ماذا يحدث في بيت الدبلوماسية؟ سؤال يتردد على ألسنة الكثير من الدبلوماسيين الجزائريين ونظرائهم الأجانب في الجزائر، وحتى بالخارج، من دون أن يجدوا له جوابا أو “إشارات” تساعد على فهم الأسباب التي دفعت برئيس الجمهورية لإنشاء حقيبة وزارية ثانية في وزارة سيادية مثل “الخارجية”، أسندت لعبد القادر مساهل. كشفت مصادر مطلعة ل”الخبر” عن مأزق وقعت فيه السفارات الجزائرية في الخارج، بسبب شح المعلومات الآتية من قصر هضبة العناصر، مستعجلين إرسال توضيحات حول ما حدث لتزويد محاوريهم بالحكومات المضيفة، لإعادة تحيين قنوات الاتصال وملفات التعاون الثنائية. ونفس الشيء بالنسبة لمختلف دوائر مبنى الوزارة، التي تهاطلت على إطاراتها الاتصالات، تطلب المساعدة في فهم ما حدث والسؤال عن الجهات التي يتعاملون معها مستقبلا، هل مع وزير الخارجية رمطان لعمامرة أم وزير الشؤون المغاربية والإفريقية والتعاون الدولي، عبد القادر مساهل؟ “إنها ضربة موجعة للدبلوماسية الجزائرية”، يقول دبلوماسي وسفير سابق، طلب عدم نشر اسمه. بالنسبة له: “هذا إخراج للمشاكل والتناقضات الموجودة داخل السلطة إلى العلن من دون أي مبرر واقعي، ما كان يدور في الخفاء صار معروفا للجميع بعد هذا التغيير”. وبالنسبة لدبلوماسي ووزير سابق، فضل عدم ذكر اسمه، فإن “ما قام به رئيس الجمهورية يعد سابقة في العالم، لم يحدث ما وقع لوزارة الخارجية الجزائرية في أي دولة أخرى”! ويعترف محدثنا بأن هذه التغييرات كانت محل أحاديث الصالونات الدبلوماسية على مستوى بعض السفارات الغربية في العاصمة، وأن “الخلاف القائم بين لعمامرة ومساهل لم يكن سرا عند هؤلاء، بل إن منهم من يعرف أدق التفاصيل عن هذه الخلافات بين الرجلين حول أزمة مالي وليبيا وعن علاقتهما مع رئيس الجمهورية”، مشيرا إلى أن “الدبلوماسيين الأجانب واقعون في إحراج في هذا الوضع النادر، بل الفريد من نوعه في عالم الدبلوماسية، مع من سيتواصلون، هل مع لعمامرة الوزير؟ أم مع مساهل الوزير هو أيضا ؟”. وبرأيه: “هناك إرادة واضحة لإضعاف الجهاز الدبلوماسي وهناك من سيستفيد من هذا التوجه في المنطقة”، في إشارة ضمنية إلى الدول التي تعارض نجاح أي دور للجزائر في مسارات حلحلة الأزمات في ليبيا والساحل الصحراوي. أمام هذا المأزق “الجزائري”، يفرض السؤال نفسه: ما تداعيات هذه التعيينات على صورة الدبلوماسية الجزائرية في ظل ظروف إقليمية معقدة ؟ يرى دبلوماسي، تولى مهمات دبلوماسية في عواصم أوروبية كبرى، أن هذه التعيينات “تضرب مصداقية الجزائر في الصميم، بغض النظر عن مؤهلات مساهل ومساره المهني، نظيف وابن الشعب، قاد البعثة الدبلوماسية الجزائرية في بوركينافاسو وهولندا، فضلا عن اضطلاعه بمهمات صعبة في الخارج وخاصة في إفريقيا ودول الجوار.. غير أن وجود لعمامرة على رأس الجهاز الدبلوماسي أضفى حيوية وحركية جديدة أنهت جمودا دام 6 سنوات (فترة تولي مراد مدلسي الحقيبة)، بفضل ما في جعبته من رصيد احترافي وخبرة في معالجة القضايا الدولية، خاصة فيما تعلق بالقارة الإفريقية.. كان الأجدر الاستفادة من الرجلين بتكوين من سيحمل المشعل بعدهما لا تحطيمهما”. ووفقا لهذه “القراءات الدبلوماسية”، فإن أداء “الخارجية” للفترة المقبلة سيعرف تراجعا، والسبب في “أن وجود وزيرين في وزارة واحدة هو تكسير لمبدأ الصوت الواحد أو الأحادي في العمل الدبلوماسي، وفي المحصلة سنشهد توترا في العلاقة بين الرجلين ولكم تصور النتيجة، كما سنشهد المزيد من الاحتقان الداخلي بفعل استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية”. وإذا ما صدقت التحليلات، فإن “تفكيك الجهاز الدبلوماسي بهذه الطريقة، والتداخل في الصلاحيات، سيؤثر على مصالح الجزائر على الصعيد الخارجي سلبا وسيفقدها الهيبة التي استرجعتها خلال السنتين الماضيتين، ولاسيما في الملفات الساخنة التي كانت منوطة بلعمامرة، مثل مالي وليبيا، قبل أن يسحب منه ملف هذه الأخيرة ويحول إلى إشراف مساهل”، بعد تسريب معلومات عن “عدم رضا رئيس الجمهورية عن طريقة تعاطي لعمامرة مع مسار حل أزمة مالي، والذي عطله تردد حركات الأزواد بفعل دخول المغرب على الخط، بينما أن طول النفس شرط مطلوب في أي عمل دبلوماسي”. وفي انتظار صدور الهيكل التنظيمي لوزارة مساهل الجديدة وما سيخوله من صلاحيات، وما سيحتفظ به لعمامرة، ستبقى “خرجة” بوتفليقة الأخيرة، التي جرى “التعتيم” عليها بالتركيز على أسماء الوزراء المغادرين للحكومة، الجديد الذي يترقبه متتبعو الشأن الجزائري، بغية فهم “لغز” هذا التغيير “الغامض”.