اتسعت رقعة الاحتجاج في تونس التي انطلقت من القصرين الخميس إلى مدن تونسية أخرى، بسبب البطالة والتهميش الاجتماعي، التي كانت الدوافع الأساسية التي اندلعت من أجلها ثورة 2011 . وسجلت مساء الخميس عديد الحوادث في أحياء بالعاصمة ومحيطها، وفي هذا السياق، كتبت صحيفة "الشروق" التونسية الخميس "كأننا لم نغادر أواخر سنة 2010 وأوائل سنة 2011".
أطلقت قوات الشرطة قنابل الغاز واشتبكت مع مئات المتظاهرين الذين أضرموا النار في مركز للشرطة وحاولوا اقتحام مبان حكومية محلية في عدة بلدات يوم الخميس في واحدة من أكبر الاحتجاجات منذ انتفاضة 2011، حيث تظاهر بضعة ألوف من الشبان خارج مقر الحكومة المحلية في القصرين وهي بلدة فقيرة في وسط تونس بدأت فيها الاحتجاجات هذا الأسبوع بعد انتحار شاب عقب رفض إعطائه وظيفة حكومية.
وفي حي الانطلاقة بالعاصمة تونس هاجم عشرات المحتجين مقرا صغيرا للشرطة وأحرقوه قبل أن تلاحق قوات مكافحة الشغب المتظاهرين الذين كانوا يرددون شعارات "لاخوف لا رعب .. الشارع ملك الشعب"، وأطلقت الشرطة قنابل الغاز لتفريق المحتجين الذين رشقوها بالحجارة وتفرقوا في الاحياء المجاورة، ويعتبر وصول الاحتجاجات بشكل عنيف للعاصمة من شأنه زيادة إرباك السلطات التي تسعى لاحتواء موجة احتجاجات تهدد بانزلاق البلاد إلى أتون أزمة أمنية وسياسية.
وأفادت وسائل إعلام رسمية وسكان محليون بأن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين حاولوا اقتحام مبان حكومية محلية في بلدات أخرى هي جندوبة وباجة والصخيرة وسيدي بوزيد حيث ردد الشبان هتافات تطالب بوظائف وتهدد بثورة جديدة، وشملت الاحتجاجات مدن دوز وصفاقس وسوسة والنفيضة والجريصة والدهماني ايضا.
وقالت وزارة الداخلية إن محتجين أضرموا النار في نقطة شرطة بمدينة قبلي في جنوبتونس وإن ضباط شرطة أخلوا نقطة أخرى في الكاف بشمال غرب البلاد.
وأحيت الاحتجاجات ذكريات انتفاضة "الربيع العربي" بتونس عام 2011 التي اندلعت بعدما انتحر محمد البوعزيزي في ديسمبر كانون الأول 2010 وهو ما أثار موجة غضب أجبرت الرئيس الأسبق بن علي على الفرار وفجر احتجاجات في أنحاء العالم العربي.
وارتفع معدل البطالة في تونس إلى 15.3 بالمئة في عام 2015 مقارنة مع 12 بالمئة في 2010 بسبب ضعف النمو وتراجع الاستثمارات إلى جانب ارتفاع أعداد خريجي الجامعات الذين يشكلون ثلث العاطلين في تونس.
وأمام تدهور الوضع اختصر رئيس الحكومة الحبيب الصيد جولته الأوروبية حيث شارك في منتدى دافوس وأعلن أنه سيرأس السبت مجلس وزراء طارئ، وأكد مسؤول أمني أن قوات الأمن تلقت أوامر بلزوم "أقصى درجات ضبط النفس" لتفادي أي تصعيدن وقال الصيد إن البطالة مشكلة أساسية وهي من أولويات الحكومة لكن "لا نملك عصا سحرية" لإنهائها في وقت قصير. وأضاف أنه على تونس أن تجد نمط تنمية جديد يقوم على العدالة الاجتماعية.
وكما أقر رئيس البلاد الباجي قائد السبسي الأربعاء بأن "الحكومة الحالية ورثت وضعا صعبا للغاية حيث يوجد 700 ألف عاطل عن العمل بينهم 250 ألف شاب يحملون شهادات" معتبرا أنه "لا يمكن حل مشاكل من هذا النوع بتصريحات أو بشحطة قلم. لا بد من الوقت".
ورأى رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمن الهذيلي إن أحداثا مماثلة "كانت متوقعة منذ فترة طويلة". وأضاف "لقد حذرنا من أن الوضع الاجتماعي سينفجر. الشعب انتظر (...) لكن الحكومة لا تملك رؤية ولا برنامجا للمناطق الداخلية".
وحذر الباحث حمزة المدب من أن الاهالي "صبروا لمدة خمس سنوات" و"لم يعد بامكانهم الصبر أكثر"، وقال النائب صالح البرقاوي أثناء تجمع أمام مقر ولاية سليانة "التهميش لا يمكن معالجته بحلول انتقائية، وباعتبار أن القصرين احتجت في حين لم تحتج سليانة".
ورغم نجاح تونس في عملية الانتقال السياسي التي أعقبت الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في 2011 (انتخابات حرة ودستور جديد)، ما زال التهميش الاجتماعي والتفاوت المناطقي قائما في إطار تقلبات اقتصادية عميقة.