أثار قرار عدم دعوة الناشرين المصريين للمشاركة في فعاليات صالون الجزائر الدولي للكتاب، المزمع تنظيمه بداية من 28 أكتوبر المقبل، حفيظة الكثير من المثقفين الجزائريين الذين اعتبروا القرار غير مدروس، فيما اعتبر بعض الناشرين الذين استقصت ”الفجر” آراءهم، الناشر اللبناني هو المستفيد الأكبر، والناشر المصري لا يحضر سوى 1 بالمائة من الإصدارات الجديدة أن المقاطعة شرعيّة وضروريّة في هذا الظرف بالذات، وبأن غياب الكتاب المصري عن الصالون الجزائري ”لا حدث”.. الناشر المصري هو الخاسر، والبدائل موجودة يؤكّد الناشر حسان بن نعمان، ممثل دار الأمة للطباعة والنشر، بأن غياب مصر عن فعاليات الطبعة القادمة من معرض الجزائر الدولي للكتاب، لن يكون له التأثير الكبير على المعرض، باعتبار أن أكبر دور النشر اللبنانية والسورية والأجنبية الأخرى ستكون حاضرة في هذا المعرض، بالإضافة إلى دور النشر الوطنية التي تعد أكثر من 115 دار نشر. وأضاف المتحدث أن ”كل الكتب التي تأتينا من دور النشر المصرية تأتينا من دور نشر لبنانية، لكن هذا لا يعني بأن القارئ الجزائري سيفتقد العديد من الأعمال الأدبية التي في الغالب ما تكون حصرية لبعض دور النشر المصرية، لكن لا أعتقد بأنّ هذا سيكون له التأثير الكبير مقارنة مع ما سيفتقده الناشر المصري في السوق الجزائرية”. أما بخصوص مشاركة الناشرين المصريين في فعاليات الطبعة القادمة من معرض الكتاب من عدمها، قال بن نعمان بأنه شخصيا يعتبرها لا حدث، لأن في مشاركتهم بالمعرض هناك جوانب سلبية وجوانب إيجابية، وعدم مشاركتهم أيضا لها إيجابياتها وسلبياتها. من جهته قال الناشر والمكتبي محمد إسماعيل، مدير دار ”الحبر” للنشر، بأنه وبحكم عمله مطلع بشكل كبير على ما يأتي به الناشرون المصريون خلال مختلف معارض الكتاب السابقة التي نظمت بالجزائر، إذ يؤكد المتحدث أن الناشر المصري لا يحضر للسوق الجزائرية سوى الكتاب الديني، فيما تبقى بعض دور النشر المصرية الكبيرة تراهن على بيع كتبها القديمة، إذ لا يأتي الناشر المصري للسوق الجزائري بالجديد إلا نادرا، وبإمكان أي كان أن يبحث في دور النشر المصرية ويكتشف أنهم لا يحضرون إلينا إلا ما نسبته 1 بالمائة من الإصدارات الجديدة، فيما يحاولون بيع مخزونهم من الإصدارات القديمة لدينا، باعتبار أنّ ثمن الكتاب الجديد يكون غاليا مقارنة بالكتاب الذي مرّ على صدوره أكثر من 5 سنوات. وأكد المتحدث على غياب الرقابة الشاملة على مختلف القوائم التي ترسلها دور النشر المصرية، التي عادة ما تكون هي نفس القوائم التي تأتي في مختلف الطبعات، رغم أنّ القانون الداخلي الخاص بمعرض الكتاب يمنع ذلك ويضع قوانين صارمة بخصوص الإصدارات التي تدخل للمعرض، لكن الناشر المصري يستعمل الحيلة لإدخال مختلف الكتب القديمة أو الممنوعة من المشاركة ويصدرها للقارئ الجزائري، خاصة فيما يتعلق بالكتاب الديني. من خلال هذه المعطيات، يرى المتحدث أن غياب الناشر المصري لن يكون له التأثير الكبير، لأن أغلب الكتب الفكرية والأدبية التي يحتاجها المثقف الجزائري، سيجدها في السوق اللبنانية من خلال معرض بيروت العربي للكتاب، أو من خلال معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي يعتبر قبلة الناشرين والمثقفين من مختلف أنحاء العالم، دون أن ننسى بأن السوق المغربية والسوق السورية للكتاب بإمكان القارئ والمثقف الجزائري أن يجد فيها كتبا قيمة في الثقافة، الفكر، الأدب، ومختلف البحوث والدراسات التي يحتاجها. وفي سياق متصل، تأسف المكتبي