انشغل الرأي العام الجزائري، هذه الأيّام، بقضية انتشار تناول المنشطات من قبل الرياضيين الجزائريين في مختلف الأنشطة الرياضية، فكان لابدّ من التعرّض للموضوع وبيان حكمه الشّرعي توعيةً للرأي العام وبالخصوص الرياضيين الّذين مع الأسف يُقبلون على هذه الممارسات وهم في جهلٍ تام بما يتعلّق بها من مخاطر صحيّة وأحكام شرعية. يُعرِّف العلماء المنشطات في اللغة ب: نشط الرجل في عمله، ينشطُ نشاطًا، فهو نشيط إذا خفَّ وأسرع، ولا يختلف التعريف الفقهي للنّشاط عن التعريف اللّغوي، ويقصد بالمنشطات المحظورة رياضيًّا في الاصطلاح الرياضي: استعمال أية مادة من شأنها أن تزيد نشاط اللاعب نشاطًا غير طبيعي، ممّا يجعله ينافس بطريقة غير عادلة، وهذه المنشطات عبارة عن عقاقير مصنّعة، وقد تكون مواد طبيعية تؤخذ بكميات غير طبيعية وبطرق غير معتادة تساهم في رفع اللّياقة البدنية بشكل غير طبيعي، وأغلبها مواد مخدّرة. وقد قسّمت اللجنة الطبية التابعة للجنة الأولمبية الدولية المنشطات المحظورة رياضيًّا إلى خمسة أقسام هي: المنبّهات للجهاز العصبي، المثبطات للجهاز العصبي، الهرمونات البنائية، العقاقير المسيطرة على الدورة الدموية، مدرات البول .هرمون النّمو . الهرمونات الكورتيزوني. وتؤكّد النّصوص العامة في الشّريعة الإسلامية على حفظ الضّروريات الخمس: الدّين، النّفس، المال، العقل والنّسل، وبذلك يكون حكم استعمال المنشطات البدنية الّتي يستخدمها الرياضيون محرّمًا للأدلة الآتية: أنّ المعنى الأسمى للرياضة هو تقويم الجسم، ودفع الضّرر عن النّفس والبدن، وإظهار جوانب القوّة والنّشاط، وحتّى لو كانت الرياضة للتّرفيه عن النّفس فهي جائزة، بشرط الانضباط بضوابط الشّرع، وقد ثبت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد سابق زوجته عائشة رضي الله عنها وصارع ركانة وسابق على الخيل والإبل.....الخ. وعند النّظر إلى المصالح والمآلات في استخدام المنشطات، نجد أنّها لا تحقّق للإنسان المتعاطي أيّ نفع على الإطلاق، بل تؤدّي إلى ضرر محض يؤثّر على الجسم والعقل، والأصل في الجسم أن يكون قويًا ونشيطًا في حالته الاعتيادية الطبيعية، وعندما تدخله هذه المواد فإنّها تقلّب المنافع إلى مضار، وبالتّالي يتعارض استخدام تلك المنشطات مع القواعد العامة في الشّريعة الإسلامية الّتي تنص على دفع الضرر. وإنّ من قواعد الشّرع أنّ ما ثبت ضرره ثبتت حرمته، وقد ثبت ضرر هذه المنشطات طبيًا فثبتت حرمتها شرعًا، فالنّصوص الشّرعية من القرآن والسنّة النّبويّة الشّريفة جاءت صريحة بتحريم بعض المواد المضرّة على الجسم والدّين والمجتمع كالخمر، والبعض الآخر من المواد جاءت الحرمة فيها باعتبار النّظر إلى المآلات السّلبية الناتجة عن الاستخدام. وأنّ استخدام المنشطات الرياضية يؤدّي إلى كثير من الأمراض المزمنة والمستعصية والقاتلة، بل قد يؤدّي استخدام المنشطات في بعض الأحيان إلى الموت، والله عزّ وجلّ نهى الإنسان أن يقتل نفسه حيث قال الله تعالى: “وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” النّساء:29، وقال تعالى: “وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلى التَّهْلُكَةِ} البقرة:195، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “لا ضَرَر ولا ضِرار”، فالإسلام حرَّم على المسلم أن يتسبّب في هلاك نفسه وقتلها، كما حرم عليه أن يضرّ نفسه بأيّ وجه من أوجه الضّرر. وأنّها تؤدّي إلى أمراض خطيرة: وقد أثبتت الأبحاث الطبية أنّ تعاطي المنشطات الرياضية يؤدّي إلى أمراض متنوّعة كثيرة، نفسية: كاضطراب المزاج، والشّعور بالكآبة، والرّغبة في العدوانية، وأمراض عصبية: كالجنون. وأمراض عضوية: كمرض الذّبحة القلبية المؤدّي للموت، وأمراض الكلى، وأورام البروستاتا، والعجز الجنسي المؤدي إلى العقم، والخلل الهرموني. ويمكن إيضاح الأضرار الصحيّة الّتي تؤكّد الأبحاث الطبيّة أنّ تعاطي المنشطات الرياضية يسبّبها في النقاط التالية: الإدمان، الاكتئاب النفسي، الالتهاب الكبدي، التهاب المعدة المؤدّي إلى القرحة، أمراض عصبية مختلفة، الأرق والهلوسة، الإسهال والغثيان، عدم الاتزان، أمراض الرئة والقلب، عدم الشّهية للطّعام، ارتخاء العضلات، زيادة إفرازات الدّموع والأنف، الطفح الجلدي، هبوط التنفّس المؤدّي إلى الموت، أمراض الكلى، أورام البروستاتا، ظهور علامات الذكورة الجسدية في الإناث، العنة أو العقم نتيجة استخدام هرمون الذّكورة (التستوستيرون). وإنّ استخدام المنشطات الرياضية يورث الكذب والغشّ، ويقلّب الحقائق، ويجعل جسم الرياضي يظهر نشيطًا وقويًا وهو في الحقيقة غير ذلك، وهذا غشّ وقلب للحقائق، والله تعالى أمرنا بالصّدق حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} التّوبة:119، وقال عليه الصّلاة والسّلام: “الخديعة في النّار” علّقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم. وأنّ تناولها وممارسة الغشّ الرياضي هو تشويه لسُمعة الرياضي نفسه إضافة إلى تشويهه سمعة ناديه وأسرته ومنتخب بلاده الّذي ينتمي إليه، ويصير عوض أن يكون قدوةً حسنةً للنّاشئة يصبح قدوة سيّئة، وتلوك سيرته الألسن ووسائل الإعلام المختلفة، فمن يرضى على نفسه تشويه السّمعة وإشاعة القيل والقال حول اسمه وعائلته وناديه ووطنه. فالمنشطات الرياضية اعتداء على الفِطرة الرّبانية الّتي فطر الله النّاس عليها، وفيها تدمير لصحة الإنسان، وتغيير لطبيعة الجسد، قال الله تعالى على لسان إبليس: “وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ” النّساء:119، وتغيير خلق الله هو كلّ تصرّف يؤدّي إلى تغيير صورة الإنسان. وهذا الحكم الشّرعي بتحريم تناول المنشطات بأنواعها توافقه جميع التّنظيمات والقوانين الدّولية الّتي تمنع استخدام هذه المنشطات.