من أخطر الانحرافات الّتي تفسد التّفكير: اتّباع الهوى، ولن يستقيم التّفكير مع الهوى أبدًا، لأنّ متّبع الهوى متحيّز دائمًا مع هواه، فلا ينفعه عقل ولا علم، وهذا هو معنى قول العلماء: آفةُ الرأْي الهوى. فالرأي قد يكون صائبًا، لكن يميل به الهوى حيث يريد الإنسان لا حيث يجب، لذلك وجدنا الله عزّ وجلّ صوّر صاحب الهوى بهذا التّصوير الفظيع فقال سبحانه: “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ”. يقول صاحب الظّلال رحمه الله تعليقًا على هذه الآية: “أفرأيته؟ إنّه كائنٌ عجيب يستحقّ الفرجة والتّعجيب! وهو يستحقّ من الله أن يضلّه، فلا يتداركه برحمة الهدى. فما أبقى في قلبه مكانًا للهُدى وهو يتعبّد هواه المريض! “وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ”، على علم من الله باستحقاقه للضّلالة. أو على علم منه بالحقّ، لا يقوم لهواه ولا يصدّه عن اتّخاذه إلهًا يُطاع. وهذا يقتضي إضلال الله له والإملاء له في عماه: “وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً”، فانطمست فيه تلك المنافذ الّتي يدخل منها النّور وتلك المدارك الّتي يتسرّب منها الهدى. وتعطّلت فيه أدوات الإدراك بطاعته للهوى طاعته العبادة والتّسليم. “فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ؟”، والهدى هدى الله. وما من أحد يملك لأحد هدى أو ضلالة. فذلك من شأن الله، الّذي لا يشاركه فيه أحد، حتّى رسله المختارون. “أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟”، ومن تذكّر صحا وتنبّه، وتخلّص من ربقة الهوى، وعاد إلى النّهج الثّابت الواضح، الّذي لا يضلّ سالكوه”.