أكّد العلاّمة الشّيخ عليّ محي الدّين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في حوار مع “الخبر”، أنّ سبب لامبالاة الشّباب المتطرّف بعلماء الأمّة، هو بعض العلماء وخاصّة الرّسميين منهم الّذين لا يُولون عناياتهم بالشّباب ومشاكلهم، ولا ينزلون إلى مستواهم ولا يتحدّثون بلغتهم ولا يتواصلون معهم عبر التّواصل الاجتماعي. ما تعليقكم على ادّعاء الحركات المتطرفة بأنّها تطبّق الإسلام على منهج السّلفية؟ الإسلام هو دين الله تعالى الخالد الخاتم الّذي أرسله الله تعالى ليخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور، ومن ظلم الطّغاة والأنظمة الظّالمة وجور الأديان المحرّفة، وأغلالها إلى عدل الاسلام ورحمة الشّريعة ويسرها، ومن المناهج المتطرّفة يمينًا أو يسارًا إلى المنهج الوسط القائم على التّوازن، فقال تعالى في بيان هذا الدّين العظيم ورحمته: “وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا” النّحل: 30، وقال تعالى في وصف رسوله صلّى الله عليه وسلّم: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” الأنبياء:107. وقد بيّن الله تعالى حقيقة هذا الدّين من وصف رسوله في الكتب السّابقة فقال تعالى: “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الأعراف:157. كما وصف الله تعالى هذه الأمّة بالوسطية فقال سبحانه: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” البقرة:143. وقد نهى الله تعالى أهل الكتاب عن الغلوّ في الدّين فقال تعالى: “يا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ” النّساء:171. وقد شدّد ونهى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في أحاديث كثيرة على الإفراط والتّفريط والغلو، وحذّر منها كثيرًا وبيّن بأنّ هذا الدّين هو دين اليُسر والرّحمة والحنيفية السّمحة، وأوضح خطورة الغلو في الدّين وآثاره السّلبية الخطيرة، كما بيّن خطورة فكر الخوارج القائم على الغلو والتطرّف في أحاديث كثيرة. وبناء على ما سبق، فإنّ الأفكار المتطرّفة والحركات المتطرّفة لا تمثّل منهج الإسلام الصّحيح الّذي ذكرناه، بل يمثّل فكر الخوارج الّذين وصفهم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله: “سيخرج في آخر الزّمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة..” رواه مسلم والبخاري. هل تعتقد أنّ العلماء مقصّرين في إبداء مواقفهم تجاه هذا الفكر المتشدّد؟ العلماء ليسوا سواء، فمنهم الرّبّانيون القائمون على الدّعوة وبيان الحقّ بالحِكمة والموعظة الحسنة، ولا يخافون في الله لومة لائم، كما قال تعالى: “الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا” الأحزاب:39، ولذلك جعل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هذه الآية شعاره. وما سبب عدم الامبالاة الشّباب المتطرّف بعلماء الأمّة؟ له عدّة أسباب، منها أنّ بعض العلماء ولا سيما من العلماء الرّسميين لا يُولون عناياتهم بالشّباب ومشاكلهم، ولا ينزلون إلى مستواهم، ولا يتحدّثون بلغتهم، ولا يتواصلون معهم عبر التّواصل الاجتماعي. وأنّ الحركات المتطرّفة لها نشاط كبير في الإعلام الالكتروني والتّواصل الاجتماعي، فتركّز على تحطيم قدوة العلماء بصورة عامة، وتصفهم بأنّهم علماء السّلطة وعملاء الشّرطة، وأنّهم كذا وكذا، حتّى يسقطوا هذه المرجعية، وحينئذ تبدأ هذه الحركات بالمتطرّفة بملء قلوب الشّباب بما تريده من التطرّف والإرهاب.