اعتبر وزير الثقافة المصري، حلمي النمنم، أن وجود مصر ضيف شرف الدورة 21 لصالون الجزائر الدولي للكتاب، تأكيد على عمق العلاقات بين الدولتين والشعبين. وتحدث في حوار مطول مع "الخبر" عن أهم الخطوات لتفعيل العمل الثقافي المشترك خاصة في مجال الآثار. وقدم الوزير والصحفي والكاتب المصري وجهة نظره في قضية الإصلاح الديني التي طرحها من قبل، ودور الثقافة في التصدي للتطرف، بالإضافة إلى إضاءات أخرى حول نقاط متعددة تخص العلاقات الثقافية بين البلدين. اختيرت مصر ضيف شرف الطبعة ال 21 من الصالون الدولي للكتاب 2016 . كيف تقرؤون هذا الاختيار ؟ بالتأكيد، هذا الاختيار حينما أبلغت به منذ فترة من قبل الصديق العزيز معالي وزير الثقافة الجزائري، الشاعر عز الدين ميهوبي، كنت سعيدا به. تشارك مصر في صالون الجزائر الدولي للكتاب سنويا منذ تأسيسه، ولم ننقطع عنه نهائيا. وسبق وأن شاركت فيه في أكثر من دورة. شاركت في ندوة به مع المرحوم الطاهر وطار، وشاركت مرة أخرى للتغطية كصحفي. وهو من أهم المعارض في المنطقة العربية بالكامل. وبالنسبة لنا أن تختار مصر ضيف شرف به، له أكثر من دلالة. أولا يؤكد على علاقات قائمة موجودة وقوية، ثانيا يؤكد أن الثقافة تلعب دورا مهما في الترابط بين الشعوب والبلدان والأوطان. ثالثا أن منطقتنا العربية تمر بظروف بالغة الصعوبة، وأظن أن هذا الظرف يقتضي دورا أهم للفعاليات الثقافية والفعاليات الأدبية والفكرية. على ذكر دور أهم للفعاليات الثقافية والفكرية .. في ملف أعدته "الخبر" بمناسبة استعدادات مصر للمشاركة في صالون الجزائر الدولي للكتاب كضيف شرف، اشتكى عدد من المثقفين ودور النشر من قلة الفعاليات الثقافية والتبادل الثقافي بين البلدين، ما تعليقكم؟ أولا، لا أوافق على القول إن الفعاليات قليلة، هناك فعاليات كثيرة، على سبيل المثال أقمنا منذ شهر بمهرجان الإسكندرية الدولي، وكان وزير الثقافة مدعوا إليه وشاركت فيه الجزائر وعدد كبير من الدول العربية حضرت. المشكلة أن بعض المثقفين والكتّاب تحديدا يرون أن الثقافة قاصرة على الكتابة والكاتب والكتاب فقط، ولكن الثقافة أوسع من ذلك بكثير تشمل الكتاب والكاتب والفرقة المسرحية والحفل الموسيقي والعرض السينمائي، ولذلك هذه المرة ومصر ضيف شرف نشارك بالكتب وبحضور كتاب وبعروض فنية وعروض لأفلام سينمائية. في ظل الحديث عن التبادل الثقافي والمنطقة العربية تعيش وضعا صعبا، ألا ترون أن دور مصر كرائدة للإنتاج الثقافي والفكري تراجع أو انحصر؟ أقول تراجع إلى الوراء لا. انحصر أيضا لا. ولكن الذي حدث أنه في وقت من الأوقات كان الإنتاج الفكري والأدبي المصري والعربي معظمه ينتج في مصر، وكان ذلك في فترة الاستعمار. لكن الحمد لله الدول العربية تحررت، وأصبح بها نشاط ثقافي والأطراف العربية أصبح فيها إنتاج ثقافي، وبالتالي أصبح هناك تواجد ثقافي لكل البلدان العربية تقريبا، ولم يعد قاصرا على مصر وسورياوالعراق فقط كما كان من قبل. على سبيل المثال القاهرة منذ أربعينيات القرن الماضي يقام فيها معرضا للكتاب، لكن هل كان هناك معرض للكتاب وقتها في الجزائر؟ لا. أو في تونس؟ لا. أو المغرب؟ لا. وهكذا في كل الدول العربية. لم يبق العالم العربي على ما هو عليه، ولهذا أقول إن ظهور أنشطة ثقافية وفعاليات ثقافية في كل بلد عربي هي إضافة لنا وليس انتقاصا منا، بالعكس أنا سعيد بكل هذه الأنشطة، وهي دليل على حيوية الثقافة العربية وقوتها. دائما في إطار التبادل الثقافي في مصر هناك مركز ثقافي جزائري يعيش في غيبوبة، وفي الجزائر هناك مركز ثقافي مصري مغلق منذ عقود، ألا ترون أن تفعيل المركزين سيمكن البلدين من توطيد العلاقات الثقافة. أولا، منذ شهور تفضّل السيد وزير ثقافة الجزائر بزيارة إلى مصر، واشتركنا معا في حفل إصدار كتاب "فارس الصحراء" عن الأمير عبد القادر الجزائري، وجمعنا يومها لقاء مطولا في القاهرة، واتفقنا على تنشيط العمل الثقافي بين البلدين. واليوم، واصلنا المباحثات وسنستكملها غدا. مثلا لاحظنا في إطار زيادة الفعاليات الثقافية، أن هناك جوانب لم نقترب منها، لا في مصر ولا في الجزائر، مثلا الجانب الأثري، أعرف أن في الجزائر أثار جزائرية قديمة، وأظن أنه لو بحثنا فيها وفي الآثار المصرية سوف نكتشف أشياء كثيرة، وستؤكد لنا أن العلاقات بين البلدين قوية وعميقة في التاريخ. تعرفون أنه كان هناك مصاهرة فرعونية - جزائرية، وقد لا يعرف الكثير أن هناك في مصر أمازيغ مصريين "واحة سيوا"، وأنا سعيد وأحيي السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أدرج في الدستور الجزائري اللغة الأمازيغية لغة وطنية إلى جانب اللغة العربية، نحن نشيد به ونقدره عليه. اتفقنا اليوم أن يكون هناك تعاون أثري بين الباحثين المصريين والجزائريين في هذه المنطقة. لأنه في تصور كثيرين في مصر وأظن أنه في الجزائر أيضا أن العلاقات الجزائرية - المصرية بدأت مع ثورة التحرير الجزائرية، وبدأت بوجود الزعيم جمال عبد الناصر والرئيس أحمد بن بلة. طبعا الثورة الجزائرية واحدة من أعظم الثورات في التاريخ، ثورة مليون ونصف مليون شهيد التي حررت البلد بعد 132 سنة من الاحتلال. لكن العلاقات المصرية- الجزائرية أقدم من ذلك بكثير وأقوى. مثلا كان هناك في زمن محمد علي في حديث لما الفرنسيين قبل أن يغزو الجزائر، طلبوا من محمد علي أن يشارك في هذه المسألة ورفض. قبل ذلك هناك الفاطميين عندما جاؤوا إلى مصر وأقاموا دولتهم تحركوا من المغرب ومن الجزائر. مثلا نحن نعرف أن الكثير من المتصوفة في مصر هجروا إليها من الجزائر ومن تلمسان تحديدا. الأمير عبد القادر الجزائري حينما ترك الجزائر أقام فترة طويلة في مصر، وكان له فيه دور مهم جدا قبل أن يذهب إلى سوريا. ولعب دورا أثناء افتتاح قناة السويس 1869 لما كان بعض السلفيين ضد القناة، باعتبارها ضد خليقة الله، فهو تصدى لهم .. إذن العلاقات بين البلدين قوية وعميقة وممتدة في التاريخ، وعلينا أن نكتشفها. ثم لماذا ننسى ابن خلدون، أول كتابة للمقدمة كانت هنا في الجزائر، ثم جاء وأكملها في مصر، وأقام ربع قرن فيها. مثل هذه الجوانب من العلاقات ينبغي -في إطار الاتفاقيات- للباحثين المصريين والجزائريين أن يبحثوا فيها ولا نكتفي بالروايات والأشعار. ما هي الاتفاقيات التي يمكن أن تخرج بها هذه الزيارة والمباحثات مع الطرف الجزائري؟ دعنا نقول إن هناك بروتوكول ثقافي قديم بين البلدين، وبما أن الجزائر ومصر دولتان كل منهما عضو في جامعة الدول العربية وفي منظمة الإسيسكو، لسنا بحاجة إلى اتفاقيات جديدة، نحن بحاجة للعمل فقط وتفعيل هذه الاتفاقيات الموجودة وإن حدث جديد واقتضى الأمر توقيع اتفاقيات جديدة فأهلا وسهلا. مثلا اليوم اتفقنا أن تكون الجزائر ضيف شرف معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورة 2018، لسنا بحاجة لأن نوقّع اتفاقيات وبروتوكولات في هذه الأمور، لأنها موجودة والمطلوب تفعيلها وحتى وإن لم تكون موجودة لا أظن إننا بحاجة إليها نحتاج العمل فقط. تعلمون أن الجزائر تقدمت إلى اليونيسكو بترشيح تصنيف أغنية الراي كتراث عالمي، هل تدعمون الخطوة؟ نحن ندعم هذا المطلب، وساندناه من اللحظة الأولى، لأن أي إضافة أو أي اعتماد لأي نشاط ثقافي أو منتج ثقافي عربي في اليونيسكو، هو إضافة للثقافة العربية في الدول العربية كلها، وليس انتقاصا منها أبدا. لا نحبذ العودة إلى الماضي، لكن ماذا تبقى من الأزمة التي عرفتها العلاقات بين الجزائر ومصر بعد المباراة التأهيلية إلى كأس العالم 2009؟ أولا، هي كانت سحابة صيف وعبرت، والعلاقات أقدم بين البلدين وأعمق مما يؤثر فيها. فيما يتعلق في مباريات كرة القدم، ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم حدث أضعافه في بور سعيد وغيرها في مصر بين فرق محلية مصرية ويحدث مثيله في الجزائر وفي إسبانيا وفرنسا وكل دول العالم نحن نتحدث عن لعبة تعتمد على الحذاء. وقتها كنا حريصين وقلنا إن العلاقات بين الجزائر ومصر أقوى من أي مباراة لأن الكرة تذهب وتجيء. تحدّثتم في تصريحات لكم عن مفهوم الثورة الدينية، ماذا تقصدون بها وكيف يمكن أن نقوم بها؟ يحزنني أن الإسلام بات ينظر إليه في العالم أنه مصدر الإرهاب. ذات مرة كنت في الهند أزور مكانا أثريا وكنا في طابور، وكانت أمامي سيدة دانماركية، فالتفتت إليّ وسألتني هل أنت من روسيا؟ فقلت لها لا. قالت هل أنت ألماني؟ قلت لها لست ألمانيا، أنا مصري. نظرت إليّ وقالت "اجيبشن مسلم" وأصابها الذعر الشديد. قلت لها أنتم أغبياء لأنكم تتصورون أن كل مسلم هو أسامة بن لادن وهو أيمن الظواهري وديننا غير ذلك بالمرة ونحن لسنا إرهابيين، نحن شعوب تحب الحياة، وحضارة تحب الحياة وتقدس الحياة. آن الأوان أن نرد الاعتبار للإسلام، الإسلام اختطف من بعض الإرهابيين والمتشددين. نحن بحاجة إلى ثورة حقيقية للإصلاح الديني، وهذه الثورة كانت قد بدأت، لكن الاستعمار أوقفها. بدأت بوجود الأستاذ الإمام محمد عبده ومدرسته الممثلة في الجزائر مثلا بالشيخ عبد الحميد بن باديس وقبله الأمير عبد القادر الجزائري الذي يمثل الإسلام الصوفي العظيم، فهو إسلام وطني وإسلام إنساني ومتحضر. الإسلام يرفض أن يذبح شخص بسبب هويته الدينية، هذا هو الإسلام الذي ينبغي أن نعتنقه واعتنقناه وندافع عنه في هذا الإطار. كيف يتم التعاون بين البلدين مصر من جهة الشرق والجزائر في المغرب، خاصة مع ما تعرفه المنطقة العربية من اضطرابات وانتشار التطرف والإرهاب ؟ سعيد اليوم أنني رأيت مع وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، مسجد الجزائر الكبير الذي يبنى الآن، وسوف يكون جامعة إسلامية تقدم الإسلام المعتدل والمستنير الذي نحبه وندافع عنه. الجزائر مرّت بتجربة عنيفة جدا في التعامل مع الإرهاب، ومصر أيضا مرت بتجربة مشابهة. في أثناء تجربة الجزائر مع الإرهاب، ذهبت إلى السفارة الجزائرية في القاهرة وقابلت السفير وسمعت منه ما يحدث في الجزائر وجئت إليها مرتين، لكي أرى الأرض على الطبيعة هنا كمحقق صحفي، ووقتها