ورد هذا التّحذير القرآني في ثنايا تفصيل أحكام الطّلاق والعِدّة منه، قال الله جلّ جلاله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وهذه الآية الكريمة مليئة بالتّهديد والتّحذير، فقوله تعالى فيها: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} تحذير، وقوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللهِ هُزُوًا} تحذير، وقوله تعالى: {يَعِظُكُمْ بِهِ}، وقوله تعالى بعد ذلك: {وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. والغرض من تعدّدها المبالغة في التّحذير؛ لتعلّق الأمر بالأحكام التّشريعية التي من عادة النّاس التّهاون فيها والاستخفاف بها. قال العلاّمة ابن عاشور: “عطف النّهي على النّهي لزيادة التّحذير من صنيعهم في تطويل العِدّة، لقصد المضارة، بأنّ في ذلك استهزاءً بأحكام الله الّتي شرع فيها حقّ المراجعة، مريدًا رحمة النّاس، فيجب الحذر من أن يجعلوها هزءًا. وآيات الله هي ما في القرآن من شرائع المراجعة.. والهزء بضمّتين مصدر هزأ به إذا سخر ولعب، وهو هنا مصدر بمعنى اسم المفعول، أي لا تتّخذوها مُسْتَهْزَأً به، ولمّا كان المخاطب بهذا المؤمنين، وقد علم أنّهم لم يكونوا بالّذين يَستهزئون بالآيات، تعيّن أنّ الهزء مراد به مجازه، وهو الاستخفاف وعدم الرّعاية؛ لأنّ المُستخف بالشّيء المهم يُعدّ لاستخفافه به، مع العِلم بأهمّيته، كالسّاخر واللاعب. وهو تحذير للنّاس من التّوصّل بأحكام الشّريعة إلى ما يُخالف مراد الله، ومقاصد شرعه.. فالمخاطبون بهذه الآيات مُحذّرون أن يجعلوا حكم الله في العِدّة، الّذي قصد منه انتظار النّدامة وتذكّر حُسن المعاشرة، لعلّهما يحملان المطلق على إمساك زوجته حرصًا على بقاء المودّة والرّحمة، فيغيّروا ذلك، ويجعلوه وسيلة إلى زيادة النّكاية، وتفاقم الشّرّ والعداوة. وفي “الموطأ” أنّ رجلاً قال لابن عبّاس: إنّي طلّقتُ امرأتي مائة طلقة فقال: “بانت منك بثلاث، وسبع وتسعون اتّخذت بها آيات الله هُزءًا” يُريد أنّه عمد إلى ما شرعه الله من عدد الطّلاق، بحِكمة توقّع النّدامة مرّة أولى وثانية، فجعله سبب نكاية وتغليظ، حتّى اعتقد أنّه يضيق على نفسه المراجعة إذ جعله مائة”.