محمد إسماعيل للقرار الذي تروج له مختلف وسائل الإعلام المصرية بخصوص عدم إرسال محافظة الصالون الدولي للكتاب لدعوة المشاركة الخاصة بهم، معتبرا أن هذا التصرف سيؤدي إلى اتساع فجوة القطيعة الثقافية بين الجزائر ومصر. من جهته قال الناشر عامر جعيجع، ممثل دار الخلدونية للنشر، أن ”غياب المشاركة المصرية ليس بالأمر المهم بالنسبة لنا كناشرين وكمثقفين، لأن هناك كتبا لمفكرين وروائيين وباحثين مهمينفي الساحة الأدبية العربية والعالمية، ينشرون مختلف أعمالهم في دور نشر لبنانية”، ومما لا شك فيه، يضيف المتحدث، يشكل الكتاب اللبناني أهم سوق مشترك للناشر والمكتبي والمثقف والباحث الجزائري، ولكن هذا لا يعني بالضرورة إقصاء الناشر المصري، بل على العكس، هناك كتب مهمة نجدها في دور نشر مصرية ولا نجدها في دور نشر أخرى. وفي الأخير دعا المتحدث إلى عدم الخلط بين أمور ثقافية وأمور الكرة التي أوصلتنا إلى القطيع بيننا وبين الناشرين والمثقفين المصريين، لأنه يعتقد أن الثقافة أهم من كل شيء. رابح محمودي، ممثل دار قرطبة للنشر والتوزيع لديه رأي آخر في الموضوع، حيث يقول بأن أي ناشر جزائري إذا ما تحدث بموضوعية في هذه القضية فسيكون رأيه مخالفا لما يروّج له، قائلا: ”إننا لا يمكن كناشرين وكمهتمين بالشأن الثقافي والفكري والأدبي أن ننسى ما تنتجه المخيلة الفكرية والأدبية المصرية، كما لا يمكننا أن نتخلى عن الأدب المصري لكون القضية تحمل تبعات ما حدث بين الجزائر ومصر في واقعة أم درمان الشهيرة تلك”، لذلك، يضيف المتحدث، أعتقد بأن القارئ الجزائري بحاجة لكل ما تنتجه الآداب والثقافات العربية بما فيها المصرية، تماما كما يحتاج القارئ والمثقف المصري لكل ما يطرح من آداب وفكر لكتاب ومفكرين جزائريين. وفي سياق ردّه على سؤالنا، نوه المتحدث إلى أنّ سوق الكتاب الجزائرية، أو بمعنى أصح معارض الكتاب الجزائرية، تعد الوجهة المحببة للناشرين العرب سواء كانوا مصريين، لبنانيين، سوريين، مغاربة أو غيرهم من الناشرين، لكون الجزائر ومن خلال معرض الكتاب الدولي، استطاعت أن تحظى بسمعة جيدة على المستوى المغرب العربي، المشرق العربي، وحتى أوروبا. وقبل أن يختم محمودي حديثه معنا، أوضح لنا بأنّ قضية مشاركة المصريين في معرض الكتاب الدولي الذي ستحتضنه الجزائر شهر أكتوبر القادم، ”تعد مسألة جدّ حساسة بالنظر إلى كوننا كجزائريين رفضنا حفاظا على أرواحنا المشاركة في فعاليات المعرض الدولي للكتاب الذي أقيم في مصر بداية السنة الجارية، على خلفية ما حدث في المباراة التي جمعت المنتخبين المصري والجزائري بالقاهرة في 14 نوفمبر 2009، وما أعقبها من هجوم إعلامي حاد على كل ما هو جزائري، لذلك فمن المؤكد أننا كجزائريين سنتفهم لو رفضت مصر المشاركة في مختلف النشاطات التي تقام بالجزائر، كما سيتفهم المصريون عدم رغبتنا في المشاركة في أي نشاط يقام بمصر، وهذا ما تم فعلاً في الدورة السابقة لمعرض الكتاب الذي أقيم هناك، حيث لم يشهد مشاركة الناشرين الجزائريين”. مثقفون جزائريون يستنكرون بعض المثقفين الجزائريين كان لهم رأيهم في الموضوع، ولو أن أغلبهم أجمع على أن خطوة استبعاد الناشرين المصريين من المشاركة في صالون الجزائر الدولي للكتاب، غير موفّقة، حيث كتبت الروائية الجزائرية فضيلة الفاروق أن موقفها من قرار استبعاد مشاركة الكتاب المصري لن يعجب أحدا. وقالت ”إننا شعب كسول وننتظر كل شيء من الدولة”. وأضافت أن استمرار الرفض الشعبي لعودة العلاقات بين البلدين مؤشر حقد متنام”. لذا فقد