اختير رمضان لنزول القرآن لأنّه أشرف الأوقات، تكون النّفس فيه أقرب للتّوبة والرّجوع، والأوبة والخنوع، فيحصل لها من الهداية ما كان مفقودًا، ومن التّقوى ما كان بعيدًا، فهو مطهّر القلوب يغسلها من درن الذّنوب، يطفئ جمرها ويزيل حرّها، فما أكثر حسنات رمضان، عمارة المساجد بالعاكف والرّاكع والسّاجد، تلاوة القرآن والتّراويح، القنوت والتّسابيح، ضراعة ودعاء، خشوع وبكاء، نفقة وصدقة، تتغيّر ظلمة وجوه إلى نور، وقساوة نفوس إلى لين، وغلظة قلوب إلى رحمة لا نظير لها، كيف لا وابن عبّاس رضي الله عنهما يصف المؤمن وهو يلبس الطّاعات ويتجمّل بالقربات ”إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسعة في الرّزق، وقوّة في البدن، ومحبّة في قلوب الخلق، وإن للسيّئة سودًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرّزق، وكرهًا في قلوب الخَلق”. رمضان والقرآن أو الصّيام والقيام يكسّران سورة المادة، ويغلبان ثورة النّفس، فلا يظهر المرء إلاّ منكسر القلب، خفيض الجناح، ذليلاً بين يدي مولاه، ولسان حاله يقول: ”يا ربّ كنت نسيتُك وأنا الآن ذكّارٌ لك فاذكُرني، يا ربّ كنتُ غافلاً وقد استيقظتُ فاقبِلني، يا ربّ ركبَني الغرور، ولبِسَني الكبر والعُجب، وها قد جِئْتُك ذليلاً في تواضع فاجْبُر ما انكسر، وأصْلِح ما أفسد. يا من علا فرأى ما في القلوب وما تحت الثرى، وظلام اللّيل منسدل، أنتَ الغيّاث لمَن ضاقت مذاهبه، أنتَ الدّليل لمَن حارت به الحيل”، وفي بعض الآثار: ”أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي”. حسبي الوقوف بباب الذُلِّ منكسرًا أمُّرغُ الخَدّ بالأعتاب لم أحِدِ