هل يعقل أنه بعد تعديل أو تغيير الدستور يتحدث الرئيس عن إبعاد الجيش من السياسة! ما معنى إذن وجود مثل هذا الدستور، مادام الحديث عن تدخل الجيش في السياسة مايزال قائما؟ أليس حديث الرئيس عن ابتعاد الجيش عن السياسة معناه فشل السياسيين في تسيير البلد، إلى حد أن الجيش أصبح يفكر في إنقاذ البلاد من هؤلاء السياسيين الفاشلين الذين أدخلوا البلاد في نفق مظلم، حتى تطلب الأمر عودة الحديث عن عسكرة السياسة من جديد؟! لمن يوجه الرئيس بوتفليقة مطالبه (النقابية) وليس الأوامر السياسية الرئاسية بإبعاد الجيش عن السياسة؟! هل مرافعاته لصالح عدم عسكرة السياسة موجهة للجيش، أم موجهة لأشباه السياسيين في الحكومة والوزراء الذين يجلسون أمامه؟! والذين لن يتورعوا عن تأييد عسكرة الحياة السياسية من جديد إذا هبت رياح السلطة بما لا يناسب الرئاسة والرئيس؟! ما معنى أن تخرج الرئاسة ووزارة الدفاع المرسوم الذي قيل إنه صدر في السبعينيات، ويخص واجب التحفظ بالنسبة للعسكريين.. والتهديد به على المتقاعدين العسكريين الآن؟! هل هذا جاء بسبب خلفية ما قاله الجنرال من جديد وسجن بسببه.. أم بسبب تحركات نزار في فرنسا، أم بسبب ما كتبه اللواء غديري مؤخرا في صحيفة “الوطن”؟! وسواء كان هذا أو ذلك هو السبب، فهل يعقل أن يخاف الضباط المتقاعدون من الخوض في السياسة بسبب هذا المرسوم، والحال أنهم تحدثوا وتحركوا بعد أن سجن بن حديد بسبب ما قاله.. فهل الذين لم يخافوا من السجن يتم تخويفهم بمرسوم؟! هل يعقل أن يحرم جنرالات من الخوض في السياسة لأنهم تقاعدوا، والحال أنهم هم كانوا عين السياسة عندما كانوا في الجيش قبل التقاعد وساهموا حتى في تنصيب في السلطة من يتهدد عليهم الآن بواجب التحفظ؟! لا أستطيع أن أتصور بلدا يدعو إلى ممارسة السياسة يمكن أن يصادر حق الناس في إعلان مواقفهم السياسية حتى ولو كانوا ضباطا متقاعدين؟! أليس هذا أول خرق للدستور، أن تمنع الناس من الحديث في السياسة بمرسوم يصادر ما جاء به الدستور. نعم إبعاد الجيش عن السياسة مسألة حيوية في بناء دولة القانون والعدل.. لكن عدم السماح لحياة سياسية سوية بالظهور هو الذي يدفع كل مرة إلى العسكرة.. وأحسن إبعاد للعسكر عن السياسة هو إبعاد هذه الرداءة في السياسة التي يمارسها المدنيون المعسكرون الآن.. البلدان تحقق الإقلاع الاقتصادي في ظرف عشرية فقط، ونحن بقينا عشرية كاملة نناقش الدستور الذي يحدد العهدات أو يفتحها، ويحمي لويزة حنون من تعسف خصومها ضدها بالتجوال السياسي.. العسكرة لا تعود إلى السياسة إلا إذا فشل السياسيون في تسيير البلاد، وهي الحالة التي أوصلنا إليها بوتفليقة بسياسته في التصحر السياسي، عبر التخلاط داخل الأحزاب، وعبر التضييق على الحريات السياسية والإعلامية.. وعبر تشجيع الفساد والرداءة.