احتضنت المكتبة الوطنية بمدينة تونس أشغال الندوة والمائدة المستديرة تحت عنوان “ليبيا بين شروط المصالحة ومتطلبات الاستقرار”، المنظمة من قبل جمعية البحوث والدراسات لاتحاد المغرب العربي، وتضمنت تشخيص الواقع الليبي في إطار استمرار النزاع القائم بين الأشقاء الفرقاء، في أجواء ساد فيها اختلاف الرأي، مع الاتفاق حول ضرورة العمل معا على تجاوز الخلافات للوصول إلى تشكيل حكومة توافقية، والوقوف على التحديات التي تواجه قيام دولة ليبيا، وتحقيق المصالحة والاستقرار. وكان الحديث عن ماضي وحاضر مختلف المدن الليبية ذا شجون، أدى إلى تقديم نموذج عما يحدث في ليبيا من اختلاف لدى الطبقة السياسية. وقالت المحللة الاجتماعية د. عزة غندور من جامعة عمر المختار إنه لا سبيل للوصول إلى مصالحة سياسية قبل المرور بالمصالحة الاجتماعية، “خاصة أن الشعب الليبي انقسم في ظرف لم يتجاوز 8 أشهر بين ثوار 17 فبراير ومؤيدي القذافي، وعمق الجراح بما هدد النسيج الاجتماعي الليبي”، مبرزة أن “السلاح هو من يتكلم في ليبيا، وأن حامليه محملون بأفكار إيديولوجية وبنزعات قبلية”، مردفة “هم قفزوا على المصالحة الاجتماعية وتوجهوا مباشرة إلى خوض المصالحة السياسية، وسيّسوا الحوار، وهو ما لم يحقق أي نتيجة”. ولم تخف المتحدثة النداءات التي أطلقها بعض الشيوخ والعقلاء الليبيين، “إلا أنها كانت مشتتة، لذا فأي تسييس للمصالحة الاجتماعية لن يؤتي أكله”، وأطلقت النار على المجتمع الدولي الذي “لا يهمه إلا نفط ليبيا، وتصدير الإرهاب إليها، فحتى الذي ذبح 20 مصريا في ليبيا إنجليزي”، داعية إلى الذهاب إلى مصالحة اجتماعية إقليمية كخطوة تؤدي إلى حكومة الوفاق”، الأمر أثار حفيظة بعض المشاركين في الندوة الذين اعتبروا الأمر تقسيما، فأكدت المتحدثة أن الأمر خطوة تؤدي إلى حكومة الوفاق، “يجب تكوين لجان متعددة للمصالحة الاجتماعية في إقليم طرابلس، وأخرى في إقليم الفزان، وثالثا إقليم برقة الذي يتميز بخصوصية”، مبرزة أن الجهة الشرقية تعاني من فكر متطرف رافض لقيام الدولة الليبية. وأثارت قضية تواجد جيش ليبي من عدمه جدلا واسعا بين الحضور الليبي، بين مؤكد لوجوده وقيام اللواء خليفة حفتر بتنظيمه وإعادة ضبطه، وبين مصرّ على أنه لا يعدو أن يكون مجموعة ميليشيات، ما جعل الاختلاف الجهوي بين “الشرقاوية والغرباوية” يطفو على السطح، في دلالات على أن مشكل ليبيا ينحصر في الولاء إلى الشخص وعدم تغليب مصلحة الشعب والوطن للخروج من الأزمة الحالية. وفي هذه الأثناء، تعالت أصوات متدخلين ليبيين معتدلين، وكذا جزائريين وتونسيين، داعية إلى ضرورة الخروج من دائرة تبادل الاتهامات إلى العمل على إخراج ليبيا من مستنقع الفوضى، وجعل الدكتور الجزائري زهير بوعمامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، يطرح تساؤلا حول قابلية الليبيين لتجاوز ولاءاتهم لقيم ما قبل السياسة، وهو السؤال الذي لم يجد ردا وبعث حالة من السكون في القاعة. يشار إلى أنه تم خلال الأشغال تكريم الجزائر والمغرب، وقال الدكتور حبيب حسن لولب إن المجموعة الدولية لم تستطع حتى الآن بلورة استراتيجيات وخطط إقليمية أو دولية لإيجاد حل لمستقبل ليبيا، من أجل تأمين المرحلة الانتقالية والعبور إلى الديمقراطية، “ليبيا تتوفر على مخزون روحي وحضاري وتاريخي يمكنها من الخروج من أزمتها والنهوض من كبوتها الظرفية.” وثمن د. حبيب ما تبذله الجزائر من جهود لصالح الشعب الليبي من احتضان المفاوضات والتقريب بين الفرقاء في ليبيا، إلى جانب المغرب.