اعتبرت الفاروق أن قرار منع دور النشر المصرية غير سليم، واصفة المقبلين على هذه المبادرة ب”غير المثقفين”. الكاتب سعيد جاب الخير، بدوره يرى أنه لا ينبغي أن تدفع الثقافة ثمن الحسابات والفواتير السياسية. والمشكل حسبه أن الجزائريين في كثير من الأحيان يمارسون السياسة بأنوفهم بدل ممارستها بعقولهم مثل بقية العالم. وأضاف المتحدث في سياق موقفه من قرار الجزائر الرافض للثقافة المصرية أننا لو افترضنا أنه ينبغي أن نكرس العداوة مع المصريين، فهل يفترض أن يدفعنا ذلك إلى متابعة ما ينتجون من فكر أم العكس؟ وهو يتساءل من جديد هل معنى أن تتخذ فلانا عدوا ألا تقرأ له؟ أما الشاعر بوزيد حرز الله، فقد اعتبر أن حرمان الكتاب المصري من المشاركة في الصالون الدولي للكتاب المقرر من الثامن والعشرين أكتوبر وحتى السادس من نوفمبر المقبل، يعد خسارة بالنظر إلى القيمة الفكرية التي يتمتع بها الكتاب المصري، وهو الأمر الذي يقول الشاعر إنه لا يمكن إنكاره أو تجاهله. وأضاف بوزيد أن الأحقاد لا يمكن أن تدوم إلى الأبد خاصة بين الشعوب التي تجمعها أواصر الأخوة الضاربة في التاريخ. حتى أنه قال إن قرار استبعاد المشاركة المصرية شكل مفاجأة غير سارة بالنسبة إليه، واستغرب الشاعر كيف أن مباراة في كرة القدم يمكن أن تكون لها كل هذه التأثيرات. وعند سؤاله عن القرار الذي كان بالنظر إلى استمرار الرفض الشعبي لعودة العلاقات بين البلدين، أكد المتحدث أن الثقافة يجب أن تسمو عن كل هذه الحساسيات، كما يجب على المثقفين الجزائريين المساهمة في تجاوز الأمر بغض الطرف عما يدور على المستوى ”الشعبي” لم أفهم خلفية هذا القرار حتى الآن بصراحة ولم أجد له أي شيء يبرره. وفي هذا الصدد، ساند الكاتب والإعلامي الخير شوار بيان التنديد المشترك الذي نشره عدد من المثقفين الجزائريين والمصريين على صفحات ”الفايس بوك”، وأرجع شوّار موقفه إلى قناعته بأنه يحق للقارئ الجزائري الاطلاع على كل التجارب الإنسانية بغض النظر عن جنسيتها، معتبرا أن التجارب المصرية تبقى من أهم التجارب العربية، وبالتالي لا يحق لأي كان أن ينوب عن المثقف الجزائري في اختيار ما يقرأ. واعتبر شوار أن المشكل بدأ رياضيا وأخذ منعرجات خطيرة على كل المستويات خاصة الشعبية منها، إلا أن الملاحظ في الفترة الأخيرة أن المشكل حل على المستوى الرياضي والعلاقات بين الأندية الرياضية في البلدين عادت إلى سابق عهدها، حتى أن الفرق تستقبل فيما بينها بالأحضان. وبالتالي فهو يرى استغلال الثقافة في مثل هذه القضايا مرفوض، كما يرفض شوّار أن يتحمل القارئ الجزائري تبعات القرارات السياسية غير المدروسة. ”الشاعر الميّت” عادل صياد، هو الآخر اعتبر أن استبعاد المشاركة المصرية من الصالون الدولي للكتاب يعد خسارة لا يمكن تجاهلها، والأكثر من ذلك فهو يراها إساءة ليس لمصر ولكن للثقافة. وقال صيّاد أنه رغم الأحداث التي صاحبت مباراة أم درمان وبغض النظر عن الموقف الشعبي الغريب عن موقف المثقفين، إلا أنه يؤكد أنه ليس من حق أحد إنكار الدور الريادي لمصر في مجال صناعة الكتاب، وقال: ”شئنا أم أبينا فإن مصر تبقى مركزا للثقافة العربية والدين والأدب”. وأضاف أنه كمثقف جزائري لن يسمح بأن يسقط في قرار من أسماهم بالسطحيين والغوغائيين. كانت هذه بعض آراء الناشرين والمثقفين الجزائريين التي تباينت بين رافض ومؤيّد لقرار المقاطعة الثقافية بين مصر والجزائر، ما ينذر بتواصل الجدل المرتبط بما اصطلح على تسميته ”الأزمة الجزائرية المصرية”، إلى أجل غير مسمّى.