رغم النفي المتكرر للعديد من البلدان واستبعادها من قبل بعضها الآخر، إلا أن التدخل العسكري في ليبيا يظل قائما، على خلفية بروز مؤشرات تواجد قوات خاصة وشبكة استعلامات غربية على الأرض وتدخل أمريكي فرنسي بريطاني محدود ضد “أهداف ثمينة” داخل التراب الليبي، فقد كشف إعلان تنظيم داعش للنفير العام وانسحاب عناصره من بنغازي ودرنة والتوجه نحو سرت، عن بروز مؤشرات عن إمكانية حدوث تطورات ميدانية تنتظر ضوءا أخضر من حكومة فايز السراج والمجلس الرئاسي لضمان غطاء شرعي لها. يأتي تصريح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، عدم استبعاده إرسال قوات من بلاده إلى ليبيا، في حال طلبت الحكومة الليبية ذلك، ووافق البرلمان البريطاني، في سياق تطورات متسارعة في ليبيا، موازاة مع دعم تدريجي من قبل الدول الغربية لموقع المجلس الرئاسي والحكومة المؤقتة لفايز السراج، التي لم تتبلور كلية، و تسعى البلدان الغربية الممثلة في كل من فرنساوبريطانيا وإيطاليا وأطراف إقليمية إلى دعمها، من خلال إعلان إعادة فتح سفاراتها وضمان حمايتها، وفرض مباشرتها للأعمال واسترجاع المقرات الوزارية السيادية. وأكد الوزير البريطاني في تصريح لصحيفة “صنداي تليغراف”، أمس، أن “مسألة قيام بريطانيا بدور قتالي بأي شكل، برا أو بحرا أو جوا، ترجع إلى مجلس العموم”. وليست هذه المرة الأولى التي يثار جدل حول انتشار عسكري غربي، مع التأكيد على استبعاد إرسال قوات برية، لتعارض ذلك مع الإستراتيجيات المنتهجة في أعقاب حرب الخليج واحتلال العراق في 2003، حيث تعي الدول الغربية، لاسيما الأوروبية، خطورة تمدد تنظيم داعش في ليبيا، لقربها الجغرافي من أوروبا، وإمكانية استغلال التنظيم للأراضي الليبية وموجات الهجرة غير الشرعية للتسلل أكثر إلى الأراضي الأوروبية. وتدعم القوى الغربية حكومة الوفاق الجديدة في ليبيا، وتأمل في أن تطلب هذه الحكومة دعما خارجيا لمواجهة تنظيم داعش، والتصدي لتدفق المهاجرين على أوروبا، وإعادة إنتاج النفط لدعم اقتصاد ليبيا، إذ تضع هذه النقاط ضمن أولوياتها، وهو ما فهم من خلال تصريحات ضمنية للوزير البريطاني بخصوص الخطة المُعدة التي تقضي بإرسال 1000 جندي لتدريب القوات الليبية والمشاركة بصورة مبدئية على جبهات القتال ضد داعش، هذا الأخير أعلن عن النفير العام ودعم مواقعه في سرت ومحيطها، موازاة مع سحب عناصره من بنغازي ودرنة التي شهدت معارك ومواجهات مع خصومه من التنظيمات القريبة من القاعدة، زيادة على الجيش الوطني الليبي للواء خليفة حفتر، وإن كان ذلك لم يمنع التنظيم من القيام بعمليات جديدة للاستيلاء على ميناء البريقة النفطي، فقد اندلعت الاشتباكات بين حرس المنشآت النفطية ومسلحي التنظيم جنوب ميناء البريقة النفطي، ويسعى التنظيم إلى تفادي فتح جبهات متعددة في آن واحد. ولكنه بالمقابل، يحاول عدم تركز القوات المعادية له على مناطق تواجده أساسا، أي مدينة سرت التي سيطر عليها بصورة كاملة. وعلى خلفية هذه التطورات، ومع الكشف عن تكثيف الدوريات البحرية قبالة السواحل الليبية، فإن عقارب الساعة الليبية ستضبط على تطورات جديدة تكشفها الأيام القليلة المقبلة، التي تدعم خيار دعم المجلس الرئاسي لفايز السراج عبر عمليات تستهدف خصومه ومنافسه، في محاولة لتفادي هاجس الدولة الفاشلة في ليبيا، وضمانا لمصالح البلدان الغربية في إحدى أهم البلدان المنتجة للنفط في القارة الإفريقية.