غنّت للوطن، للهوية، للمرأة، وعن الغربة، ولم يتعرف الكثير من أبناء وطنها على حنجرتها القبائلية الأصيلة التي نالت بها التقدير من البعيد قبل القريب. ورغم هجرتها المبكرة إلى فرنسا، إلا أنها لاتزال محافظة على أصالتها وهويتها، بفضل وفائها للفن واللغة الأمازيغية التي جابت بها بقاع المعمورة حاملة معها رسائل السلام والحب وجمال أصالتها عبر أشعارها وألحانها. الفنانة القبائلية جوهرة عبود تحل لثاني مرة ببلدها الجزائر وترجع للوطن الذي أنجبها، كان ل”الخبر” لقاء بسفيرة الأغنية القبائلية “جوهرة” لتعود بهذا الحوار. كانت بداية أعمالك في الإنتاج لماذا تحولت للغناء؟ صحيح قمت بإنتاج ألبوماتي الغنائية لكن لم أنتج لأي فنان، وفي الحقيقة أنا أحمل عديد القبعات، فأنا مخرجة سينمائية وأول امرأة مخرجة في السينما وسط المهاجرين بفرنسا، وبعدها أسست فرقة جرجرة سنة 1979، وكانت سنوات للإشعاع الموسيقي في تلك الفترة، ثم أنجزت عديد الكتب، لكن شغفي بالغناء عن الأصالة الأمازيغية دفعني لمواصلة المشوار في الغناء. معروفة بدفاعك عن المرأة، ما سر ذلك؟ ليس هناك سر أو شيء خصوصي لكن مشوار حياتي وإرغامي على الهجرة في سن مبكرة “خمس سنوات” كان وراء ذلك، فخروجي من منطقة القبائل في سن مبكرة كان بمثابة صدمة بالنسبة لي لأني حرمت من جدتي التي ربتني وكنت مرغمة على الهجرة واتباع رغبة الوالدين مثل كثير من سكان القبائل في ذلك الوقت، ولم يكن سهلا التأقلم مع ظروف المعيشة في المهجر خاصة الجمع بين مجتمعين مختلفين. كنت أدرس بالجامعة وسط مجتمع غربي مختلف عن عاداتنا وتقاليدنا، خاصة بالنسبة للمرأة التي تفرض عليها خيارات في كثير من الأحيان، كنت طالبة في الجامعة وكنت أعيش مثل بقية النساء الغربيات في الجامعة، لكن في البيت هناك ظروف وتربية أخرى جد قوية. عرفت بأن حياة المرأة جد صعبة وغير عادلة، ولم يكن من الطبيعي المواصلة في نفس الطريق الذي عانت منه أمهاتنا. حاولت عبر الأغاني التي أقدمها إدخال الجديد على حياة المرأة باعتباري امرأة جزائرية تعيش في المهجر، وفي الوقت نفسه جمعت مشاكل كل نساء العالم، لأنه فوق الأرض مازال الطريق طويلا ليكون هناك تساو وعدالة بين الرجال والنساء. للمرة الثانية تعودين لأرض الوطن بعد غياب طويل، ما سبب ذلك؟ أزور هذه المرة الثانية وطني الجزائر وأعود بعد 35 سنة من الغياب، لظروف يمكن حصرها في أنه سنوات السبعينيات والثمانينات أعتقد أنني كنت أحمل أفكارا والتزامات لم تكن مطابقة لتطور الأوضاع في الجزائر، وحقيقة في ذلك الوقت يصعب التمسك بخطاب مثل هذا، أي حرية المرأة في الجزائر، لكن بعد ذلك لاحظت بعض التطورات وأن المرأة تحرّرت أكثر من قبل، وأنا جد سعيدة لهذا التطور، والآن خطابي يمكن أن يمر بسهولة. كيف وجدت جمهورك في وهران؟ جمهور رائع، في الحقيقة كنت أعرف أن جمهور وهران ذواق ويحسن الاستماع، ولاحظت وجود عديد العائلات القبائلية التي أتت خصيصا لسماع أغاني جرجرة، كما كان هناك جمهور وهراني أتى لأنه يعرف الفرقة منذ وقت طويل، وهناك من كانت له فرصة اكتشاف الفرقة لأول مرة، وهذا أسعدني كثيرا. كانت الحفلة رائعة، قمنا السنة الماضية بحفلات في عديد مناطق الجزائر وهذه السنة في وهران والعاصمة وغدا نسافر بالأغنية الأمازيغية إلى المغرب، وستكون إن شاء الله العودة في السنوات المقبلة للتعريف بفرقة “جرجرة” عبر كامل التراب الوطني. جوهرة تغني القبائلي فقط، هل تفكرين في الغناء بلغات أخرى؟ أنا أغني القبائلي فقط، لكني أديت أغاني باللغة الفرنسية لجمهوري من الفرنسيين، ورغم أحرص على التمسك دائما بثقافتي الأمازيغية الأصيلة، لأنني لن أكون مغنية فرنسية ولا عربية لأنه لديهم ما يكفي من المغنين، وأعتقد أن جرجرة فرقة أصيلة يجب الحفاظ عليها، وهذا مهم لأن الأمازيغية معترف بها رسميا وهذا جد مهم للهوية الجزائرية التي تحتاج لاسترجاع تاريخها. هدفي هو الجمع والتقريب بين الناس من أجل جزائر متقدمة، بالحفاظ على روح وتقاليد أجدادنا وثقافتنا الأصيلة. ما هو جديد جوهرة هذا العام مقارنة بالسنة الماضية؟ عندي الجديد لكني متريثة في تقديمه، خاصة أن الجمهور في مرحلة اكتشاف “جرجرة”، لذا أفضل أن أقدم أعمالي على مراحل، أحضرت قليلا من الجديد وأحمل رسالة أتمنى أن تصل للجميع وهي رسالة عن النساء اللواتي يمثلن نصف الكون، والشباب المتعطش للفرح، لذا فجرجرة أحضرت الأحلام والحقيقة والسعادة والفرح. ولي لكم رسالة أخرى من أبناء الجزائر في المهجر، لأقول لكم إنه في الضفة الأخرى للمتوسط هناك أناس يحملون الجزائر في قلوبهم، ورغم غربتهم تبقى الجزائر موطنهم الأصلي.