حذرت من الذهاب بأنني لن أعود وسوف يقتلونني وكلام مشابه، ومع ذلك جئت وعدت ورأيت التجربة عن قرب. تجربتنا متشابهة في هذه المسألة وهذه مهمة لحماية العالم العربي، نحن نرى ما يحدث في سوريا وما يحدث في العراق وفي اليمن في ليبيا. نحن منذ سنوات كنا نبكي على ضياع فلسطين، لا نريد أن نبكي على ضياع بلدان أخرى، أنا شخصيا قلبي يتمزق حينما أرى ما يحدث في العراقوسوريا وفي اليمن وكلها بلاد وشعوب عربية شقيقة وكلها تقع على حدودنا وأي خطر فيها يمسنا بالتأكيد. كيف ترون دور الثقافة في محاربة هذا التطرف؟ التطرف في حد ذاته ظاهرة ثقافية شاذة، نشأت من ظروف مركبة، لكن أيضا نشأت من ضغوط دولية. الإسلام السياسي صناعة أجنبية، صنعته في مصر المخابرات البريطانية أثناء الاحتلال، ومع الأسف الشديد يوهموننا بالكثير. يقولون إن التطرف نتاج الفقر وبما أننا شعوب فقيرة سوف ينتهي بنا الأمر إلى أننا شعوب متطرفة. هل كان أسامة بن لادن فقيرا، بل كان عنده 17 سنة ولديه قصرا في جنيف. هل أيمن الظواهري فقيرا، بل هو ابن الارستقراطية المصرية. قالوا إنه نتاج الإسلام وهكذا قال برنار لويس إن الإسلام كدين يفرز هؤلاء. إذن كيف نفسر اغتيال أنديرا غاندي في الهند على يد متطرف هندوسي واغتيال غاندي قبله؟ كيف نفسر اغتيال الصهيوني العتيد إسحاق رابين على يد شاب يهودي متطرف، إذن لا هو نتيجة الفقر ولا هو نتيجة دين الإسلام كما يروجون. ثم قالوا لنا لستم مجتمعات ديمقراطية. جميل إذن ماذا عن فرنسا وأيضا في بلجيكا والعمليات التي حدثت في مدريد ولندن. إذن نحن أمام ظاهرة سياسية إنسانية معقدة ومركبة جدا، شاركت أطراف كثيرة في صناعتها من بينها أجهزة المخابرات الغربية ومجتمعاتنا هي التي تدفع الثمن. الآن بدأوا يتحركون ويتحدثون حينما وصل الخطر إليهم. ما هي وسائل المواجهة والتصدي لهذا الخطر؟ نواجهه في مستويات عدة في المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي. فيما يتعلق بالمستوى الثقافي، علينا أن نفتح باب الاجتهاد واسعا.. كان الإمام الشوكاني يقول، حيث تكون مصلحة الناس فتم شرع الله، فلنعد قراءة محمد عبده وحسن العطار ورفاعة الطهطاوي في مصر وعبد الحميد بن باديس والأمير عبد القادر ومحمد أركون في الجزائر وعمر المختار في ليبيا ونعيد قراءة هذا الإنتاج ونستمر فيه ونواصله. أنتم صحفي وتدركون أهمية الصورة وأهمية الإعلام في التصدي للتطرف وأيضا في تصحيح صورة المسلم لدى الآخر. ما هو الطريق أو كيف ننهض بهذا الدور إعلاميا؟ أقول إننا في العالم العربي غير ناجحين إعلاميا، أولا الإعلام العربي معظمه إعلام داخلي وإعلام محلي وليس فيه جزء لمخاطبة الآخر، وأيضا عندنا مشكلة مع الإعلام العربي، إن مصداقيته بدأت تهتز وبالتالي لم يعد مصدّقا كثيرا عند الآخرين. يعني مثلا من قبل كانت جريدة "الأهرام" في مصر واحدة من أهم 10 جرائد في العالم، أظن أننا لم نستطع أن نحافظ على ذلك، قس على ذلك في باقي الدول العربية. في بداية عملي الصحفي، كنت أظن أن العالم العربي يكمّل بعضه، ففي تونسوالجزائر والمغرب هم أقرب لفرنسا وستكون هذه البلدان نافذتنا على أوروبا، ويكملون ما لا نستطيع نحن القيام به ونحن الشيء نفسه. لكن لم يحدث هذا وإننا لم ننتبه لهذه القضية، نجيد تقديم صورتنا إلى الآخر، نحن فرّطنا كثيرا في صورتنا.