار بنغازي المسيطرين على المدينة منذ جويلية الماضي. وفي غرب ليبيا تمكن جيش القبائل الذي يضم مقاتلين موالين لنظام القذافي من استعادة السيطرة على أجزاء من مدينة ورشفانة (40 كلم غربي طرابلس)، كما قامت كتائب الزنتان الموالية لحفتر بقصف مدينة “ككلة” في جبل نفوسة، ما دفع الكتائب الأمازيغية في جبل نفوسة إلى تهديد الزنتان بقطع الطريق عليهم نحو تونس عبر معبر الذهيبة. وتبدو كل دعوات الأممالمتحدةوالجزائر لوقف إطلاق النار والحوار بين المتصارعين في ليبيا عاجزة عن إنهاء الصراع، خاصة بعد إطلاق حفتر لعملية “تحرير بنغازي” الخميس الماضي، في الوقت الذي كان من المنتظر أن يبدأ الحوار بين الفرقاء الليبيين أمس السبت، ما يوحي بأن جهات ليبية وأخرى إقليمية تحاول إجهاض المبادرة الجزائرية لوقف النزاع في هذا البلد الجار.